كيف يمكن تفسير العجز الأميركي حيال ما يجري في مدينة حلب؟ وكيف يمكن تفسير لجوء الدولة الأقوى في العالم إلى مجلس الأمن، لممارسة ضغوط لا تنفع على روسيا، لوقف العمليات العسكرية في حلب؟ هل هو ضعف أميركي؟ أم تواطؤ مع الروس، لإبعاد حلب من معادلة الصراع؟.
ليس ما جرى، أخيراً، مجرد عمليات قصف عشوائية على المدينة فحسب، بل هو عمل عسكري منظم ومدروس، هدفه إحكام السيطرة على منافذ المدينة، وإعادة تكرار تجربة حمص في حلب، وبالتالي، إنهاء الوجود المسلح للمعارضة في المدينة.
تشكل حلب أهمية كبرى للنظام، ليس فقط من الناحية المعنوية، بسبب كونها المدينة الثانية بعد دمشق من حيث الحجم، ولا لأنها المدينة التي شكلت الساحة الأكثر عنفاً في الصراع فقط، وأرّقت النظام ثلاث سنوات، بل لأن السيطرة على المدينة، وهذا هو الأهم، تشكل مقدمة للسيطرة على الريف الحلبي الكبير.
ولحلب واقع مختلف عن كل ساحات المعارك في سورية، فهي تختزل الصراع المحلي والإقليمي والدولي، وفيها تتحارب كل أطراف الأزمة، وفيها تنتهي المعارك الكبرى في سورية.
من الناحية العسكرية، تشكل جبهة أمامية وخلفية، في الوقت نفسه، لمن يسيطر عليها، حيث تصبح المدينة منطلقاً سهلاً نحو الأرياف الأربعة للمحافظة، في وقتٍ تصبح المدينة قاعدة رجوع، وحماية خلفية أمام أي هجوم طارئ ومفاجئ.
من ناحية الجغرافيا السياسية، تعني سيطرة النظام على المدينة إخراج الفصائل الإسلامية، خصوصاً الفصيلين الأقوى، جبهة فتح الشام وأحرار الشام، الأمر الذي يعني إبعادهم من معادلة الصراع في الساحة العسكرية الأهم في سورية في الوقت الحاضر، وهذا هدف أميركي، قبل أن يكون هدفاً روسياً. ولذلك، من غير المستبعد أن تكون الحملة الأميركية في مجلس الأمن من أجل التعمية على موقفها الراغب في إضعاف قوة الفصائل الإسلامية، وسحب هيمنتها العسكرية على باقي الفصائل، لاسيما “الجيش الحر” الذي تحوّل، في الآونة الأخيرة، رأس حربة لواشنطن وأنقرة، وبتوقيع روسي.
تتمحور المقاربة الأميركية التي بدأت تتمظهر، في الأشهر الماضية، حول تشكيل قوة سورية خالصة من أبناء المناطق ذات توجهاتٍ علمانيةٍ، تكون مقابلاً لوحدات حماية الشعب الكردي، ومكملاً لها في الجزء الذي لا تستطيع فيه وحدات الحماية إتمامه. إنه الجزء المتعلق بمعاداة النظام السوري.
والأهم من ذلك، على هذه القوة الجديدة أن تقبل الانخراط في التسوية السياسية، ضمن الرؤية الأميركية للحل، وتكون خارج المقاربة التركية ـ السعودية للحل. وعليه، لم تكن مصادفةً أن تعتمد أنقرة في عمليتها “درع الفرات” على فصائل الحر والمكونات المحلية، وإبعاد حليفها الأقوى (أحرار الشام) عن هذه المعركة.
إنه اتفاقٌ ستكون الأيام المقبلة شاهداً عليه، بحيث تُترك حلب للساحة الروسية في مقابل استكمال أنقرة تأمين عمقها الاستراتيجي في شمال وشمال شرق حلب، غير أن هذه المعادلة قد تدفع قوى إقليمية، وخليجية تحديداً، إلى الخروج من عباءة المقاربة الأميركية التي أسهمت في تقوية النظام على حساب المعارضة، ولعل تصريح مسؤول أميركي أن انهيار اتفاق وقف إطلاق النار، أخيراً، زاد احتمال تسليح دول الخليج العربية المعارضة بصواريخ مضادة للطائرات، ثم تصريح قائد جماعة الفرقة الشمالية، العقيد فارس البيوش، إن المعارضة حصلت على طراز متطور من صاروخ غراد، مؤشر على أن المدينة مقبلة على معارك هي الأشرس في تاريخ الأزمة السورية.
وقد تستفيد الدول الداعمة للمعارضة، كما تفعل روسيا، من مرحلة الصمت والسكون الأميركي، في الفترة الانتخابية، للحيلولة دون سقوط حلب، إلا أن ذلك سيضع تركيا في مأزقٍ مع الروس، من شأنه أن ينعكس سلباً على معركتها “درع الفرات”، وهي المعركة التي تعطيها أنقرة أولوية على غيرها، كونها تتجاوز، في تداعياتها، المسألة السورية إلى الأمن القومي التركي.
تكمن المشكلة الرئيسية في أن الولايات المتحدة في حالة نَوَسان سياسي وعسكري، فهي تريد إضعاف القوى الإسلامية، وفي الوقت نفسه، لا تريد تحقيق ذلك من دون تنازلاتٍ من روسيا والنظام، وهو ما تعجز عن تحقيقه. وهذا التردد هو ما تلعب عليه موسكو، لإعادة ترتيب هدنة جديدة، أو الضغط على واشنطن للانصياع إلى مطالبها. لكن، يبدو من تسارع الأحداث أن المسألة الحلبية تُركت إلى الإدارة الأميركية المقبلة.
العربي الجديد – حسين عبد العزيز