اكتشفت السلطات البحرينية في 30 سبتمبر/أيلول 2015 منشأة لتصنيع القنابل في مستودع بقرية النويدرات، كانت تحتوي على متفجرات من الدرجة العسكرية وكذلك مواد أولية كيماوية.
ويعتقد المحققون البحرينيون أن الرجال الذين بنوا مصنع القنابل السري كانوا أكثر مهارة مما يتوقع من عصابة لم يعرف عن نشاطها سوى إلقاء قنابل حارقة على الشرطة، حسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية.
فقد أنشئ المجمع تحت الأرض تحت فيلا في الضواحي، مع عدم وجود أي آثار واضحة على مستوى الشارع، وبمدخل واحد، كان مخبأ وراء خزانة المطبخ.
لكن المفاجآت الحقيقية كانت تكمن في الداخل. في إحدى الغرف، عثرت الشرطة على مخارط ومكابس هيدروليكية لصنع قذائف خارقة للدروع قادرة على اختراق دبابة، تبلغ قيمتها 20 ألف دولار. وغرفة أخرى امتلأت بصناديق من المادة الناسفة C-4، كلها صنعت في الخارج، بكميات تكفي لإغراق سفينة حربية.
قال المحققون في تقييم تقني سري قُدم إلى مسؤولين أميركيين وأوروبيين في الخريف الماضي 2016: “معظم هذه الأشياء لم تُرَ من قبل في البحرين”.
عرض التقرير تفاصيل جديدة عن الأسلحة التي ضبطت في تلك الفيلا، وفي حملات مشابهة نفذت بشكل متقطع على مدى ما يقرب من ثلاث سنوات.
ويقول التقرير إن تلك الأسلحة المكتشفة “تغير قواعد اللعبة”، من حيث قوة النيران الهائلة، وتعتبر “قوة مفرطة مقابل الشرطة المسلحة بأسلحة خفيفة”.
التقرير، الذي اطلعت صحيفة واشنطن بوست الأميركية على نسخة منه، يشرح جزئياً عدم الارتياح المتزايد بين بعض مسؤولي الاستخبارات الغربية بخصوص البحرين الصغيرة، حليف الولايات المتحدة في الخليج العربي ومركز الأسطول الخامس للبحرية الأميركية.
فبعد 6 سنوات من بدء الحركة الاحتجاجية الشيعية ضد حكومة البلاد، يرى المحللون الأوروبيون والأميركيون الآن تهديداً خطيراً على نحو متزايد، حيث تنشأ خلايا مسلحة مدججة بالسلاح تموّلها وتسلّحها إيران، وفقاً لما يقوله المسؤولون.
تزايدت علامات التشدد على مر السنوات، مع اعتقال نشطاء ملثمين يزرعون قنابل على جوانب الطرق وضبط الأسلحة والمتفجرات المهربة إلى البلاد عن طريق البر والبحر.
لكن حتى وقت قريب، كان المسؤولون الغربيون حذرين في اتهام إيران بالتورّط المباشر في الاضطرابات، أو نشر أدلة غير حاسمة أو غير موثوق بها، فضلاً عن المخاوف من إشعال المزيد من التوترات الطائفية في المملكة.
في حين يتهم المسؤولون البحرينيون طهران بالتحريض على العنف في كثير من الأحيان، لطالما اعتبرت هذه المزاعم مبالغات بدعوى أنه يستخدم الإرهاب كمبرر لتضييق الخناق على الناشطين الشيعة.
الآن، يبدو أن تردد الغرب بدأ يتلاشى، فوكالات الاستخبارات الغربية ترصد جرأة جديدة من قبل إيران في دعم المتمردين المسلحين في المملكة، وفقاً للعديد من المحللين من الولايات المتحدة ومن دولتين من أوروبا الغربية.
الحرس الثوري
تصف وثائق ومقابلات مع مسؤولي مخابرات سابقين وحاليين برنامجاً تدريبياً تفصيلياً من تدبير فيلق الحرس الثوري الإيراني لتدريب المسلحين البحرينيين على تقنيات صنع القنابل المتطورة وحرب العصابات.
كما اكتشفت مجموعة واسعة من الأسلحة المتطورة على نحو متزايد – الكثير منها يرتبط بإيران – في البحرين على مدى السنوات الثلاث الماضية، بما في ذلك كمية كبيرة من المتفجرات من الدرجة العسكرية التي يكاد يكون من المؤكد أنها صُنعت في إيران، وفقاً لمسؤولي مخابرات أميركيين وأوروبيين.
وقال العديد من المحللين إن تلك الجهود تعكس عمليات مماثلة لبناء شبكة من الجماعات المتشددة المؤيدة لطهران في أماكن أخرى في الشرق الأوسط، من اليمن إلى العراق وسوريا.
وأضاف مسؤول في المخابرات الأميركية، له سنوات من الخبرة في مراقبة الاضطرابات المدنية والسياسية في البحرين: “نحن نشهد المزيد من الأدلة على محاولة زعزعة الاستقرار من قبل إيران”.
وأصر مثل عدة أشخاص آخرين على عدم الكشف عن هويته في مناقشة معلومات استخباراتية حساسة من المنطقة.
وأكد أن “البحرين تبالغ أحياناً. لكن هذه المرة الأمر حقيقي”.
ودفعت الأدلة المتزايدة إلى خطوات غير مسبوقة من قبل الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية تستهدف القادة المزعومين للجماعات المسلحة الشيعية البحرينية.
وفي 16 من مارس/آذار 2017، أمرت السلطات الألمانية بالقبض على رجل بحريني شيعي، وهو طالب لجوء يبلغ من العمر 27 عاماً يعيش في برلين، بموجب أوامر ضبط دولية تتهمه بأنه عميل إرهابي لكتائب عشتار، وهي الجماعة الشيعية البحرينية المتشددة التي أعلنت مسؤوليتها عن هجمات قُتل فيها ضباط شرطة بحرينيون.
في 17 مارس/آذار 2017، فُرضت عقوبات ضد اثنين من قادة الجماعة البحرينية نفسها كانا يصنفان “إرهابيين عالميين”، واضعة بذلك اللمسات الأخيرة على مبادرة بدأت خلال الأشهر الأخيرة من إدارة أوباما. الإعلان الرسمي اتهم إيران تحديداً بدعم المجموعة كجزء من “أنشطة زعزعة الاستقرار ودعم الإرهاب في المنطقة”.
ويوم الأربعاء الماضي، رفعت إدارة ترامب التجميد عن بيع طائرات مقاتلة F-16 إلى البحرين، وهذا عكس قرار اتخذ العام الماضي من قبل إدارة أوباما للاحتجاج على اعتبار البحرين “الوفاق”، الحزب الشيعي الرئيسي المعارض في البلاد، جماعة محظورة.
وواجه البيت الأبيض انتقادات شديدة من جانب جماعات حقوق الإنسان على خلفية هذا الخبر، بدعوى وجود رغبة جديدة للتغاضي عما تصفه هذه الجماعات بأنه سلوك قمعي من قبل الحلفاء الرئيسيين لأميركا في الخليج في مقابل الحفاظ على درع دفاعية قوية ضد العدوان الإيراني في المستقبل.
في إعلان العقوبات في مارس/آذار 2017، سعت وزارة الخارجية الأميركية لأن تكون رسالتها محددة بدقة، مُصرّة على أن المسؤولين الأميركيين سيستمرون في الضغط على البحرين من أجل “التمييز بوضوح” بين الرد على التهديدات الإرهابية الحقيقية والتعامل مع المتظاهرين السلميين وجماعات المعارضة السياسية. لكنها اتهمت صراحة طهران بالتدخل مباشرة لتضخيم المشاكل.
وقال البيان “إن إيران قدمت أسلحة وتمويلاً وتدريباً للمتشددين البحرينيين”.
وأوضح أن وصف “إرهابي عالمي” مخصص للأفراد والجماعات التي تهدد “الأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة أو اقتصادها”، ربما في إشارة إلى المنشأة البحرية الأميركية المترامية الأطراف التي تقع على مشارف مدينة المنامة عاصمة البحرين.
“إلحاق أضرار جسيمة”
عندما تم اكتشاف مخبأ الأسلحة الشاسع تحت فيلا في حي تقطنه غالبية شيعية من قرية النويدرات قبل 18 شهراً، لم ينتبه للخبر سوى القليل خارج منطقة الخليج العربي. عرضت قوات الشرطة الوطنية في البحرين صور عبوات الكيماويات وأكياساً من مسحوق أبيض – وهي تدل، على حد قول اللواء طارق الحسن، رئيس الشرطة هناك، على أن “تصرفات إيران العنيدة تحاول زعزعة الأمن والاستقرار داخل البحرين والمنطقة على نطاق أوسع”.
قال ماثيو ليفيت، وهو محلل سابق في مكافحة الإرهاب بمكتب التحقيقات الفيدرالي كان قد التقى مع كبار المسؤولين البحرينيين لمناقشة مخابئ للأسلحة، إن الحديث بشأن سجل البلاد في مجال حقوق الإنسان جعل من الصعب على الغرباء تقييم ما إذا كانت تلك الأمور التي تم اكتشافها حقيقية.
وأوضح ليفيت في مقابلة “أنه في التحليل النهائي تشير الأدلة من مخابئ الأسلحة إلى تهديد حقيقي: الإرهاب الذي ترعاه إيران”. ثم أردف قائلاً: “في حالة البحرين، في الأمر شيء من الصحة”.
خلال العام الماضي أظهر المسؤولون البحرينيون استعداداً متزايداً لتبادل الأدلة والسعي للحصول على تحليل علمي من الخارج لإقناع الحكومات الغربية بخطورة المشكلة التي تواجهها البلاد. أدى هذا الجهد إلى تقييم سري قُدم للعديد من وكالات الاستخبارات في أواخر العام الماضي. وقال ثلاثة مسؤولين في الاستخبارات الأميركية اطلعوا على الأدلة إنها تدعم اتهامات البحرين لإيران بالتورط في عدة هجمات وقعت مؤخراً وكذلك في تسليح الجماعات المسلحة المتشددة.
الملف الذي اطلعت عليه صحيفة واشنطن بوست يحتوي على تقارير تقنية مفصلة تقيم الكم الكبير من الأسلحة التي صُودرت من المتشددين البحرينيين منذ عام 2013، بما في ذلك الأسلحة الصغيرة والقنابل اليدوية والذخيرة التي تحمل علامات إيرانية مميزة، وكذلك الإلكترونيات إيرانية الصنع التي عُثر عليها داخل عبوات ناسفة بدائية. سرد التقرير قائمة بكميات هائلة من المتفجرات من الدرجة العسكرية، بما في ذلك 418 رطلاً من مادة C-4، وهي كمية مماثلة للكمية التي استخدمها تنظيم القاعدة لتفجير حفرة طولها 40 قدماً في المدمرة الأميركية يو إس إس كول في عام 2000.
وأظهرت الاختبارات الكيميائية التي أوردها التقرير أن كل الـ C-4 – التي جمعت من 6 مواقع على مدى 3 سنوات – جاءت من اثنين من خطوط التصنيع التي أثبتت التحليلات أنها مرتبطة بإيران. وقال التقرير إن أحد المخابئ الستة كان يحتوي على “C-4 بعبوات الجيش الإيراني الأصلية”.
لكن المحققين البحرينيين انزعجوا أكثر من اكتشاف مكابس هيدروليكية ومخارط المعادن الباهظة في مصنع القنابل تحت الأرض في قرية النويدرات. وقد تم تهريب معدات تشغيل المعادن الصينية والإيطالية الصنع، التي تبلغ قيمتها ما لا يقل عن 35 ألف دولار، داخل المنزل لصنع “المتفجرات الخارقة للدروع”، وهو نوع من القنابل تهدف إلى الانفجار من خلال درع عسكرية. وذكر تحليل أن القنابل التي وجدت في الفيلا مماثلة لتلك المستخدمة من قبل المتمردين الشيعة المدعومين من إيران لمهاجمة القوات الأميركية في العراق.
وأكد التحليل أن “هذا يرفع بشكل كبير من قدرات الإرهابيين البحرينيين لإجراء المزيد من الهجمات المميتة والفعالة. هذا المستوى من التقدم من المستبعد جداً أن يتم التوصل إليه من دون الدعم الخارجي والتوجيه والتدريب”.
ووصف التقرير وجود مثل هذه الأجهزة في البحرين بأنه “محير للغاية”، مشيراً إلى أن قوة النيران فاقت ما يلزم لتفجير مركبات الشرطة العادية ووسائل النقل غير المدرعة التي تستخدمها دوريات الشرطة البحرينية. يمكن استخدام تلك القنابل لتدمير الدبابات وناقلات الجنود المرسلة من دول الخليج المجاورة في حال نشوب صراع في المستقبل. أو ربما كان لصانعي القنابل ورعاتهم هدف مختلف تماماً “لإلحاق الضرر الجسيم بالقوات والمنشآت الأميركية”، وفقاً لما ذكره التقرير.
أصداء العراق
مهما كان الغرض المقصود، لم تستخدم تلك المتفجرات القوية في أي مكان في البحرين حتى الآن. وقد استخدمت الجماعات المسلحة القنابل الصغيرة وبنادق هجومية لضرب الشرطة وقوات الأمن ولتهريب العديد من القادة المتشددين البارزين من السجن في هجوم منسق للغاية في يناير/كانون الثاني 2017.
وفي أواخر مارس/آذار 2017، أعلنت البحرين أنها أحبطت مؤامرة مسلحة لاغتيال مسؤولين حكوميين وتنفيذ سلسلة من الهجمات التي استهدفت الشرطة المحلية والقاعدة البحرية الأميركية. وقال متحدث باسم الشرطة إنهم تمكنوا من اختراق الاتصالات بين قادة الخلايا المحليين وأنصارهم في إيران.
ولا تزال البحرين تواجه انتقادات دولية بسبب مزاعم عن قمعها المعارضة السياسية، فقد أصدرت جماعات حقوق الإنسان ومحققو الأمم المتحدة تقارير العام الماضي متهمة السلطات البحرينية بمضايقة المتظاهرين السلميين بشكل منهجي وسجنهم.
ورداً على ذلك، يشير المسؤولون البحرينيون إلى الجهود الجارية لإجراء إصلاحات سياسية، بما في ذلك تعيين أمين مظالم مستقل لفحص شكاوى سوء المعاملة التي قدمتها جماعات المعارضة الشيعية.
وقال مسؤول بحريني رفيع المستوى: “نحن نبذل جهداً في مجال حقوق الإنسان أكثر من أي جارٍ ضمن الألف ميل من حولنا، ورغم ذلك نعاقب على الانفتاح والتعامل مع مشاكلنا”.
أطماع إيرانية
وفي الوقت نفسه، على الرغم من أن إيران لم تعترف بتوريد الأسلحة إلى المسلحين البحرينيين، إلا أنها سمحت لقادة المقاومة بالعمل علناً في طهران، وأعربت عن تضامنها مع دعوات المعارضة لإنهاء النظام الملكي في البحرين.
بل إنه في مارس/آذار 2016، سمى قائد الحرس الثوري سعيد القاسمي علناً البحرين “محافظة إيرانية انفصلت عن بلاده نتيجة للاستعمار”، مضيفاً أن إيران هي الآن قاعدة “لدعم الثورة في البحرين”.
وقال مايكل نايتس، المحلل في الأمن العسكري والشرق الأوسط شؤون لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وهو مؤسسة بحثية غير حزبية: “الكلمات تؤكد الأفعال، ما يدل على أنهم يحاولون إيصال رسالة:” لا تعبث معنا، وإلا سنلحق بك الأذى”.
رأى نايتس، الذي حقق على نطاق واسع في دعم إيران للمتمردين الشيعة خلال الحرب على العراق، أصداء في البحرين لممارسة إيران توريد دروع سحق دبابات للميليشيات الشيعية العراقية، والتي استخدمت لخلق مناطق محظورة حول معاقل الشيعة.
وأضاف أن حقيقة أن المتفجرات الخارقة للدروع لم تستخدم في البحرين قد تعني أن السلطات المحلية قد وجدتها كلها، أو أنها قد تشير إلى شيء أكثر خبثاً، “قد تكون مدخرة لوقت آخر، أو لنوع آخر من الظروف”.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة Washington Post الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.
ترجمة:هافينغتون بوست عربي