• د. محمد عادل شوك: 30/ 9/ 2016م.
في كلمة له أمام أعضاء مجلس الأمن يوم الاربعاء: 21/ 9، لمناقشة الملف السوري، ذكر الرئيس المصري أنّ بلاده تقف على مسافة واحدة من جميع أطراف الأزمة السورية، و أنّها نجحت مرتين في إدخال المساعدات الإنسانية إلى مناطق النزاع، و أنّها تدعو إلى حلٍّ سلمي لهذه الأزمة.
تأتي هذه التصريحات في ظلّ سعي من الحكومة المصرية، لإعادة بعض الدفء إلى علاقتها مع مؤسسات العمل الوطني المحسوبة على الثورة السورية، بعد فترة برود شابت العلاقة بينهما عقب الإطاحة بالرئيس مرسي، و قد ظهر ذلك في دعوة عدد من الجمعيات و النشطاء السوريين، للقيام ببعض الأنشطة التي يتمّ فيها تلمّس أوضاع النازحين السوريين في مصر؛ بغية تحسينها و رفع سويتها.
الأمرُ الذي حمل عددًا من المراقبين، على أنّ تغيّرًا ما قد بدأ يطفو على سطح هذه العلاقة، و قد حملَه بعضُهم على الدور الذي تتطلّع الحكومة المصرية للقيام به، في حال التوصل إلى تسوية من نوعٍ ما للملف السوري في قادم الأيام.
و هو ما جعلَ دولةً كالسعودية، تحرص على إبقاء العلاقة مع مصر بمستويات جيدة، على الرغم من التباين بينهما في عدد من الملفات، و لاسيّما: السوري، و التركي، و اليمنيّ.
فإنّه من عادة الدول في حالة نشوب أزمات و نزاعات فيما بينها، أن تسعى لإيجاد مخارج طوارئ، تسلكها في لحظات البحث عن حلول لتلك الأزمات الناشئة بينهما.
و لذلك يرى عددٌ من المراقبين صواب الرأي، الذي يذهب إلى ترشيح مصر لتقوم بهذا الدور في الملف السوري، في حال تمّ الوصول إلى صيغة حلٍّ تقتضي وجود قوات فصل بين المتنازعين، على غرار الدور الذي أنيط بقوات الردع العربية في لبنان إبان الحرب الأهلية، قبل أن تنحرف عن مقاصدها الأولى، حينما انفرد بها الأسد لفرض أجندة تخدم مصالح معينة، و هو الأمر الذي يضع جانبًا الهواجس التي أشار إليها الملك عبد الله الثاني الأخيرة حول الصعوبات التي يمكن أن تواجهها القوات الأممية في سورية، في حال البحث عن خطة سلام لوضع حدّ لما تعانيه منذ ست سنوات.
و يرى هؤلاء المراقبون أنّ مصر مهيأة لهذا الدور أكثر من أية قوات عربية أو قوات أممية أخرى؛ و ذلك للمواقف المقبولة من مصر ( الرسمية، و الشعبية ) تجاه الملف السوري، على الرغم من التغيير الجزئي على المستوى الرسمي، بعد مجيء الرئيس السيسي.
ففي حال ارتداء قواتها القبعات الزُّرق، و نزولها إلى الأراضي السورية، لن تصدر من السوريين عمومًا أية بوادر سوء نية من طرفي الأزمة نحوهم؛ فالسوريون يحملون من الودّ تجاه المصريين، ما يجعلهم مرحبًا بهم بينهم، و من غير المتوقع أن ينالهم أيّ أذى منهم، فمصر الشعبية قبل الرسمية لها أيادٍ بيضاء عند عندهم، فما تزال أفواج منهم تتدفق إليها هربًا من أتون الحرب في بلادهم، و قد وجدوا فيها الملاذ الآمن و الصدر الرحب للعيش الكريم.
و مثل هذا كان في الحالة اليمنية، حيث كانت سلطنةُ عمان هي هذا المخرج لاعتبارات عدّة، في مقدمتها التقارب المذهبي مع الشيعة الاثني عشرية، و وقوف إيران إلى جانبها في أثناء تمرد جبهة ظفار اليسارية التي امتدّ من ( 1965ـ 1975م )، و عليه أصبحت مسقط محجةً لوفود الحوثيين و صالح ذهابًا و إيابًا؛ بحكم أنها الممرّ الوحيد السالك لهم، بتوافق مع التحالف العربي المؤيد للشرعية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية.
و في ظلّ التباين الحاصل بين إيران و عدد من الدول الخليجية، في عدد من ملفات المنطقة، كان الخيار أن تكون تركيا كذلك، و هو أمرٌ حاولت بعض الأصوات المحسوبة على التيارات المناوئة الإسلاميين، المحسوبة عليهم حكومة أردوغان المحافظة، و هو الأمر الذي لم يُلقِ له رجالات الدولة في المملكة بالاً، ، إذْ لا غضاضة لديهم في بقاء العلاقة بين تركيا و إيران بمستوى جيد، و مدعَّمة بجملة من التفاهمات ذات المردود الاقتصادي على البلدين، و ضمن هذا الأمر يأتي الإعلان عن تشكيل مجلس سياسي مشترك لتفعيل وتعزيز العلاقات بين البلدين في: 9/ 9/ 2016م.
و غير بعيد عن ذلك الزيارة التي بدأها ولي العهد الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز إلى تركيا، يوم الخميس: 29/9، استجابة للدعوة الموجهة إليه من الرئيس أروغان، وبناء على توجيهات الملك سلمان في القيام بها، وذلك لبحث العلاقات وأوجه التعاون الثنائي بين البلدين الشقيقين، فضلاً على مناقشة القضايا الإقليمية و الدولية ذات الاهتمام المشترك.
و هي الزيارة التي جاءت بعد يوم واحد من موافقة الرياض، بشكل غير متوقع على إعفاء إيران، من خفض الانتاج الذي توصلت إليه الدول المصدرة للنفط في الجزائر، من أجل رفع الأسعار، و ذلك بعد كانت لأشهر طويلة تشدّد في استثنائها من ذلك.
فالدول في علاقاتها التي تأخذ نمطًا صراعيًا أحيانًا، تكون حريصةً على إبقاء النمط التعاوني فيما بينها، و لكن بشكل موارب و غير مباشر، و هو ما يتجلّى في مخارج الطوارئ هذه.