وجدت المطالبات القطرية بفك الحصار عن بلدة مضايا الواقعة بريف دمشق الغربي، “جواً”، صداها شعبياً لدى الجاليات السورية ومواطنين في بريطانيا، ولدى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.
وفي رسائل بعثها وزير خارجية قطر، خالد العطية، أمس الجمعة، إلى كل من رئيس مجلس الأمن الدولي، إليبو فيريري، والأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، ورئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، موغنز ليكيتوفت، طالبت قطر بـ”اتخاذ الإجراءات الكفيلة لضمان إيصال المساعدة الإنسانية الطارئة فوراً (…) بجميع السبل المتاحة التي تستدعيها عجالة الوضع الإنساني، بما في ذلك إيصالها براً وجواً”.
ورأى العطية أن “استمرار وإصرار النظام السوري وأعوانه في استخدام سياسة حصار المناطق المدنية، بما في ذلك استخدام سياسة التجويع سلاحاً، هو جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية”.
وكان الموقف القطري أول موقف رسمي يصدر عن دولة بخصوص الحصار الذي تفرضه قوات نظام بشار الأسد وحليفه الشيعي اللبناني حزب الله منذ 209 أيام.
وفي حين أُعلن أن نظام الأسد وافق، الخميس، على إدخال المساعدات الإنسانية إلى مضايا، مقابل إدخال المساعدات إلى بلدتي كفريا والفوعة بريف إدلب المحاصرتين من قبل الثوار، إلا أنه حتى الآن لم تدخل أي مساعدات كما لم يتقدم بهذا الاتجاه خطوة واحدة، الأمر الذي استدعى الحديث عن إلقاء المساعدات من الجو.
وجاء في البيان لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الخميس، عبّرت المنظمة عن ترحيبها “بالموافقة التي تلقتها اليوم من الحكومة السورية بشأن إيصال المساعدات الإنسانية إلى مضايا والفوعة وكفريا، وتعمل على تحضير القوافل لانطلاقها في أقرب فرصة”.
في حين يموت الناس في مضايا من الجوع، كما أكد سكان محليون تواصل معهم “الخليج أونلاين” عبر “واتساب” وتوثق من وجودهم داخلها، وكما أكدت صور كثيرة لأشخاص تم التأكد من وجودهم في مضايا ماتوا جوعاً أو استحالت أجسادهم إلى هياكل عظيمة بفعل نقص التغذية.
وهذا يأتي أيضاً ضمن تأكيدات منظمة أطباء بلا حدود أمس التي أعلنت عن وفاة 23 شخصاً جوعاً في البلدة، وتقارير كثيرة لمنظمات حقوقية محلية.
ومع ذلك، فإن المحاصرين في بلدتي كفريا والفوعا المحاصرتين لم يشتكوا من الجوع أو نقص الغذاء قط، بفعل رمي نظام الأسد للغذاء عبر المروحيات والطائرات، وتساهل القوات التي تحاصر البلدتين الشيعيتين في إدخال المؤن الغذائية الضرورية لاعتبارات إنسانية وأخلاقية، بخلاف ما يفعل حزب الله ونظام الأسد مع مضايا والقرى المحيطة بها، حيث يطوّق البلدة ويمنع إدخال حتى حليب الأطفال والخبز إليها.
– حملة تواقيع في بريطانيا
وسبق لقوات التحالف الدولي أن استخدمت إلقاء الغذاء عبر الجو لفك الحصار، حيث ألقت طائرات أمريكية بالمؤن والطعام والدواء لأهالي بلدة جبل سنجار التي كانت تحاصرها قوات تنظيم “الدولة”.
وحينها، (منتصف أغسطس/ آب 2014)، عبّر الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، عن “فخره” بكسر حصار داعش على جبل سنجار، مؤكداً مواصلة عمليات تقديم المساعدات الإنسانية لآلاف الإيزيديين الذين لجؤوا إلى جبل سنجار، مشيراً إلى أنه “جرى إسقاط نحو 114 ألف وجبة غذائية من الجو”.
ومن هنا، استلهم نشطاء بريطانيون مناصرون لحقوق الإنسان، وسوريون مقيمون في بريطانيا، إطلاق التماس موجه للحكومة البريطانية، يطالبها بفك الحصار عن مضايا عبر إسقاط الطعام والغذاء من الجو.
وخلال أقل من 24 ساعة، بلغ عدد الموقعين، بريطانيين ومقيمين، على العريضة الرسمية (يمكن الوصول إليها والتوقيع عليها من خلال الرابط https://petition.parliament.uk/petitions/117658) أكثر من 20 ألف شخص، وهو الأمر الذي يجعل الحكومة البريطانية ملزمة قانونياً بالردّ على هذا المذكـّرة التي تعكس اهتمام الرأي العام بالقضية.
وذكر الإعلامي السوري وائل تميمي، المقيم في لندن، أن “الضغط سيتصاعد على الحكومة إذا بلغ عدد الموقّعين 100 ألف، حيث سيتوجب عليها حينها مناقشة القضية أمام مجلس العموم بأسره”.
– الائتلاف السوري
بدوره، طالب الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية رسمياً، الولايات المتحدة، بإسقاط المساعدات الإنسانية للمحاصرين في مضايا والزبداني والمعضمية ودير الزور وكل المناطق المحاصرة عبر الجو.
جاء ذلك في لقاء جمع الهيئة السياسية في الائتلاف مع المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، مايكل راتني، اليوم السبت.
وكانت الولايات المتحدة قد دعت روسيا إلى حث بشار الأسد على السماح للمساعدات الإنسانية بالدخول إلى مدينة “مضايا” التي تحاصرها قوات النظام السوري.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، جون كيربي، أمس الجمعة، في الموجز الصحفي من واشنطن: “نحث نظام الأسد على تنفيذ تعهداته المعلنة (…) برفع حصاره، والسماح بالمساعدات والمعونات إلى مضايا، وكذلك إلى الفوعة وكفريا”.
وتابع كيربي: “كذلك، نحن ندعو روسيا لاستخدام نفوذها مع نظام الأسد لإقناع النظام بسماح الوصول العاجل وغير المقيد للمساعدات الإنسانية إلى من تمس حاجتهم إليها بشكل مستمر”.
– فرص النجاح
لا شك أنّ التفكير في فك الحصار جواً نابع من عدم الثقة بنظام الأسد الذي يحاصر شعبه حتى الموت، ويقصفهم بكل سلاح، إذ لولا ذلك لكان من السهل جداً إدخال قوافل المساعدات الإنسانية براً وتنتهي المجاعة المتعمدة.
وكما يرى مراقبون فإن فرص نجاح فكرة إلقاء الغذاء جواً تحتاج لقوة عظمى تدعمها، يهابها نظام الأسد ولا يجرؤ على إسقاط الطائرات الإغاثية، كما لا تجرؤ روسيا على التحرش بها أو اعتراضها، وهي الدولة التي تجول طائراتها في الأجواء السورية وتصول.
كما قد يحتاج الأمر إلى موافقة لبنان؛ وذلك لكون مضايا بلدة شبه حدودية مع هذا البلد ومنفذه الوحيد خارج سلطة الأسد، لكن تبقى مشكلة أن مليشيات حزب الله الجهة المحاصِرة لمضايا تتمتع بالنفوذ الأكبر على قرارات بيروت وسياساتها، وهذا سبب آخر لضرورة أن تكون الجهة المغيثة هي دولة كبرى بحجم الولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا أو ألمانيا.
الخليج أونلاين