إبراهيم درويش
لندن – «القدس العربي»: هل حصدت روسيا ثمار المواجهة بين إيران وإسرائيل في سوريا؟ سؤال أجاب عليه ماثيو أر جي برودسكي في موقع مجلة «ناشيونال إنترست» وقال فيه إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زاد من تأثيره في هرم القوة في سوريا نتيجة للغارات الجوية المكثفة التي استهدفت مواقع إيرانية ودفاعات نظام بشار الأسد. وأطلقت القوات الإسرائيلية على العملية «بيت الورق» وهي من أكثف العمليات العسكرية التي يقوم بها الإسرائيليون في العمق السوري منذ عام 1973.
ويرى أن طبيعة الرد الإيراني هي ما سيحدد نتائج العملية وإن كان سيترجم إلى انتصار سياسي، ولكن الغارات بدون شك تعتبر نكسة كبيرة لإيران في أسبوع شهد سلسلة من القرارات المخيبة. وفي الوقت نفسه تعزز موقع بوتين في الشرق الأوسط وكل ما بقي له هو أن يقول «نعم» لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
ولم تكن هذه النتيجة مضمونة عندما التقى نتنياهو مع بوتين في موسكو. مع أن نتنياهو حمل معه أوراقه الدبلوماسية، ذلك أن الضربات الجوية بدأت بعد ساعات من وصوله إلى موسكو وحصل على مباركة من الكرملين، وتم إخبار الولايات المتحدة مقدما قبل الغارات. وحسب مسؤول بارز في سلاح الجو الإسرائيلي نقلت عنه صحيفة «تايمز أو إسرائيل»: «أخبرنا الروس أننا سنغير على سوريا ولكننا لم نحدد لهم بالضبط مكان الغارات أو الأهداف» مضيفاً «عملت آلية خفض التوتر جيداً واحتفظنا بالحرية للقيام بالعملية».
تجنب صدامات
ويرى الكاتب أن قبول الكرملين واستيعابه قلق نتنياهو وغياب النقد لإسرائيل في أعقاب العملية يعد تطوراً جديداً ومريحاً للحكومة الإسرائيلية، خاصة أن روسيا لعبت دور الحكم منذ أيلول (سبتمبر) 2015 عندما أرسلت طائراتها إلى الحرب للدفاع عن نظام الديكتاتور بشار الأسد. وأصبح الوجود الروسي ولعدة سنوات عقبة أمام إسرائيل لفرض ما تراه خطوطها الحمراء واقتضت نتنياهو دبلوماسية ماهرة لإقناع الروس بمعايير إسرائيل العملياتية وتجنب الصدام مع الطيران الروسي.
واستطاعت إسرائيل منذ عام 2015 وبعد 10 لقاءات بين نتنياهو وبوتين تجنب أية صدامات لكنها لم تكن متفقة مع موسكو بشأن الوجود الإيراني في سوريا، فمثلاً لم تأخذ اتفاقيات خفض التوتر في جنوب غربي سوريا عام 2017 التي أشرفت عليها موسكو لم تأخذ بعين الإعتبار مظاهر القلق الإسرائيلية. وحتى البيان الأمريكي – الروسي المشترك في تشرين الثاني (نوفمبر) 2017 والذي دعا لخفض والتخلص نهائياً من المقاتلين الأجانب في سوريا كجزء من إنشاء منطقة خفض التوتر ناقضه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي أشار للوجود الإيراني في سوريا بـ «الشرعي» وأن روسيا ليست ملتزمة بسحب القوات الإيرانية أو الجماعات الموالية لها. كما عبرت روسيا عن عدم رضاها علناً خاصة بعد الغارات في شباط/فبراير ونيسان/إبريل ضد قاعدة تيفور في محافظة حمص التي تعتبر مركز انطلاق طائرات بدون طيار للحرس الثوري الإيراني ويستخدمها الروس أيضا.
وأشارت تقارير إلى أن نتنياهو كان على وشك منح الضوء الأخضر لعملية واسعة بعد إسقاط الدفاعات السورية مقاتلة أف-16 الإسرائيلية لكنه تراجع بعد تلقيه مكالمة غاضبة من بوتين. كما وغضب الروس بعد الغارات في نيسان/إبريل وفكرت موسكو بإرسال النظام الصاروخي إس إي-10 (أس-300) المضاد للطائرات. وكان التوتر متزايداً بين إسرائيل وروسيا إلا أن لقاء نتنياهو في موسكو ونجاح عملية بيت الورق فقد دعمت روسيا صفقة.
استهداف إيران فقط
واهم من كل هذا هو قرار الكرملين عدم إرسال النظام الصاروخي حيث قال أحد كبار المسؤولين الروس، فلاديمير كوزجين «في الوقت الحالي لا نتحدث عن إرسال أنظمة حديثة» مضيفة أن سوريا «لديها كل شيء تريده رغم تدمير معظم أنظمة الدفاع الجوية السورية.
ويعتقد الكاتب أن الموقف الروسي جاء بعد إقناع نتنياهو بوتين بأن إسرائيل مهتمة فقط باستهداف إيران وجماعاتها الوكيلة في سوريا ولا تريد ضرب الأرصدة الروسية ولا أسلحة نظام الأسد. وفي الحقيقة سيحذر الإسرائيليون الأسد بعدم التحرك عند بدء العملية. ولو قرر الجيش السوري الرد فسيتم الرد عليه دون استهداف الأسد نفسه. كما ولن توسع إسرائيل الحرب إلى لبنان طالما لم تطالب إيران حزب الله بشن هجمات ضد إسرائيل. وبالمختصر فقد تم تقديم العملية بشكل محدود من ناحية الوقت والمنظور، أي استهداف الأرصدة العسكرية الإيرانية.
أما بالنسبة لإرسال نظام الصواريخ إس-300 فقد يكون نتنياهو شدد على بوتين أن إرسال منظومة كهذه تعتبر خرقا للخطوط الحمر وسيتم استهدافه. وبالنسبة لنشر نفس المنظومة على السواحل السورية حيث تحتفظ روسيا بقواعد عسكرية فهذا مقبول خاصة أن المنظومة نشرت ردا على إسقاط تركيا مقاتلة سوخوي- 24 في كانون الأول (ديسمبر) 2015. وبناء على هذا التفاهم استطاعت إسرائيل ضرب مواقع لحزب الله في الكسوة جنوبي دمشق والقنيطرة باستخدام مقاتلات إف-15 و إف-16.
كان يمكن لروسيا تعقيد الصورة من خلال مواجهة مع إسرائيل ضد ما تراه هذه خطوطاً أمنية حمراء لا يمكن التفاوض عليها إلا أن بوتين رأى أن مواجهة كهذه ليست في صالحه وأهدافه القائمة على الحفاظ وتوسيع وجوده العسكري ليظل الحَكَم الإقليمي في النزاعات. وربما توصل الرئيس الروسي إلى هذه فكرة تحقيقه أهدافه بدون إيران وضد رغبات الأسد الذي سيصبح أكثر اعتماداً على موسكو بعد تلاشي الدور الإيراني.
وبالنسبة لفلاديمير بوتين فالطريق لتقوية إنجازاته في سوريا ربما جاء عبر اتفاق مع إسرائيل بشكل يحصن موقع روسيا ومع الولايات المتحدة التي تركز على قتال تنظيم الدولة وتخطط للخروج من سوريا. وهذا يعني امرين، الأول أن العلاقة مع إيران في سوريا ليست جذابة مثل العلاقة مع إسرائيل. الثاني هو أن العملية كشفت عن طبيعة الوجود الإيراني في سوريا باعتباره «بيتاً من ورق».
المصدر: القدس العربي