على الرغم من أن الجانبين الموقعان على اتفاق موسكو، في 5 من آذار الماضي، الذي أوقف المعارك في محافظة إدلب وأرياف من حلب، وثبت نقاط سيطرة النظام بما فيها كامل الطريق الدولي “M5” الاستراتيجي، يتحدثان عن سريان الاتفاق، ما زال كثير من الغموض يكتنف تفاصيله، بل إن هذا الغموض مستمر منذ لحظة الإعلان عن الاتفاق.
مؤخرًا، بدأت تنتشر أخبار عن إمكانية دخول الجيشين التركي و”الوطني السوري” إلى مدينة تل رفعت وانتزاعها من يد “قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وفق تفاهم مع روسيا، قيل إنه متعلق باتفاق آذار.
وفي حال جرى ذلك، ستكون السيطرة على المدينة قد أزالت بعضًا من غموض الاتفاق التركي- الروسي بشأن إدلب، فتركيا حشدت الآلاف من مقاتليها في الشمال السوري قبيل الاتفاق، وكانت تنتظر انسحاب قوات النظام إلى حدود اتفاق “سوتشي” خلال نهاية شباط الماضي (مهلة أردوغان)، لكن لم يحدث شيء من هذا، بل على العكس، حوصرت نقاط تركية جديدة، وتقلصت مساحة المعارضة، ما يجعل السؤال عن المكسب الذي يمكن أن تكون تركيا تريد نيله من اتفاق موسكو ملحًا في هذه الفترة.
تل رفعت.. عودة على مطلب قديم
مع نهاية آذار الماضي، تحدثت وسائل إعلام سورية، عن قيام “قسد” بإبلاغ قياداتها وعائلاتهم بضرورة الخروج العاجل من مدينة تل رفعت بريف حلب الشمالي، نحو مناطق أخرى تقع شرق نهر الفرات، وذلك تحسبًا لأي عملية عسكرية تركية مقبلة على المنطقة.
وأضافت أن “قسد” طلبت في بداية الأسبوع الأخير من آذار، من جميع المدنيين الذين يقطنون في مدينة تل رفعت والقرى المحيطة بها، إخلاء المنطقة على الفور والتوجه إلى مناطق أخرى في محافظات الحسكة والرقة ودير الزور الخاضعة لسيطرتها.
وحاول مراسل عنب بلدي في ريف حلب التحقق من هذه المعلومات، لكنه لم يتمكن، ما يدل على أن هذه المعلومات في حال صدرت فستكون على نطاق ضيق من قبل قيادات “قسد”، ويصعب التحقق منها.
المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو، اعتبر في حديث لعنب بلدي أن مدينة تل رفعت مهمة جدًا بالنسبة لتركيا، مشيرًا إلى أن الإعلام التركي يركز في الفترة الحالية على الأنباء التي تتحدث عن تسرب عناصر من منظمة “حزب العمال الكردستاني” (PKK) نحو منطقة “درع الفرات” وما شابهها من مناطق النفوذ التركي في سوريا.
وقال إن هذه الحالة الإعلامية تمثل تمهيدًا إعلاميًا حول خطورة هذه المنطقة (تل رفعت) التي تعتبرها تركيا بؤرة لتسرب “الإرهابيين”، وفق وصفه.
لذلك لن تسمح تركيا بهذا التسرب، وفق رضوان أوغلو، لافتًا إلى أن هذا كان من ضمن اتفاق روسيا وتركيا، في 22 من تشرين الأول 2019، المتعلق بعملية “نبع السلام”، والذي كان ينص على أن تضمن روسيا انسحاب كل المقاتلين الذين تعتبرهم تركيا مصدر قلق، مضيفًا أن تركيا تعتبر أن هذا البند لم يتم تنفيذه حتى الآن.
وحول إمكانية أن يكون اتفاق موسكو بشأن إدلب قد تضمن تنازلًا تركيًا لقاء تل رفعت، اعتبر رضوان أوغلو، أنه في حال وُجد مثل هذا الاتفاق، فإنه يجب أن ينص على أن تكون تل رفعت مقابل مدينة سراقب الاستراتيجية التي أخذها النظام والروس، مستبعدًا في الوقت ذاته أن يكون هناك مثل هذا الاتفاق.
وعزز رأيه بالقول، إن مناطق النفوذ في الشمال السوري أصبحت مرسومة بين المعارضة والنظام، فإدلب وما خلفها للمعارضة بدعم من الجيش التركي، مستبعدًا أن يكون هناك تراجع آخر بعد الآن في هذه المنطقة، لأن جميع هذه المناطق ينتشر فيها جيش تركي وليس نقاط مراقبة فقط، كما كان يحدث في مناطق سابقة، في إشارة إلى مدن خان شيخون ومعرة النعمان.
ضخ إعلامي
شهدت منطقتا شرق وغرب الفرات، خلال الأسابيع الأخيرة، تركيزًا ملحوظًا من قبل وزارة الدفاع التركية، تمثل ببيانات شبه يومية، تتحدث عن صد محاولات تسلل من عناصر تصفها بـ”الإرهابية” باتجاه منطقة “نبع السلام” الممتدة من تل أبيض بريف الرقة إلى رأس العين بريف الحسكة، إضافة إلى مناطق عفرين والباب.
وتعزز هذه الأخبار ما تحدث عنه المحلل فراس رضوان أوغلو، حول تهيئة المشاهد التركي لاحتمال حدوث معركة لوقف مثل هذه العمليات، إذ إنها تعتبر خطرًا على الأمن القومي التركي، ولعل هذه السياسة في الضخ الإعلامي باتت معروفة لجهة تكرارها في المعارك الثلاث التي خاضتها تركيا في سوريا (درع الفرات، غصن الزيتون، نبع السلام).
وفي هذا الإطار، أكد الناطق باسم “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، الرائد يوسف حمود، لعنب بلدي، أن عمليات التسلل التي تقوم بها عناصر من “وحدات حماية الشعب” (الكردية) نحو مناطق “الجيش الوطني”، تكاد تكون شبه يومية. وقال إن سلاح الجيش التركي و”الجيش الوطني” يرصد هذه العمليات ويقوم بصدها باستمرار.
من جانبه، أكد القائد العسكري لـ“الفيلق الثالث” في مدينة تل أبيض بريف الرقة، المعروف باسم “أبو مجاهد”، لعنب بلدي، أنه تم رصد تحرك عسكري للنظام و”الوحدات” منتصف آذار الماضي، من محيط مدينة عين العرب، بريف حلب، مشيرًا إلى أن النظام و”الوحدات” يسعيان إلى التسلل بين الحين والآخر داخل منطقة عملية “نبع السلام”.
وأكد أن “الجيش الوطني” أخذ جميع استعداداته لأي احتمالات مقبلة، وفق تعبيره.
وعن الأنباء التي تحدثت عن إفراغ مدينة تل رفعت من قبل “قسد”، أوضح حمود أنه لم تصل إلى “الجيش الوطني” أي معلومات بهذا الخصوص.
ووصف الحديث عن وجود اتفاق بين الجانبين الروسي والتركي ينص على تنازل تركيا في إدلب مقابل السيطرة على تل رفعت بـ”المستبعد”، وقال إن “الأمور ليست بهذه البساطة”.
“كورونا” قد يعيق المساعي
يأتي الحديث عن احتمال نشوب معركة في مدينة تل رفعت بريف حلب، في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بما فيه تركيا و”الإدارة الذاتية” (الكردية) وروسيا بمواجهة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19).
وقد خرجت عدة أصوات أممية، أبرزها من الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، تطالب بوقف جميع الحروب في العالم والالتفات لمواجهة “كورونا”، ولعل هذه الدعوات وغيرها، قد تقف كحائط صد أمام الرغبات التركية بشن عمل عسكري في تل رفعت.
وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي فراس رضوان أوغلو، إنه من الصعب معرفة ما إذا كانت الحشود التركية الكبيرة في الشمال السوري ستعتبر الآن أن هناك فرصة مناسبة لشن عمل عسكري في تل رفعت، خاصة مع انتشار فيروس “كورونا”.
وكانت ورقة تحليلية أصدرها مركز “عمران” للدراسات، اطلعت عليها عنب بلدي، تحدثت عن أثر فيروس “كورونا” على الجانبين العسكري والسياسي في سوريا.
ورأت الورقة أن فيروس “كورونا” تمكن من فرض هدنته الخاصة والحدّ والتقويض من العمليات العسكرية التقليدية، مشيرة إلى أن هذه الهدنة لا تعني أبدًا نهاية العمليات العسكرية أو تجميدها.
واعتبرت أن الجبهات اتخذت الآن أشكالًا مختلفة، تتراجع فيها المعارك الميدانية التقليدية لمصلحة تزايد النشاط الأمني، واتخاذ تكتيكات جديدة تتناسب مع تحقيق مصالح كل طرف.
نقلا عن عنب بلدي