مع تفجر الانتفاضة الشعبية السلمية في سوريا منتصف آذار/مارس 2011 صرخ المتظاهرون بأعلى صوتهم مطالبين بالحرية والكرامة التي حرموا منها طيلة أربعة عقود مضت من حكم البعث للبلاد.
هناك مثل شعبي متعارف لدى السوريين ” إن ما كبرت ما بتصغر”، فما إن سقط أول شهيد برصاص قوات الأمن السورية في جمعة الكرامة في 18 آذار/مارس 2011 في مدينة درعا جنوب سوريا حتى أيقن المتظاهرون أن لا عودة للوراء وأن قوافل الشهداء ستقدم على مذبح الحرية مهما كان الثمن غالياً.
ولا بد هنا أن نذكّر أن المظاهرات شملت كافة البقاع السورية من درعا إلى دمشق إلى حمص وحماة وإدلب ودمشق والساحل السوري متمثلاً بمدينة بانياس التي شهدت أول انتهاكات ممنهجة لقوات الأمن والشبيحة الذين جمّعوا المتظاهرين في ساحة عامة وقاموا بركلهم و دوسهم بأقدامهم، وعلى إثرها تصاعدت الاحتجاجات التي انتهت باقتحام قوات الأمن للمدينة وإخضاعها بالقوة.
هذا عدا عن مشاركة كافة شرائح المجتمع لا سيما الأطفال والنساء، حيث تميزت دمشق بالمظاهرات النسائية التي خرجت في ساحة عرنوس مطالبة بفك الحصار عن مدينة درعا ناهيك عن مظاهرات نسائية أخرى في داريا وحرستا وغيرها من البلدات.
عندما بدأ الناشطون السوريون بإرسال مقاطع المظاهرات والانتهاكات عبر هواتفهم المحمولة إلى الإعلام ظنوا أن العالم لن يقف متفرجاً ومتواطئاً كما حدث في ثمانينيات القرن الماضي عندما ارتكب نظام حافظ الأسد المذبحة المروعة في مدينة حماة شتاء عام 1980 دون أن تحظى تلك المذبحة ولو بكلمة إدانة واحدة من دول العالم.
لكن الأمر تكرر ثانية وعاود النظام السوري مع حلفائه من الميليشيات الطائفية اتباع نفس السياسة الهمجية متجاهلا كل النداءات لوقف القتل.
ومع توالي سنين الثورة ازداد العنف وتحولت من التظاهر السلمي إلى النضال المسلح الذي تسبب بسقوط عشرات آلاف الضحايا من المدنيين، وكذلك أرقام مروعة لعدد الجرحى والمعتقلين في سجون النظام، هذا فضلاً عن استعمال كافة أنواع الأسلحة المحرمة دولياً قبل أن تتحول البلاد إلى ساحة صراع دولي.
من “حسام عياش” و “محمود الجوابرة” بدأت حكاية الشهادة في سوريا ولا ندري إلى متى سيتوقف عداد الموت في هذا البلد. هناك من أطلق على الثورة في سوريا “الثورة اليتيمة” لأنها الوحيدة التي وقف العالم بكل قوته لإجهاضها والنيل منها. وهنا لا نبالغ إذا ما قلنا “سوريا الشهيدة”، فكل فرد يعيش على الأرض هناك هو مشروع شهيد مع تعدد العذابات التي يواجهها الإنسان السوري.
“الأسد أو لا أحد” المقولة الشهيرة لجنود الأسد بداية الأحداث، حيث لم يتوقع أشد المتشائمين وقتذاك أن تتحول هذه المقولة الممعنة في الطائفية والعقيدة الفاسدة إلى واقع مُعاش بعد 6 سنوات، فمع سقوط ما يزيد عن نصف مليون شخص وعشرات آلاف المعتقلين و 11 مليون نازح ولاجئ نستقرئ فحش هذه الحرب التي دمرت الإنسان السوري وتركيبته الفريدة التي بقيت متماسكة عبر السنين.
لن أستطيع الإحاطة بكافة التفاصيل، فلكل بقعة في سوريا حكايتها الخاصة بها، وأعتذر هنا لكل الشعب الذي لن يستطيع قلمي أن يحيط بمأساته التي كشفت كل الأقنعة، لكنه تمكن عبر هذه السنين من كسر أسوار مملكة الخوف “مملكة الأسد” ولن يسمح لأحد أياً كان أن يعيده إلى قفص الديكتاتورية تحت أية مسميات كانت ليبقى شعار” حرية وبس” هو أصدق شعار ردده المتظاهرون للتعبير عما يعتمل في خواطرهم من مكنونات.