“ستيفان ديمستورا” المبعوث الدولي الخاص إلى سورية, وفي لقاء له عبر “تلفزيون العربية الحدث”, يوضح بعض الأمور الضبابية التي طالما انتقدته بها بعض شخصيات المعارضة, لدرجة وصلت ببعضهم إلى اتهامه بالانحياز لضغوط الحلف الثلاثي “النظام, وروسيا, وإيران”, خصوصاً بعد أن استعار “ديمستورا” لهجة التهديد والوعيد التي يستخدمها الحلفاء الثلاثة عندما صرّح قبيل انعقاد أعمال جينيف4 بعيداً عن التزامه بمهامه الحيادية فقال:
“في حال فشل هذا المؤتمر, فإن النظام سيفعل بإدلب ما فعله في حلب!”.
لاقت هذه التصريحات انتقادات واسعة من عدة أطراف وشخصيات وأجسام سياسية محسوبة على المعارضة السورية, إلّا أن “ديمستورا” يعود اليوم ليتدارك مواقفه السابقة بانتقادات “خجولة” للنظام السوري, حيث انتقد المبعوث الدولي قيام النظام السوري باستغلال شماعة مكافحة الإرهاب لضرب المنشآت الحيوية وتدمير البنى التحتية وقتل وتشريد الآلاف من المدنيين الأبرياء عندما قال:
“النظام يقصف بعنف شديد منذ عامين أو ثلاثة, فهل تعني مكافحة الإرهاب قصف المدن ومحاصرتها؟, هل نستطيع أن نبرر للنظام قيامه بقصف مدينة كاملة من أجل مكافحة 300 “إرهابي” من تنظيم الدولة الإسلامية أو النصرة أو القاعدة في مدينة يعيش فيها أكثر من 200 ألف مدني؟, كان هذا ضمن نقاشنا في بند مكافحة الإرهاب, حيث لم يعد شرطا لدى أي طرف أكثر من استراتيجية”.
وأشار ديمستورا أيضا إلى أن الأجندة التي أعدتها الأمم المتحدة لمحادثات جينيف قائمة على القرار الأممي رقم 2254 الذي ينص صراحة على الانتقال السياسي للسلطة ودستور جديد وانتخابات جديدة ومكافحة الإرهاب, حيث قال ديمستورا:
“إن الأجندة التي أعدتها الأمم المتحدة قائمة على القرار 2254 ولا نملك قرارات ومستندات دولية كثيرة لاستخدامها في محادثات جينيف, وحده القرار 2254 الذي ينص صراحة على الأجندة وهي هيئة الحكم الانتقالية والدستور الجديد والانتخابات الجديدة ومكافحة الإرهاب”.
وقد أشار ديمستورا إلى اتفاق وقف إطلاق النار والذي تم إبرامه في العاصمة “أستانة”, إطلاق النار الذي سيساعد في إنجاح مفاوضات جينيف, حيث أكمل قائلاً:
“هؤلاء الذين لهم نفوذ على وقف القتال يجب أن يتفقوا فيما بينهم, حتى الآن وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في أستانة متماسك, لأن الضامنين اتفقوا على قواعد اللعبة, روسيا وتركيا والآن إيران لهذا محادثات أستانة مهمة, ولو أمكننا تخفيف العنف في سورية عبر وقف إطلاق النار وتثبيته, فهذا سيساعدنا في محادثات جينيف”.
الملموس في حديث ديمستورا هو ابتعاده عن نقل الرسائل الشفهية المقصودة أو المتوقعة, وسلوكه الطريقة الأكثر دبلوماسية التي وصفها البعض “بالمتزنة” عندما ركّز في حديثه على القرار 2254 وبنوده المتعلقة بتشكيل هيئة الحكم الانتقالية, وبذلك يكون ديمستورا قد أعطى دلالة واضحة بمسألة تسلسل وتراتب بنود هذا القرار الدولي الذي يعتبر كمرجعية اساسية تنطلق منها المفاوضات في جينيف, ومن هنا نستطيع القول أن ديمستورا أراد أن يقول ان القضية الاساسية في محادثات جينيف هي قضية انتقال السلطة وليس تشكيل حكومة وحدة وطنية على الطريقة التي يصر عليها النظام السوري, ثم تأتي القضايا الأخرى المتعلقة في القرار ضمن المراحل التالية, وبذلك يكون ديمستورا قد أعاد التركيز من جديد على الشرعية الأساسية التي تصر المعارضة السورية على بحثها بعيداً عن الدوران في حلقة مفرغة.
هناك أمر آخر يجب ان نقف عنده, وهو إشارة ديمستورا إلى مسألة جرائم الحرب التي تم ارتكابها في سورية من قبل عدة أطراف وهو مضمون السلّة الخامسة من السلال التي تحدث عنها ديمستورا, سيما أم المبعوث الدولي تحدّث عن قصف المدنيين في حلب, وقصف ومحاصرة المدن والبلدات الأخرى بالشكل الذي لا يرضي النظام الذي يحاول الالتفاف حول بنود ومضمون هذه السلة, لذلك نستطيع القول أن ديمستورا مزج بين جرائم الحرب بشكل عام مع إرهاب الدولة الذي مارسه ويمارسه النظام السوري بحق أبناء الشعب منذ ست سنوات حتى الآن.
إلّا أن ديمستورا لم يكن منصفاً في وصفه للوضع الميداني في الداخل السوري عندما وصف اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم إبرامه في “أستانة” بالمتماسك, فهو يتجاهل من جديد استمرار الحملات العسكرية التي يقوم بها النظام السوري وحلفاؤه على الأرض, عدا عن قيامه بحملة تصعيد عنيفة باستهداف المناطق المحاصرة والمحررة بالطير ان الحربي بكثافة شديدة أعادت المجازر البشعة بحق المدنيين إلى الواجهة من جديد, بل إن الطرف الضامن الروسي شارك في بعضها وقد تم توثيق بعضها.
لذلك يمكن القول, أن البناء على تصريحات ديمستورا الأخيرة والتي اتبع فيها سياسة “شد وإرخاء الحبال”, ليست واضحة المعالم بشكل كامل, ولكن الأكثر وضوحاً هو خروج ديمستورا عن صمته من جديد بتوجيه أصابع الاتهام للنظام السوري بارتكاب المجازر بحق المدنيين, وابتعاده عن استخدام أساليب الضغط المختلفة على أجسام وشخصيات المعارضة السورية باتباع وسائل نقل التهديد وأدواتها, ومن هنا نستخلص الغاية الاساسية من حديث ديمستورا وهي تدارك الموقف قبل انهياره..
المركز الصحفي السوري-حازم الحلبي.