المركز الصحفي السوري _ زهرة محمد
لم يتوقع العالم في القرن الحادي والعشرين أن يعيش رعب جائحة حقيقية، باتت ترهب كل من على الأرض حتى الملوك والقياصرة، فقد كان الجميع يظن أن هذا لا يحصل إلا في أفلام هوليوود، وأفلام الخيال العلمي، إلا أن الدول والعالم قاطبة بات يرتعد بسبب كارثة من نوع لم تشهد له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية على جميع الأصعدة، فحتى إعداد هذا المقال فحصيلة هذا الوحش الذي لا يرى بالعين أكثر8027975 حالة مرضية و أكثر من 437168 حالة وفاة في أنحاء العالم.
وباتت الدول تتسابق مع الزمن للحصول على الدواء السحري الذي قد يقضي على هذا الوباء الذي كلف الدول مليارات فحسب صندوق النقد الدولي فإن الخسائر العالمية 9 تريليونات دولار خلال عامين بسبب كورونا، في ما اعتبره الجميع خسارة اقتصادية كانت ضربة غير متوقعة لكثير من الدول منها دول عظمى، كأمريكا والصين واتحاد الدول الأوربي.
إلا أنه وحتى الآن ورغم محاولة كل الدول مكافحة الوباء بشتى الطرق، في دمج القطاعين الطبي والعسكري أحيانا لبعض الدول وإعلان حالة الطوارئ والحظر التام لبعضها كفرنسا وإيطاليا، فقد تكشف سوءة الوضع الطبي في أغلب دول العالم، وكان منها الدول العربية والتي تعتبر الحلقة الأضعف في تصديها للوباء.
ففي إيطاليا وحدها بلغ عدد المصابين من القطاع الصحي والطبي أكثر من 21.681
وقد أبان الوباء حجم الهوة الطبية حول العالم لوباء جديد لم يستطع أحد مجابهته، فقد اتضح أن القطاع الصحي هو الأقل دعما بين كل القطاعات، بل أسوءها على الإطلاق فأصبح الأطباء في مواجهة مباشرة مع موت محقق مع عدم الدعم المؤسساتي على صعيد الحماية وتأمين الأجهزة الطبية في كل الدول بلا استثناء.
في حين تصدرت الأسلحة لديها في المرتبة الأولى، وبينما طلبت بعضها المساعدة بشكل علني
عمدت بعض إلى استعمال طرق القراصنة، حيث اعترضت أكثر دولة مساعدات كانت مرسلة من الصين وغيرها لدول أخرى، كالذي فعلته إيطاليا في اعتراض شحنة طبية كانت من المفروض متوجهة إلى تونس!!
اتهامات متبادلة !!
لعل من أكثر المفارقات غرابة هي التصريحات التي قامت بها منظمة الصحة العالمية، والتي يعتبرها العالم المصدر الرسمي للمعلومات الطبية حول وباء كوفيد 19هي تراجع الأخيرة عن خمس تصريحات دار حولها جدل عالمي، وشكل خوفا لدى العالم من اعتماد المنظمة كمصدر قوي للمعلومات حول الوباء، وكان من ضمنها تصريحها حول عدم وجوب وضع الكمامة الطبية إلا لمن يعاني بعض الأعراض أو لديه تخوف من إصابته، لتعود فتتراجع عن التصريح بأنه يجب على الجميع وضع الكمامة للوقاية، أيضا نوع الكمامات التي يجب ارتداءها فقد أوصت بنوع خاص من الكمامات موضحة ذلك أن النوع الرديء قد ينقل العدوى، لتعود وتصرح أنه من الممكن وضع أي كمامة ولو كانت من القماش العادي، بعد أن تم عمل حملة سخرية على وزارة الصحة الأردنية لقولها بأن وضع (الشماغ) على الوجه قد يمنع العدوى، بالإضافة لتصريحات أخرى حول المضادات والأدوية الممنوعة منها عقار الإيبروفين الذي أوصت بمنعه ثم عاودت الرجوع عن تصريحها بالسماح به مبررة أنها استندت لدراسة غير قوية عندما أوصت بعدم تناوله، ولكن الأمر قد تعدى ذلك فقد طال منظمة الصحة العالمية اتهامات كبيرة بإخفائها الكثير من المعلومات، بل ومساعدة الصين في إخفاء المعلومات كما قال الرئيس الأمريكي ( دونالد ترامب) عندما صرح بأن المنظمة أصبحت غير موثوقة وبدأ بدراسة وقف دعمها من قبل الولايات المتحدة، وفي حملة التشكيكات والاتهامات كانت الولايات المتحدة تتهم الصين بالكذب بالمعلومات التي صرحت بها للعالم، حيث اتهمها بإخفاء العدد الحقيقي للمرضى وطرق انتشاره، واتهمها بأنها قامت بتصنيع الوباء في مختبراتها في حربها الاقتصادية مع أمريكا، وردت الصين بدورها بأنها تتهم أمريكا بأنها هي من صنعت الوباء لتضرب الصين الذي أصبحت من أقوى الدول الاقتصادية ولتكبح عجلة تقدمها الاقتصادي .
تباعد وحظر … ما هو الأثر!!
رغم كل ما يجري إلا أن ما يهم المجتمعات في كل تلك المعمعة، هو فرض التباعد الاجتماعي الذي، بات شبحا ووحشا مخيفا أكبر من خطر كورونا نفسه، حيث بات يتحتم على الجميع التباعد الاجتماعي، والذي فرضته الدول للحد من انتشار الوباء، لشهور طويلة على كل مفاصل الحياة التجارية والاقتصادية و حتى دور العبادة والزيارات والتواصل !! ليشمل ذلك تباعد الكل عن الكل ..
و رغم أن بعض الدول عمدت لعدم التشديد في فرضها للحظر إلا أن أغلب الدول ارتأت أن التباعد الاجتماعي قد يحد فعليا من انتشار الجائحة، وقد أوضحت دراسات قام بها باحثون غربيون أن الآثار النفسية للتباعد خطيرة جدا، حيث قد يعاني البعض من الاكتئاب و الحزن والوحدة، وأن خطر الحظر بات يشكل تهديدا أكبر من المرض بحد ذاته لو استمر طويلا.
وتعتبر مجتمعاتنا العربية الأكثر تضررا؛ حيث نمط الحياة المختلف تماما عن الغرب، فالتقارب العائلي والعادات والزيارات قد تكون في القادم من الشهور ولربما السنوات شيء من المنسيات، فحتى ولو بات الحظر مخففا فإن آثار الترهيب والخوف والذعر من العدوى سوف تكون موجودة، عدا عن عدم تجهيز الدول العربية لانتكاسة في حال تمت العودة للحياة بشكل طبيعي، مما يضع المواطن العربي في حالة خوف من مطرقة التقارب وسندان التباعد، وتلك من أكثر الأمور التي تشكل سؤالا ليس له إجابة للملايين، أيضا يترتب على التباعد آثار سلبية كبيرة منها الخوف الكبير الذي يؤدي لمشاكل صحية كثيرة منها أمراض القلب والضغط.
وإذا رأينا خلال الشهور الماضية كيف تعامل الناس من الحظر والتباعد لوجدنا أن الآثار ربما تكون أكثر خطرا من المتوقع، فحتى الأطفال باتوا قلقين من الذهاب للمدارس والعدوى من زملائهم، وبات الخروج من المنزل يشكل رهابا بحد ذاته لولم يكن هناك اختلاط مع أحد .
وإن لم يكن ذلك كافيا، فقد كانت أثار الحجر الصحي كارثية على أغلب العاملين فقد انتشرت العدوى في بؤر للعمل في بعض الدول كالمغرب التي انتشرت اغلب البؤر لديها في المعامل التي لم يشملها الحظر،
بينما وجدنا الكثير كان عاطلا عن العمل أن يعمل من منزله في عزلة تامة، وكان عدد العاطلين عن العمل وبحسب تقرير جديد لمنظمة العمل الدولية، فإنه من المتوقع أن يشهد العالم تقليصا في الوظائف لنحو 200 مليون من الموظفين بدوام كامل في الشهور الحالية، وتوقعت المنظمة تعرّض 25 مليون وظيفة للتهديد بسبب كـوفيد-19 وفي إجراءات الدول للحظر الجزئي والكامل ، و قالت أن الوضع بات كارثيا على نحو 2.7 مليار عامل، أي 4 من بين كل 5 من القوى العاملة في العالم.
وإذا نظرنا في كل تلك المعطيات فلربما يعطينا ذلك نظرة على ما سيكون عليه الوضع على كل الأصعدة في العالم، فيكف في الدول العربية التي تشكو من ضعف اقتصادي و تجاري، وعلى مايبدو أنه بات علينا التعايش مع وجود الوباء في حياتنا، حتى تحدث معجزة طبية ويكتشف لهذا الشبح دواء فعالا قد يقضي عليه كما تم القضاء سابقا منها من الأوبئة كالسارس وإيبولا اللذان حصدا الآلاف من الضحايا قبل سنوات، إلا أن السؤال الذي يروادنا جميعا هو متى سيتم ذلك وهل سيكون قريبا أم علينا الانتظار طويلا قبل أن نبصر فرحة انتصارنا على هذا الوباء الذي جعل كل الدول تعيد حساباتها حول قدرتهم في كبح المجهول وإن كان فيروسا لا ير بالعين للأبد!؟.