بعثرت تطوّرات الحرب في اليمن حسابات إيران واضطرتها إلى رفع مستوى تدخلّها المباشر في جبهات القتال وتقديم قتلى من خبرائها ومن عناصر حزب الله اللبناني التابع لها.
وقال تقرير غربي إنّ الحوثيين الذين كانوا في السابق بالنسبة إلى إيران “استثمارا منخفض التكلفة يدرّ عائدات مجزية”، لم يعودوا كذلك.
وشرح جوشوا كونتز، المحلّل المتخصص في الشؤون اليمنية والجماعات شبه العسكرية، في مقال نشره على الموقع الأميركي “وور أون ذا روكس”، أنّ إيران التي حرصت في بداية الحرب الدائرة حاليا باليمن على تجنّب إرسال مستشارين من حرسها الثوري ومن حزب الله اللبناني للانخراط بشكل مباشر في المعارك إلى جانب المتمرّدين والاكتفاء بالتدريب والتسليح الذي يتم في أماكن آمنة بعيدا عن الجبهات، باتت تنخرط بشكل متزايد في القتال حيث يسقط لها قتلى على الجبهات.
ومع تعرّض المتمرّدين الحوثيين في اليمن لضغوط عسكرية شديدة من التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية وتراجعهم في العديد من الجبهات، باتت إيران تخشى هزيمتهم وبالتالي خسارة ذراعها اليمنية ما سيوّجه ضربة قاسمة لمشروعها في المنطقة.
وقال كونتز في تقريره إنّ الدعم الإيراني للحوثيين يمثّل جزءا من استراتيجية تطويق إيران لشبه الجزيرة العربية باستخدام جماعات شيعية في إحداث حالة من عدم الاستقرار في بعض البلدان، مؤكّدا أنّ إيران قامت بتدريب وتسليح وتمويل خلايا إرهابية لاغتيال المسؤولين وإلحاق الضرر بالبنية التحتية، مشيرا إلى اعتقال العديد من الخلايا المدعومة إيرانيا في البحرين.
وأورد التقرير نماذج عملية عن انخراط ضباط الحرس الثوري الإيراني وعناصر حزب الله في الحرب باليمن، من بينهم ضابط يعرف بـ”أبوعلي” كان قد قتل في مارس الماضي على أيدي القوات السعودية عندما قاد كتيبة من 52 من المقاتلين الحوثيين المسلّحين بقاذفات صواريخ الكاتيوشا وحاول التسلّل إلى ظهران الجنوب داخل أراضي المملكة تحت جنح عاصفة رملية، لكنّ القوات السعودية فاجأته وقضت عليه مع مجموعته.
وبحسب ذات التقرير فإنّ هلاك كتيبة “أبوعلي” في ظهران الجنوب ما هو إلاّ نموذج للتزايد الحاد في قتلى الحرس الثوري وحزب الله في اليمن، مشيرا إلى أنّ ما لا يقلّ عن أربعة وأربعين عنصرا من الحرس والحزب قتلوا في اليمن خلال العامين الماضيين.
وسبق لأحد قادة حزب الله اللبناني أن اعترف بمقتل ثمانية من مقاتلي الحزب أثناء القتال في اليمن. كما تمكّن مقاتلون قبليون مناهضون للحوثيين من أسر ثلاثة من ضباط الحرس الثوري الإيراني ومستشار واحد من حزب الله أثناء قتالهم جنبا إلى جنب مع قوات الحوثيين.
أما الآن -يضيف التقرير- فإن المستشارين العسكريين الإيرانيين ومن حزب الله يقتلون ويعتقلون بأعداد متزايدة في اليمن. وقد فقد الطرفان مؤخرا 15 مستشارا وضابطا في سلسلة من الضربات الجوية.
وقدّر جوشوا كونتز عدد القتلى في الحرس الثوري الإيراني في اليمن هذا العام بأكثر من الضعف قياسا بالعام الماضي، مشيرا إلى أنّ إيران نقلت منذ مارس الماضي مستشارين من الميليشيات الشيعية الأفغانية المدعومة من الحرس الثوري الإيراني، من سوريا إلى اليمن لتقديم الدعم للحوثيين.
ويتّخذ هؤلاء المستشارون من محافظة صعدة معقل الحوثيين بشمال البلاد مقرّا لأنشطتهم ومنطلقا لاستهداف الأراضي السعودية بهجمات صاروخية ومدفعية عشوائية، حيث يشرفون على صيانة منظومات القذائف وقراءة الخرائط، وفقا لاعترافات قادة ميدانيين حوثيين قبض عليهم من قبل قوات التحالف.
ولتفادي عائق اللغة أمام نقل الخبرات العسكرية الإيرانية إلى أتباع إيران في اليمن، سرّعت طهران من وتيرة بناء مدارس تعليم اللغة الفارسية والمراكز الثقافية الإيرانية في شمال اليمن.
وعُثر في جيب قائد ميداني حوثي أسره الجيش اليمني في وقت سابق خلال معارك دارت في محافظة حجة بشمال غرب البلاد على دليل لمعايرة البوصلات الإلكترونية العسكرية المبرمجة مسبقا من وزارة الدفاع الإيرانية، مكتوب باللغة الفارسية.
ومن خلال تقرير الـ“وور أون ذا روكس” يبدو دور ضباط الحرس الثوري الإيراني وعناصر حزب الله أساسيا ومباشرا في تهديد أمن الملاحة البحرية قبالة السواحل اليمنية، حيث يورد التقرير الكثير من الدلائل العملية على ذلك من بينها القبض في شهر يناير الماضي على اثنين من عناصر حزب الله في بلدة ذباب الساحلية غرب مدينة تعز على الساحل الغربي اليمني اعترفا بتخصّصهما في وضع الألغام البحرية.
وقدّم الحرس الثوري الإيراني للمتمرّدين في اليمن طائرات دون طيار ونقل إليهم تكنولوجيا القوارب المتفجرة لشن هجمات انتحارية ضد سفن التحالف العربي، والتي استخدمت في الهجوم على فرقاطة سعودية بالقرب من ساحل الحديدة ما أسفر عن مقتل اثنين من أفراد طاقمها وجرح ثلاثة آخرين.
وتحاول إيران من خلال مضاعفة تدخّلها في حرب اليمن درء الهزيمة عن أتباعها، ومع ذلك تبدو الحرب متجهة في غير مصلحتها.
العرب اللندنية