أعلنت جماعة إرهابية مرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عن مسؤوليتها عن التفجيرات الانتحارية التي وقعت في طرطوس وجبلة في سوريا يوم 23 مايو، والتي أودت بحياة أكثر من 150 مدنيًا وأصابت أكثر من 200 آخرين.
يشير مكسيم سوشكوف، خبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، إلى أن الهجوم الذي وقع في طرطوس استهدف عمق الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة، حيث تحتفظ روسيا بقاعدة بحرية في طرطوس وقاعدة جوية ومركز استطلاع في مطار حميميم في منطقة اللاذقية، والهجمات الانتحارية الأخيرة، كما يقول سوشكوف، يمكن أن تكون حافزًا لتنفذ روسيا أولى ضرباتها الإستراتيجية ضد الجماعات الإرهابية والمجموعات السلفية التي تتحالف معها.
كانت موسكو قد أشارت سابقًا إلى احتمالية تصعيدها بمواجهة جبهة النصرة والجماعات المتحالفة معها قبل هجمات 23 مايو، حيث أعلنت وزارة الدفاع الروسية إيقاف حملتها الجوية لفترة مؤقتة للسماح للجماعات المسلحة المتحالفة مع النصرة بالنأي بأنفسهم عن المنظمة التابعة لتنظيم القاعدة، ولكن في 26 مايو، استولت جبهة النصرة، جماعة أحرار الشام، وجماعات أخرى متحالفة معهما، على بلدة دير خبية قرب دمشق، حيث نسق تنظيم أحرار الشام جهوده بشكل وثيق مع النصرة استجابة لتكثيف الولايات المتحدة وروسيا لهجماتهما التي تستهدف الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة خلال الأشهر القليلة الماضية.
اقترحت صحيفة ألمونيتور ضمن مقال لها في الأسبوع الماضي أن تقبل الولايات المتحدة بالعرض الروسي حول التنسيق الثنائي لممارسة هجمات ضد جبهة النصرة، التي اُستثنيت من اتفاق وقف الأعمال العدائية، علمًا بأن الصحيفة لا تتسامح أو تتعاطف مع الجماعات أو الأفراد الذين يقفون بصف تنظيم القاعدة، كما ونأمل أن تعبّر أمريكا عن ذات هذا الموقف على أقل تقدير في الرسائل التي تنقلها لشركائها الإقليميين الذين دعموا هذه المجموعات.
وفي ظل توقف محادثات جنيف لعدة أسابيع، يمكن لاحتمالية تنفيذ روسيا لضربات قوية وقاتلة تجاه جبهة النصرة وحلفائها، خاصة ضمن وحول حلب وإدلب، أن ترسم نقطة تحول أخرى ضمن الصراع السوري المستمر.
حرب الوكالة التركية الفاشلة
تكافح الولايات المتحدة وتركيا اليوم بغية الحفاظ على وجودهما المشترك ضمن المشهد السوري، وذلك رغم ظهور علامات جديدة على الانقسام وعدم التوافق بينهما.
في الأسبوع الماضي، التقى الجنرال جوزيف فوتل، قائد القيادة المركزية الأمريكية، مع القوات الكردية السورية خلال زيارة “سرية” إلى شمال سوريا في إطار جولة دبلوماسية إقليمية شملت زياته لأنقرة أيضًا، حيث صرّح فوتل لمراسل واشنطن بوست، ديفيد إغناتيوس، بأنه يسعى إلى “موازنة” دور تركيا، باعتبارها شريكًا “رائعًا” في المعركة ضد داعش، تجاه وحدات حماية الشعب الكردية (YPG)، التي تعد العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية التي تشكل “شريكًا جيدًا للغاية على الأرض”، وفق تعبير فوتل.
على النقيض من قوات حماية الشعب الكردية، دخلت القوات التي تعمل بالوكالة عن تركيا في الأرض السورية، والتي كوّنت مزيجًا مثيرًا للقلق من السلفيين الذين أبدوا استعدادهم للتعاون مع جبهة النصرة، في حالة من التخبط والتزعزع؛ ففي الأسبوع الماضي، استولى تنظيم داعش على سبع قرى على الأقل من أيدي تلك القوات في مناطق حلب الشمالية.
يشير الكاتب التركي فهيم تاستكين بأنه تم تأخير العملية العسكرية التي تقودها قوات سوريا الديمقراطية لتحرير جرابلس، وهي بوابة رئيسية للعبور من سوريا إلى العالم الخارجي عبر تركيا جنبًا إلى جنب مع مدينة الراعي، بسبب “خطوط تركيا الحمراء ضد الأكراد”، كما حصلت تأخيرات أيضًا في عملية تلك القوات ضمن محافظة الرقة، لأن القدرة العملياتية لقوات سوريا الديمقراطية ما زالت أدنى من اللازم، كما أشار تاستكين، موضحًا بأن القوات الكردية لا تمتلك أي فرصة للسيطرة على الرقة، تبعًا للمقاومة المحلية التي ستجابهها هناك، فضلًا عن شعور الأكراد بالقلق من أن تشتيت قواتهم ضمن المناطق العربية قد يُضعف من خطوطهم الدفاعية ضمن روجافا (كردستان سوريا)؛ لذا، فإن القوات العربية عليها أن تُعيد تشكيل نفسها للسيطرة على الوضع في حقبة ما بعد داعش، كما يقول تاستكين، ومن الجدير بالذكر هنا بأن تقارير الصحافية الأمريكية لورا روزن نقلت من واشنطن بأن الولايات المتحدة تسعى لتعزيز أعداد القوى العربية السنية ضمن قوات سوريا الديمقراطية قبل بدء هجوم الرقة.
في الوقت ذاته، وجدت وزارة الدفاع الأمريكية نفسها في موقف لا تحسد عليه في علاقاتها العامة مع تركيا بعد أن احتجت الأخيرة من وضع القوات الخاصة الأميركية في سوريا لشارات تحمل شعار الـYPG، القوات التي تعتبرها تركيا الشريك السوري لحزب العمال الكردستاني (PKK)، مما أمعن في تعقيد مهمة فوتل الدبلوماسية الشاقة أساسًا.
في هذا السياق، أشار الكولونيل الأمريكي شون مكارثي لإغناتيوس بأن الغارات الجوية الأمريكية ضد داعش التي تخرج من قاعدة إنجرليك الجوية التركية كانت في معظمها “مستقلة” عن الجهود التركية، موضحًا ذلك بقوله: “نحن لا نناقشهم بوجهاتنا”.
إذا جمعنا كافة ما تقدم سويًا، يتوضح لنا بأن “شراكة” الولايات المتحدة وتركيا ضد داعش قد تكون أسطورة وخرافة أكثر من كونها رائعة ومتناسقة، والسر المعلن هو أن تركيا مشغولة بالمقام الأول بإحباط تقدم أكراد سوريا، ومن بعدها يأتي إغلاق شرايين الحياة المتبقية لداعش في شمال سوريا؛ فلا شك أن تركيا تحارب داعش، ولكن منع تقدم الأكراد يأتي في مقدمة الأولويات.
من هذا المنطلق، يخلص تاستكين، الذي نشر في وقت سابق قصة جهود حرب الوكالة المريرة التي تجشمتها تركيا لاستعادة بلدة الراعي من داعش في أبريل، إلى أنه “لا مكان للتفاؤل في أن تتراجع أنقرة عن خطوطها الحمراء التي تضعها في وجه الأكراد، بل بدلًا من ذلك، تحاول تركيا الآن تشكيل قوة أكثر فاعلية مع جبهة النصرة، وتحاول الابتعاد بالأخيرة عن تنظيم القاعدة”.
نقطة الفصل في هذا السياق هو أن العديد من الجماعات المسلحة السورية المدعومة من شركاء واشنطن الإقليميين هم مجرد وكلاء لأجندة طائفية، تهدف في معظمها لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، مهما بدا ذلك غير مرجح، وبالتبعية، للحفاظ على النصال موجهة تجاه إيران، ويبقى سؤال متى وأين سيتم نقل المعركة لمجابهة داعش أو جبهة النصرة متأرجحًا ما بين القابلية وعدم القابلية للتفاوض اعتمادًا على الصفقات الجارية على الأرض وعلى الضغوطات التي تتعرض لها قوى الداخل والقوى الإقليمية على حد سواء.
لن نشعر بأننا نورط أنفسنا إذا أشرنا إلى أن الجهود التي تبذلها أنقرة أو غيرها لفطم النصرة عن تنظيم القاعدة لن تسفر عن أي نتائج جيدة، حيث سبق لنا وأن أوضحنا مرارًا مدى السهولة التي يمكن فيها للجماعات السلفية السورية المدعومة من الخارج، كأحرار الشام وجيش الإسلام، أن تحوّل تحالفاتها التكتيكية للتعاون أو لفك التعاون مع جبهة النصرة، في حين تعمل جميعها على ممارسة النشاط الدعوي بأيديولوجية لا يمكن تمييزها تقريبًا عن أيديولوجية تنظيم القاعدة وداعش.
بطبيعة الحال، الخاسر الأكبر هنا هو الشعب السوري، بما في ذلك أولئك الذين يعانون تحت استبدادية داعش، والذين سيقضون وقتًا أطول ضمن معاناتهم تبعًا لمخاوف تركيا بشأن الأكراد، ولغوص صناع القرار والخبراء في واشنطن العميق في كيفية إعادة تشكيل خطوط الصدع العرقية والطائفية.
على الرغم من أننا نعترف بتعقيدات وتحديات السياسة العرقية والطائفية ضمن سوريا، فضلًا عن إمكانية الثأر والقتل الجماعي، ولكن من وجهة نظرنا لا بد من الاستعجال وإعطاء الأولوية للتركيز على تدمير داعش وتنظيم القاعدة قبل كل شيء.
تداعيات معركة دياربكر
شهدت منطقة سور التاريخية في ديار بكر بعضًا من أكثر المعارك ضراوة ما بين الجيش التركي ومقاتلي حزب العمال الكردستاني خلال العام الماضي، ويشيرالتقرير الذي نقله محمود بوزارسلان من ديار بكر إلى أن “المعالم التاريخية في سور، والتي تم إدراجها في العام الماضي ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، لاقت نصيبها أيضًا من الدمار، حيث تدمرت جدران الكنيسة الكاثوليكية الأرمنية بشكل جزئي، في حين فقد مسجد حاجي حميد مئذنته، وفُرشت قبته المستديرة بآثار الرصاص، أما الكنيسة الأرمنية الأخرى، سورب جيراجوس، فنوافذها محطمة كما أصيبت مرافقها الداخلية بالتلف”.
يتابع بوزارسلان موضحًا: “ولكن مع ذلك، تعتبر تلك الآثار القديمة محظوظة مقارنة بالمباني الاعتيادية في المنطقة، حيث يستحيل عليك أن ترى بابًا لم يمسه الضرر ضمن المدينة، فالأطراف المتحاربة استخدمت بعض المباني كقواعد قتالية، والبعض الآخر كأماكن للاستراحة تتناثر على سلالمها العلب الفارغة، كما ويمكنك مشاهدة بقع الدم على أحد السلالم الأخرى، وفي إحدى المناطق الساخنة، تُركت قطعة من الورق كُتب عليها “الجثة رقم1″، مما يشير إلى أن قوات الأمن كانت في المكان لتكتب تقريرها حول مسرح الجريمة، وفي بقعة أخرى، يعبّر زوجان عن ارتياحهما من قدرتهما على الهرب بأضرار طفيفة نسبيًا، ولكنهما يتذمران من أن شقتهما قد تم اقتحامها، حيث تم تفتيش حجراتها وغرف نومها على يد قوات الأمن كما يزعمان، في حين عرض علينا أحد جيرانهما مناظير عسكرية تم تركها في المكان”.