في وقت بلغت الاحتجاجات الشعبية في العراق ذروتها، بات البلد أمام طريق مسدود مع تمسّك قادة الأحزاب والتيارات بمكاسبهم المالية والسياسية ورفضهم لأي تنازل، بحسب خبراء ومسؤولين.
تعمل معظم التيارات الشريكة بالسلطة وفق مقولة “كلام الليل يمحوه النهار” ففي تصريحاتها تأييد للإصلاح وعزم على مكافحة الفساد والاستجابة لطلبات المحتجين في بغداد ومدن الجنوب، وفي الخفاء عمل متواصل على تقاسم المغانم والمناصب، بحسب ما تؤكد مصادر سياسية عدة.
وفي وقت يحاول رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في العلن اتخاذ إجراءات وتدابير قد تقصي وزراء، يصطدم برفض الأحزاب للتغيير خشية فقدان مكاسبها في بلد غني بنفط يدر مليارات الدولارات سنويا.
ولم تغير الاحتجاجات -التي راح ضحيتها نحو 350 شخصا غالبيتهم من المتظاهرين- من الممارسات السياسية في بلد يحتل المركز 168 من 180 على لائحة أكثر الدول فسادا، بحسب تصنيف منظمة الشفافية الدولية.
ويقول مصدر مقرب من السلطة “الوضع وصل إلى نفق مظلم، وليس هناك حل في الأفق للأزمة الحالية رغم الضغط الشعبي الجاري”.
من جهته، يرى سياسي بارز أن مسؤولي الأحزاب والكتل “يرفضون الخروج من التشكيلة الوزارية التي تضيّع مكاسبهم”.
رغم استمرار الاحتجاجات الشعبية فالتعيينات ما زالت وفق انتماءات حزبية وسياسية (الأناضول) |
شراء المناصب
ورغم ضغط الاحتجاجات المطلبية غير المسبوقة منذ الغزو الأميركي عام 2003، تتمسك السلطة بنظام المحاصصة.
وبحسب الخبير الاقتصادي علي المولوي، فقد زاد عدد موظفي القطاع العام ثلاثة أضعاف منذ 2003، في حين كانت الزيادة في الرواتب التي تدفع لهؤلاء تسعة أضعاف.
وبلغ حجم رواتب القطاع العام 36 مليار دولار، أي نحو ثلث موازنة 2019 التي تعد الأكبر في التاريخ الحديث للعراق.
ومن المتوقع أن ترتفع قيمة هذه الرواتب بموازنة 2020، مع سعي السلطات لزيادة الإنفاق وتوفير مزيد من الوظائف أملا بتهدئة المحتجين، ومحاولة خفض نسبة البطالة التي تبلغ 25% لدى الشباب.
يقول مصدر حكومي إن المناصب باتت تخضع لمنطق البيع والشراء، موضحا أن “وزارة معينة تخصص لحزب سياسي، ويقوم الأخير ببيعها لمن يدفع المبلغ الأكبر”. ويشير إلى أن بعض الوزارات بيعت بعشرين مليون دولار.
وفي بلد متعدد الطوائف والانتماءات، باتت هذه العوامل أساسية في التعيينات الرسمية، بحسب الباحث حارث حسن.
ويوضح أن “صيغة المحاصصة في الحكم وزعت السلطة والموارد بين العديد من اللاعبين” المؤثرين في التركيبة الحاكمة، مشيرا إلى أن هؤلاء “استفادوا من ضعف المؤسسات الرسمية لتعزيز سلطاتهم الذاتية”.
في الآونة الأخيرة، وبينما كان عشرات الآلاف في الشارع يطالبون بـ “إسقاط النظام” والإصلاح، تسربت قائمة بتعيين عدد كبير من المديرين العامين ووكلاء الوزارات وفق انتماءات حزبية وسياسية.
كسر غصن الفساد
يسمع المتظاهرون بوعود وخطوات تبقى عمليا دون أي تطبيق فعلي. ففي مجال مكافحة الفساد المالي على سبيل المثال، أعلن رئيس الوزراء قائمة بستين اسما من المتورطين وأحالهم إلى هيئة النزاهة المختصة بمكافحة مختلف الفساد بالإدارات الرسمية، وإن كان دورها شبه معطل بسبب الضغوط السياسية المتبادلة من قبل أطراف مختلفة.
وأصدرت الهيئة أوامر توقيف بحق مسؤولين غالبيتهم من الوزراء والمحافظين السابقين، لكن يرجح أن تبقى حبرا على ورق نظرا لأن غالبيتهم خارج البلاد، والبقية اتهموا بقضايا صغيرة لا تقارن بحجم الشبهات التي تحوم حول المسؤولين الكبار.
وباتت المناصب الرسمية جزءا من وضع يد الأحزاب على مقدرات الدولة ومواردها المالية والعقود والاستثمارات.
في خضم ذلك، كرر المرجع الشيعي علي السيستاني دعوة حكومة عبد المهدي إلى إصلاح جدي، كما سبق له أن دعا سلفه (رئيس الحكومة السابق) حيدر العبادي للقيام بذلك الأعوام الماضية.
وفي خطبة الجمعة، أبرز السيستاني الذي يحظى بثقل وازن ضرورة الإسراع في إنجاز قانون جديد للانتخابات.
يقول مصدر مقرب من السلطة “الإصلاحات التي دعت إليها المرجعية الشيعية والمتظاهرون تستهدف غصن الفساد الذي يقفون عليه” في إشارة للمسؤولين الحاليين، لأن أي قانون يتيح للمستقلين شغل مقاعد برلمانية “لا يناسبهم، ويقوض وجودهم”.
إبعاد هؤلاء عن السلطة أبرز مطلب يكرره المحتجون، ومنهم محمد طالب (25 عاما) في ساحة التحرير وسط العاصمة.
يقول طالب “ما نريده هو طرد ومحاسبة كل هؤلاء السراق والفاسدين الذين أحرقوا العراق ودمّروا أرضه وخيراته وسرقوا قوت عائلاته”.
المصدر : الفرنسية