شهر كامل مضى على تصويت البرلمان البريطاني بالموافقة على تحرك عسكري بريطاني في سوريا ضد تنظيم الدولة الإسلامية، المعروف عربيا باسم داعش.
وفي نفس الليلة التي أعطى فيها البرلمان موافقته على العملية العسكرية، شنت طائرات تورنادو التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني غاراتها الأولى على حقول نفط عمر في سوريا.
ثم وصلت طائرات تايفون جديدة لتشارك في الهجمات بعد ليلتين من بدء العمليات البريطانية، ثم تبع ذلك مجموعة غارات على نفس الحقول النفطية في السادس من ديسمبر/ كانون أول.
ثم بعد ذلك؟ لم يظهر أي شيء. وكانت هناك فقط غارة جوية بريطانية أخرى في سوريا، عندما أطلقت طائرة بدون طيار، ريبير، صاروخ هيل فاير على نقطة تفتيش تتبع تنظيم الدولة الإسلامية بالقرب من مدينة الرقة، يوم عيد الميلاد (الكريسماس).
ورغم التصويت، مازال تركيز العمليات العسكرية البريطانية على العراق. فالقوات الجوية الملكية لم تستخدم صاروخ بريمستون المتطور، جو أرض، في سوريا حتى الآن.
ولم يثبت حتى الآن صحة قول رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، إن القوات الجوية البريطانية تصنع “فارقا له أهمية” في سوريا.
حتى الآن، نفذت الولايات المتحدة 90 بالمئة من الغارات الجوية داخل سوريا.
بالطبع مازال الوقت مبكرا للحكم. لكن العدد المحدود للغارات البريطانية يطرح التساؤلات: لماذا كانت الحكومة مهتمة بتوسيع غاراتها الجوية في سوريا، ولماذا كل هذا الصراع على تصويت يبدو أنه حقق، نسبيا، تغيرا ضئيلا؟
وتجدر الإشارة إلى أن كاميرون حض على مشاركة بريطانيا في الغارات الجوية بسوريا.
وأكد على أنها لحرمان تنظيم الدولة من ملاذ آمن، وقال :”إنها في سوريا وفي الرقة المقر الرئيسي للتنظيم، حيث تم تخطيط وإدارة بعض التهديدات الرئيسية ضد بلادنا”.
ودفع بأنه بالسماح بغارات جوية بريطانية فوق سوريا، سيكون بإمكان القوات الجوية الملكية القضاء على “رأس الأفعى”، قيادة التنظيم.
العراق أولوية
إذا لماذا لم يحدث هذا؟ يتمثل السبب الأول في أن سوريا لم تكن أولوية عسكرية.
في العراق تصنع الغارات الجوية فارقا، وذلك لوجود جيش على الأرض يجري العمل معه، وهو الجيش العراقي.
وشاركت القوات الجوية البريطانية في العمليات العسكرية في الرمادي ولعبت دورا في مساعدة الجيش العراقي على استعادتها من التنظيم.
وبدأت الطائرات البريطانية، في 18 ديسمبر/ كانون أول، معظم حملة قصفها المستمرة على الرمادي وقرب الموصل، بمعدل 22 غارة خلال 24 ساعة.
وثمة أسباب أكثر تجعل من العراق، وليس سوريا، يستمر كمركز اهتمام الحملة الجوية البريطانية.
وأعلن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، أن قواته سوف تركز اهتمامها الآن على استعادة الموصل.
وحتى مع ما يبدو من تغير الوضع في العراق، فإن بغداد سوف تظل تعتمد بشدة على القوات الجوية الغربية لأشهر مقبلة، وربما لأعوام قادمة.
وسيكون قتال تنظيم الدولة في العراق صعبا، لكن في سوريا سيكون الأمر أشد صعوبة، حيث لا توجد قوات على الأرض يمكن للتحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة، الاعتماد عليها.
وقبل موافقة البرلمان، اعترف ديفيد كاميرون بأن الموقف كان “معقدا” على الأرض في سوريا.
ويبدو أن تأكيده على وجود حوالي 70 ألف مقاتل من المعارضة السورية، لا ينتمون إلى الجماعات المتطرفة، مازال ضربا من الخيال.
ويوما بعد يوم تستهدف الطائرات الروسية ما يقال إنها “معارضة معتدلة”، بهدف تعزيز موقف الرئيس بشار الأسد.
مفتاح مراقبة
خطوط المعركة في سوريا غير واضحة وتتغير باستمرار. وهناك صعوبة كبيرة في تنفيذ ضربات جوية بدون وجود عيون على الأرض.
كما أنه من الخطأ إعطاء انطباع بأن سوريا قد أهملت تماما.
في 19 ديسمبر/ كانون أول شن التحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة، أكبر هجوم على الإطلاق مخطط له مسبقا على المنشآت النفطية بالقرب من الرقة، وألقت الطائرات 140 قنبلة وصاروخا في يوم واحد.(في التحديث اليومي الذي تقدمه قوات التحاف عن عملياتها قدم هذا الهجوم بوصفه ضربة جوية واحدة لأنها شملت هدفا واحدا).
كما لاحقت الولايات المتحدة قيادات كبيرة بالتنظيم، وقتلت 10 من ما يسمى “الأهداف عالية القيمة” خلال شهر واحد.
وقال المتحدث باسم التحالف، الكولونيل الأمريكي ستيف وارن :”نضرب فوق رأس الأفعى، لكننا لم نقطعها بعد، ومازال لديها أنياب”.
وقامت الولايات المتحدة بمهمات قتالية جوية فوق سوريا لأكثر من عام حتى الآن، ويقوم أكثر من 100 طائرة بجمع معلومات استخباراتية وتحديد الأهداف، وتتكلف العمليات 11 مليون دولار في اليوم.
وربما يساعد هذا جزئيا في توضيح السبب وراء الغارات القليلة التي نفذتها القوات الجوية الملكية ضد “رأس الأفعى” في سوريا. فالأمر يتطلب أسابيع، وربما شهورا، من المراقبة.
لكن التدخل البريطاني المحدود جدا في سوريا، بالإضافة إلى العدد المحدود من الطائرات، مازال يثير التساؤلات والجدل.
هل تصنع بريطانيا فعليا “فارقا مهما” في سوريا؟ و هل كان لتصويت في 2 ديسمبر/ كانون أول الكثير من الأهمية السياسية بقدر تأثيره العسكري؟
BBC عربية