تطالعنا كل يوم وسائل الإعلام بتصريح من هنا وهناك لسياسيين وعسكرين ومقربين من كل الأطراف أن المعارضة السورية السياسية والعسكرية خسرت الحرب أمام قوات النظام وحلفائه في كل المحافل وهو ما يفتح الباب للكثيرين للتفكير جدّياً بالعودة لأحضان النظام الذي يظهر نفسه عبر آلته الدعائية أنه انتصر في هذه الحرب التي ولّدت كارثة إنسانية لم يشهد لها مثيل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
بعيد انطلاق الثورة السورية في 15 آذار مارس عام 2011 حاول جيش النظام السوري بسط سيطرته على كامل الأراضي السورية وهو الذي أصبح حلماً بعيد المنال بالنسبة لهم بدءاً من عام 2012 العام الذي شهد وصول الاحتجاجات السلمية في سوريا إلى ذروتها . ومع توالي خروج المناطق الثائرة عن حكم الأسد وبدء تشكل نواة الجيش السوري الحر بقيادة العقيد رياض الأسعد برزت الحاجة الملحة لتأمين هذه المناطق وحمايتها ومحاولة إيجاد بديل لقوات النظام وميليشياته الأمر الذي دفع بالنظام وحلفائه لاتباع سياسة الأرض المحروقة لضرب الحاضنة الشعبية للجيش الحر وذلك باستخدام سلاح الجو والبراميل المتفجرة التي سقطت بلا هوادة على رؤوس المدنيين في المناطق “المحررة”. ومع تلكؤ المجتمع الدولي متمثلاً بالولايات المتحدة الأمريكية ورئيسها أوباما عن دعم الجيش السوري الحرالمشكل من بقايا العسكريين المنشقين وبعض المدنيين بالمضادات الجوية لمنع تحليق طائرات الأسد تفاقمت معاناة السوريين و وصل الوضع إلى نقطة اللاعودة. عندها استماتت قوات النظام وميليشياته لإدامة إحكام السيطرة على المدن الرئيسية لا سيما العاصمة دمشق ومناطق الساحل التي تشكل الخزان البشري لقوات الأسد. أما المناطق البعيدة في الشرق كـ دير الزور والحسكة والرقة تركت للفصائل المقاتلة التي ما لبثت أن تقهقرت أمام تنظيم الدولة الإسلامية الذي أعلن سيطرته على كامل محافظة الرقة أواخر عام 2013 محاولاً بناء دولته المزعومة التي تأسست حسب الأيدولوجية المتطرفة.
تسعى الآلة الإعلامية كل لنظام الأسد لتسويق “منجزات” “الجيش العربي السوري” في دير الزور وغيرها على أنها تخوض حرباً ضد المؤامرة الكونية وهو ما اتضح منذ البداية أنها هي من نسجت خيوطها بدءاً بإلصاق تهمة حمل السلاح على المتظاهرين السلميين وانتهاء بإدعائها بأنها انتصرت على المؤامرة وترويجه لإعادة إعمار البلاد بعد أن قتلت ما يزيد عن 300 ألف مدني سوري وفق إحصائيات الأمم المتحدة ودمرت البنية التحتية التي تحولت إلى ركام بفعل آلة القتل الوحشية.
إذا كان رأس النظام وأركانه قد اطمأنوا إلى أنهم سينجون بأفعالهم من العقاب عبر طمس معالم جرائمهم لا سيما مجازر الأسلحة الكيماوية فهو واهم لأن من يمعن قراءة التاريخ لا بد سيجد أن مصير الأسد وأعوانه لن يقل فظاعة عن مصير نظام القذافي عام 2011 أو نظام صدام حسين عام 2003 أو حتى النظام اليوغسلافي عام 1998. الأنظمة سالفة الذكر مرت بمراحل كانت تمسك بزمام السلطة على جماجم وأشلاء شعوبها وبرضى القوى الغربية، فهي لا تعدو كونها أحجار دومينو يتم الإطاحة بها عندما تنتهي مهمتها، ولن يكون نظام الأسد وأعوانه استثناء. وهنا نذكر بنتائج لجنة التحقيق الدولية يوم أمس حول ارتكاب مجزرة الكيماوي في خان شيخون، حيث اعتبرت أن نظام الأسد هو المسؤول عن ارتكاب المذبحة الكيماوية التي ارتكبت في الرابع من أبريل نيسان الماضي وراح ضحيتها ما يقارب 80 شخصاُ جلهم من الأطفال والنساء وإصابة ما يزيد عن 300 شخص. واستنتج المحققون أن ” اللجنة تعرفت إلى 3 من القذائف من نوع (أوفاب-100 -120) والرابعة على أنها كيماوية” مضيفاً أن “صورا لبقايا الأسلحة تشير إلى قنبلة جوية كيماوية من نوع كان يتم تصنيعه في الاتحاد السوفيتي سابقاً”. التقرير حمل النظام السوري مسؤولية ما لا يقل عن 23 هجوماً كيماوياً آخر بحسب وكالة الصحافة الفرنسية. هذا التقرير وغيره من آلاف الوثائق الدولية تأتي في جملة الأدلة التي تدين الأسد وأعوانه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
السؤال الذي يتبادر لأذهان الكثير من السوريين وغيرهم : هل انتهت الحرب في سوريا؟ هذا السؤال ببساطة لن يستطيع أحد أن يجيب عليه و لا حتى أشهر مراكز الأبحاث السياسية والعسكرية. الوضع الميداني في سوريا أقل ما يوصف أنه هش وأن النظام وميليشياته تستميت في سبيل قضم مزيد من الأراضي والسيطرة على دير الزور الخزان الرئيسي لمنابع النفط في البلاد وجلب الاستثمارات لا سيما من الشرق ونقصد هنا الصين و روسيا لتمويل عملياته في باقي المناطق التي تشكل خطراً عليه، وهو ما يعني بالضرورة أن مناطق تخفيف التوتر لن تعدو تهدئة نسبية للحرب ريثما يتم التفرغ لها بعد القضاء على تنظيم الدولة في سوريا. وهذه الأخيرة تتداعى صفوفها بشكل متسارع بعد الضربات الموجعة التي تتلقاها من كافة التحالفات في المنطقة وإن اختلفت المسميات لكنها تتفق بلا شك على هدف القضاء على التنظيم وتجفيف منابعه المتطرفة.
إن موقع سوريا الإستراتيجي وتشكيلها لعقدة حيوية في منطقة الشرق الأوسط يجعل أنظار العالم كله تتجه لهذا البلد الذي لن ينعم بالاستقرار ما لم تتوافق كافة الأطراف الفاعلة الخارجية وستكون الإرادة الشعبية السورية في الداخل هي الغائب الأبرز عن أي توافق محتمل وأن تغذية العنف المذهبي والتطرف لن تجدي نفعاً في حل الصراع الذي أخذ منحىً دولياً بأتم معنى الكلمة وبكل تأكيد سيكون المدنيون هم الورقة الخاسرة الأكبر رغم أن الشرارة انطلقت من حناجر وأفواه المتظاهرين المدنيين الذين طالبوا بالحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية التي غيبها نظام البعث منذ أكثر من أربعة عقود مضت.