سلط موقع “اتلانتك كانسل – المجلس الأطلسي” في مقال له الضوء على الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها محافظة السويداء، متسائلاً إذا ما كانت هذه الاحتجاجات تمثل بذرة ثورة جديدة ضد عائلة أسد التي تحكم البلاد بالنار والحديد.
واستهلت كاتبة المقال التي تستعير اسم، نورا درويش، حفاظاً على سلامتها، وهي صحفية تعيش في دمشق، بذكر هتافات السويداء: “سوريا لنا وليست لعائلة الأسد”. “عاشت سوريا ويسقط بشار الأسد!”، قائلةً هتف السوريون عام 2011، في مظاهرات عمت جميع أنحاء البلاد، وأراد المتظاهرون التأكيد على فصل سوريا عن عائلة الأسد، التي ما زالت تتحكم بالبلاد بقبضة من حديد منذ خمسين عامًا، وقد نزل السوريون إلى الشوارع لإنجاز هذا الهدف لكنهم قوبلوا بالبنادق والعنف.
في شهر حزيران (يونيو) الماضي – وبعد انقضاء أكثر من تسع سنوات على الثورة السورية التي انطلقت عام 2011 – ظهر الشعار نفسه مرة أخرى في مظاهرات السويداء جنوب سوريا، عندما نزل مئات الأشخاص إلى الشوارع للتعبير عن غضبهم إزاء تدهور الوضع الاقتصادي وفشل نظام أسد في إدارته.
وفي الأشهر القليلة الماضية، تدهورت الليرة السورية إلى أكثر من 2000 ليرة مقابل الدولار في السوق السوداء – وهو مستوى قياسي منخفض بعد أن كان الدولار يعادل 47 ليرة قبل انطلاق الثورة السورية عام 2011.
أمّا اليوم، فلا يتجاوز متوسط الراتب الشهري 50 دولارًا، ويعيش حوالي 85 بالمئة من السكان في فقر مدقع، حيث تستمر الأسعار في الارتفاع الحاد، ومعدل البطالة لا يقل عن 50 بالمئة.
وخلال احتجاجات السويداء التي استمرت عدة أسابيع على موجتين هذا الصيف، بدا نفس الحلم حاضراً: أن تنتمي سوريا لمواطنيها بدلاً من العائلة المتحكمة والنخب الفاسدة التي تسيطر الآن على جزء كبير من اقتصاد البلاد، وبالتوازي مع تلك التظاهرات التي اعتبرها البعض بداية لثورة جديدة في البلد الذي مزقته الحرب، بدأت تسمع بعض الهمسات في دمشق والعديد من المدن الأخرى.
وقالت كاتبة المقال: أتحدث هنا عن نفس الفكرة التي عبر عنها الهتاف: “هذا البلد لم يعد لنا”؛ وإنما “لقد أصبحت سوريا لهم”، وهذا ما لا يمكننا قبوله، ومع ذلك، تشير كلمة “لهم” الآن إلى تجار الحرب أو أجهزة المخابرات السورية سيئة السمعة، حيث أن اللافت للنظر أن تلك الهمسات ذاتها باتت تصدر الآن من قبل الموالين للنظام.إذاً، ما الذي تغير الآن؟ هل يوشك حراك جديد أن يبدأ داخل مناطق سيطرة نظام أسد؟ ما الذي من شأنه حشد الناس للعمل وتغيير الوضع الراهن؟ وكيف سيكون ذلك مختلفًا عما حدث قبل قرابة عقد؟
استياء في حاضنة نظام أسد
انخرطت مختلف شرائح المجتمع السوري في الثورة عام 2011، مثقفين وطلاب وعمال ومزارعين وعاطلين عن العمل. أراد البعض تحسين أوضاعهم، وسعى آخرون إلى تحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية؛ بينما حلم الكثيرون بالتغيير. لقد مات أو اختفى أو غادر البلاد قادة الدعوة للتغيير في بداية الثورة، مع أكثر من نصف مليون قتيل وملايين النازحين؛ بينما يعيش أولئك الذين ما زالوا في سوريا اليوم، وتحديداً في مناطق سيطرة نظام أسد في خوف بعد أن دفعوا ثمناً باهظاً لتحديهم للنظا، إذ اعتُقل الكثيرون، وأجبر آخرون على ترك منازلهم، وفقد معظمهم أشخاصاً أعزاء، ويرزحون الآن في ظروف اقتصادية صعبة، وهؤلاء السوريون الذين يفكرون في الثورة اليوم يختلفون عن أولئك الذين أشعلوا شعلة الثورة عام 2011.
أخبرني مؤخراً رجل أربعيني يعيش في دمشق ويمتلك بقالية كبيرة – الكلام للكاتبة – أنه: “إذا خرج الناس إلى الشوارع، فسوف أتظاهر معهم. بات الوضع لا يطاق “. إذ على الرغم من كونه من أشد الموالين للأسد، إلا أنه محبط من بعض الممارسات المتكررة التي يرتكبها الشبيحة أو البلطجية المرتبطين بنظام أسد أو الإدارات التابعة له. إنه غاضب تحديداً من وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك التابعة لنظام أسد، إذ إن الوزارات ومؤسسات النظام، كالوزارة المذكورة آنفاً، تبحث عن الأموال من أي مصدر محتمل. لقد اضطر البقال إلى دفع رشاوى ضخمة لكل من الجمارك ووزارة التجارة ليتمكن من إبقاء محله مفتوحاً. ولو رفض، لواجه اتهامات كاذبة بأنه يعمل خارج القانون – تهم مثل استيراد سلع غير مصرح بها – وسيضطر إلى إغلاق متجره وربما يواجه عقوبة السجن، كما حدث لآلاف رجال الأعمال والتجار في الأشهر الماضية. وتساءل قائلاً “هل هذه مكافأتنا لكوننا موالين؟”.
كما واجه صديق يعمل في قطاع التكنولوجيا تهماً مماثلة، على الرغم من أنه لم يخالف أي قانون أو يتعامل في سلع غير مشروعة. لقد اضطر لبيع سيارته ليتمكن من دفع الرشاوى ويستمر في عمله الخاص. كما سألتني موظفة أخرى في القطاع الخاص: هل سنعيد انتخاب بشار الأسد العام المقبل، رغم أنه قاد البلاد إلى الجحيم؟ يمثل بيانها تغييراً كاملاً في الموقف – وهي التي صوتت بسعادة للأسد خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة في عام 2014.
فرصة لا تفوت
وبحسب المقال، يتشارك آلاف السوريين في جميع أنحاء البلاد هذه الأفكار، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو الأيديولوجية: عناصر الميليشيات الذين قدموا كل شيء ولم يحصلوا على شيء في المقابل؛ التجار وأصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة الذين أصبح مصدر رزقهم مهدداً الآن؛ والموظفون والطلاب والعمال الذين باتوا يشعرون أن حياتهم يمكن أن تنقلب رأساً على عقب في لحظة من قبل الشبيحة أو عناصر المخابرات. يسود شعور عام بأن سيادة القانون لم تعد موجودة وأن ولاءك للنظام لا يمكن أن يضمن سلامتك.
إن الرابط وثيق الصلة بموضوعنا – يقول المقال- هو أن وضعهم اليائس قد دفعهم إلى تجاوز مخاوفهم، وبالتالي، قد يكونون مستعدين للتصرف في الوقت المناسب والزخم المناسب. في هذه المرحلة، ليس لدى الكثير منهم ما يخسره. لقد تخلى السوريون منذ فترة طويلة عن المجتمع الدولي ومن غير المرجح أن تساعدهم الدول المجاورة التي تعاني أصلاً من مشاكل داخلية. إن الطريقة الوحيدة الممكنة لتحسين الوضع في سوريا هي العمل من الداخل.إن الأجواء متوترة في مناطق سيطرة النظام، لكن الحراك لم ينتعش بعد، حيث يحتاج السوريون الذين يريدون رؤية التغيير إلى الاستفادة من المظالم والأهداف المشتركة لتوحيد المجتمع.
ويبحث كل سوري تقريبًا في الوقت الحالي عن حياة أفضل ويشعر أن عبء تحسين الظروف – حتى ظروف الفرد فقط – يكمن في تولي زمام الأمور. إنهم لا يشعرون بأنهم يستطيعون الاعتماد على نظام مشلول بالكامل، وغير قادر على وقف تدهور الاقتصاد والبلد، وعاجز عن تطبيق القانون، ويقوض أي شكل من أشكال الحكم الرشيد. يحتاج النشطاء وقادة المجتمع إلى التركيز على هذه المظالم المشتركة والإجراءات التي يمكنهم اتخاذها لمعالجتها عند محاولة حشد السوريين.
وبحسب المقال، تعطي الاحتجاجات في السويداء الأمل، لكن الوضع في المحافظة الجنوبية يختلف عن دمشق، إذ لم تشهد سوى القليل من القتال بسبب قياداتها الدينية (الدروز) وعلاقاتهم مع النظام، وإحجامهم عن الدخول في مواجهة مباشرة معه.
ومع ذلك، لا يزال مجتمعها المدني قويًا نسبيًا، على الرغم من أن السويداء عانت من الاعتقالات والقمع مثل غيرها من المناطق التي يسيطر عليها النظام، إلا أن تأثير القادة الدروز والعائلات المحلية القوية قد ساعد في الحد من سيطرة النظام، بل وأدى إلى صد القمع المفرط للقادة المكلفين بالسيطرة على المحافظة. لقد سمخ الغياب النسبي لقمع النظام على الأرجح بوقوع احتجاجات السويداء في حزيران/ يونيو.
وتؤكد كاتبة المقال، أنه يجب تعزيز المجتمع المدني في المناطق التي يسيطر عليها النظام وإعادة بنائه وإعادة تشكيله، حتى يتمكن النشطاء من تنفيذ تقنيات تعبئة جديدة مصممة خصيصًا للبيئات والظروف الجديدة. إذ أن الأدوات المستخدمة عام 2011 – مثل توزيع المنشورات والإضرابات العامة – قد عفا عليها الزمن، كما يجب تغيير الشعارات القديمة لتجنب تخويف الناس ودفعهم إلى التفكير في أن سيناريو 2011 – حرب وحشية لا تنتهي على ما يبدو – سوف تتكرر. حتى أن أقوى مؤيدي النظام يناقشون ضرورة محاربة الفساد وإنهاء حكم الشبيحة وتفوق القطاع الأمني. هذه ليست فرصة يجب تفويتها.
ودفعت الظروف المعيشية التي لا تطاق وانعدام الأمل في كل من نظام اسد والمجتمع الدولي السوريين إلى مستوى جديد من الغضب والسخط. سيكون من الخطأ الاعتقاد بأن هذا وحده سيدفع الناس إلى التحرك بعد سنوات الحرب التسع والخسائر الكبيرة. ومع ذلك، ستكون إضاعة هذه الفرصة دون محاولة اغتنامها من أجل إحداث تغيير إيجابي للشعب السوري الذي هو في أمس الحاجة إليه خطأّ فادحاً.
نقلا عن اورينت نت