مما لا شك فيه, أن الملفات والقضايا السياسية في منطقتنا العربية مترابطة ومتشابكة بعضها مع البعض الآخر, من المحيط إلى الخليج, وإذا خصصنا البحث أكثر سنجد أن المسائل السياسية تبدو ذات بعد واحد في الشرق الأوسط, وتحديداً في سورية والعراق؛ فربما يلعب العامل التاريخي دوراً كبيراً في هذا الترابط, ويعمقه العامل الجغرافي والبشري, بحكم تجاور البلدين وصلة القرابة التي تجمع العديد من أبناء العشائر في سورية والعراق بعضهم مع بعض.
الواضح للعيان أن ساحتا الصراع في كل من البلدين ساحتان تتسمان بتدخلات العديد من الأطراف الخارجية والدولية ذات الأجندات التي تحمل طابع مشاريع الدول والأحلاف, وتتنوع صبغة المكان لهذه الأطراف, فمنها من يحمل الصبغة الإقليمية ومنها من يتعدى ذلك إلى الصبغة القارية والدولية.
فمنذ سقوط حكم “البعث” في العراق، بقيادة الرئيس العراقي السابق “صدام حسين”, والبلاد تعيش حالة فوضى عارمة في شتى الميادين: الأمن والسياسة والاقتصاد, بل وحتى أنظمة العقد الاجتماعي التي انهارت بشكل كامل بعد أن لعبت الدول المسؤولة عن الملف العراقي لعبتها الخطيرة, التي تمثلت بتفجير الوضع الطائفي, أو سمحت بسيطرة لون طائفي معين على مقاليد السلطة في البلاد, وأبعدت الرموز القيادية في اللون الآخر عن الساحة السياسية وغيبتها بشكل كامل.
المشكلة في القضية العراقية أن من قام بذلك هي الولايات المتحدة الأمريكية, عندما بدأت بحربها على العراق في عام 2003م , وكانت إيران الدولة ذات المشاريع المستقبلية في المنطقة هي من أبرز المستفيدين من انهيار نظام الرئيس العراقي السابق “صدام حسين”, بشكل يدعو المراقبين السياسيين إلى أن يقفوا طويلاً عند تحليل هذه الحالة المتناقضة..
“ملفات عالقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران, وفي مقدمتها الملف النووي الإيراني, فكيف تسمح الولايات المتحدة الأمريكية لدولة “معادية” لها كإيران, بالسيطرة على العراق بأسلوب الهيمنة بالوكالة؟!”
ربما ينطلق تفكير القادة والساسة الأمريكيين في جميع الإدارات التي تعاقبت على حكم البيت الأبيض من مبدأ :
“السماح بتمدد النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط, سيكون على حساب قيام كيان “سني” معادي للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في المنطقة بالشكل الحقيقي, لذلك من الأفضل أن يتم الاستفادة من نتائج الصراع المذهبي في المنطقة وتسخيره لخدمة المصالح الأمريكية بترجيح كفة إيران التي من الممكن أن تشكل سداً منيعاً في وجه التمدد الحاصل من أعدائها وأعداء العالم كما تعتقد ذلك الولايات المتحدة الأمريكية”.
وبما أن العراق بلد متنوع من حيث التركيبة الإثنية والعرقية والمذهبية, فإن دولا إقليمية أخرى بالتأكيد لن تكون راضية بأن تقوم إيران بملء الفراغ السياسي بل وحتى العسكري في العراق, ولا سيما تركيا التي بدأت تشعر بخطر التبعية لإيران وللولايات المتحدة أيضا وخصوصا في إقليم كردستان, لذلك هي تصر اليوم أن تكون طرفا حاضرا وبقوة في الساحة العراقية ومن بوابة “الموصل”, وتنطلق القيادة التركية من اعتبار أن مشاريع الدول في الشمال العراقي بعيدا عن السيطرة التركية ستنعكس في نهاية المطاف على الأمن الداخلي التركي.
بالعودة إلى وجه التقارب بين سورية والعراق, تطفو إلى السطح الملفات السياسية والعسكرية الشائكة التي تهيمن على الساحة السورية كنظيرتها وجارتها في العراق, والمفارقة أن سورية أيضا هي مطية لهيمنة وتدخل نفس الطرف في العراق وهي الدولة الإيرانية التي دافعت وبشتى الوسائل عن مشروعها في سورية من اليوم الأول لانطلاق ثورة الشعب السوري في آذار من عام 2011م, وأيضا هي المستفيدة الوحيدة من أخطاء السياسة الأمريكية في سورية بالسماح لروسيا أن تجعل من سورية دولة محتلة ومنتدبة من قبلها, وبالتأكيد يبرز الدور التركي الساعي لإحداث نوع من التوازن في سورية كما في العراق.
يعتقد عدد من المحللين السياسيين أن المنطقة في طريقها للانزلاق إلى حرب طويلة الأمد, وستكون نقطة التحول فيها هي اصطدام كل من المشاريع الأمريكية والإيرانية والروسية والتركية وحتى الغربية في الساحتين السورية والعراقية, حتى لو افترضنا أن التنسيق الخفي بين الأطراف اللاعبة في المنطقة جارٍ على “قدم وساق” لتقاسم وتقارب النفوذ والمصالح, ولكن اللعبة السياسية دائما ما تكون خطيرة للغاية وغير منضبطة النتائج في هاتين المنطقتين تحديدا والتاريخ يثبت ذلك, لذلك بتنا نسمع في الآونة الأخيرة كثرة التصريحات و “التهديدات” إن صح القول على لسان العديد من المسؤولين الدبلوماسيين من مخاوف اندلاع حرب عالمية جديدة ستكون شعلتها هي فتيل القضايا المتنازع عليها في قلب الشرق الأوسط في سورية والعراق.
ونخشى في سورية, أن يتم تحييد إرادة شعبها في نيل حريته من نظام الاستبداد, كما تم مصادرة رغبة العراقيين في إعادة بناء سلسلة العقد الاجتماعي فيما بينهم من جديد, نتمنى ألَا يحدث هذا.
المركز الصحفي السوري-فادي أبو الجود