رئيس اتحاد الديمقراطيين السوريين
في اليوم الرابع من شهر يونيو/ حزيران عام 1967، وجه أحد شعراء “البعث” رسالة إذاعية مفتوحة إلى الأمة العربية، تدعوها إلى الاصطياف في نهاريا، مدينته الفلسطينية التي قال إن الجيش السوري، جيش البعث، سيحرّرها في الساعات الأولى بعد نشوب حرب التحرير المقبلة. وفي اليوم التاسع منه، كانت رئيسة الاتحاد النسائي تطلق صرخات استغاثةٍ يائسة تناشد العالم وقف “العدوان الصهيوني” الذي يستهدف عزل دمشق، أقدم مدينة في العالم، والتي تتعرّض لموجات قصفٍ أسقطت عشرات آلاف الشهداء من الأطفال والنساء. في اليوم ذاته، أذاع وزير دفاع النظام، الفريق حافظ الأسد، بيانا أعلن فيه سقوط القنيطرة، عاصمة الجولان، في يد العدو الصهيوني الغاشم، وأمر جيشه بتنفيذ انسحابٍ كيفي منه، قال رجال القانون، في ما بعد، إنه كان أمرا بحل الجيش، والدليل أنه لم يدافع عن الأرض الوطنية، بل سلمها من دون قتال للعدو الذي لم يرسل قواته لاستلامها إلا بعد ثلاثة أيام.
بين وعد التحرير والدعوة إلى الاصطياف في نهاريا، وحرب لم تدم فعلا غير ساعات قليلة، سلم الأسد خلالها الجولان لإسرائيل، وحل الجيش، دمرت إسرائيل الطيران السوري على مدرجات مطاراته، وغنمت آلاف الدبابات والمدافع بذخائرها. بعد الهزيمة، قال النظام إن “الحزب القائد” أحبط مؤمراة استهدفت “نظام الثورة المعادي للصهيونية والإمبريالية”، ومنع العدو من إسقاط النظام الذي خرج منتصرا من المعركة. في المعارك الكبرى، هكذا قيل، ليس احتلال الأرض أمرا مهما، بما أنه يمكن تحريرها واستعادتها، أما النظام، فهو لا يعوّض أو يستعاد. صحيح أن العدو احتل الجولان، لكن فشل المؤامرة هو شرط تحريره، في سياق استراتيجية النظام لتحرير فلسطين، بطبيعة الحال.
ذات يوم، احتلت فرنسا أرضا ألمانية، فجمع رئيس أركان الجيش الألماني ضباطه، وطلب منهم وضع خطة لتحريرها، وأصدر إليهم أمرا يقول: “سنفكّر بها وسنعمل لتحريرها دوما، ولن نتحدث عنها أبدا”. بعد احتلال الجولان، اعتمد النظام الموقف التالي: “سنتحدّث عن الجولان دوما، لن نفكر به أو نعمل لتحريره أبدا”. هل نعجب إن كان يرزح، منذ خمسين عاما، تحت احتلال إسرائيل، وكان النظام قد حوله إلى “لا قضية”، في سياق صرف احتلاله إلى مزايداتٍ خطابيةٍ، لعبت دورا مهما في ردع معارضيه وملاحقتهم، واتهامهم بالعمالة للعدو، لأنهم يعيقون جهوده لتحرير فلسطين، ولمقاومة عملاء العدو في منظمة التحرير الفلسطينية، والقوى الوطنية اللبنانية التي رفضت احتلاله بلادهم، بموافقة إسرائيلية علنية، والذين دانوا دوره في دعم الحرب الإيرانية ضد العراق، وانتهاجه سياساتٍ طوت تماما، منذ عام 19744، صفحة الصراع العربي/ الإسرائيلي، وفتحت صفحة الصراعات العربية/ العربية، ويبدو أنها ستبقى مفتوحة إلى أن يشاء الله.
قال بيان أسدي عام 1967: لا أهمية للأرض الوطنية في سياق صد مؤامرة ضد النظام يقف وراءها العدو الخارجي. وفي عام 2011، عام الثورة، قال بيان أسدي آخر: لا أهمية للشعب في سياق صد مؤامرة داخلية ضد النظام، يتولاها الشعب. وفي الحالتين: لا أهمية إلا للنظام. في هذه الحالة: أين المشكلة إذا سلم أرضا وطنية إلى العدو مقابل بقائه، أو إذا أبيد الشعب، إن كان يريد إسقاطه؟
ما هذا النظام الذي يتخلي عن أرض وطنيةٍ، يقوّض احتلالها الدولة، ويلغي أحد أركان وجودها: سيادتها الكاملة على داخلها الوطني. وينقضّ، في الوقت نفسه، وبكل سلاح لديه، على شعبه، بجرم مطالبته بإصلاح أحواله؟ ما هذا النظام الذي تمت المحافظة عليه، لأنه تخلى عن الجولان، واحتل لبنان، وحارب فلسطين والعراق، ويقضي على شعب سورية بدعم إقليمي ودولي غير محدود؟ ولماذا، بربكم، لا تحميه إسرائيل وغيرها، إن كان يقوم منذ ستة أعوام بما عجزت عنه دوما: القضاء على دولة سورية ومجتمعها، الأمر الذي كان سيكلفها عشرات آلاف القتلى من جنودها، وسيدمر أجزاء واسعة من دولتها، من دون أن يكون نجاحها فيه مؤكّدا؟
إذا كانت النظم تحافظ على أرض وطنها وسلامة شعبها، بأي معيار وطني أو إنساني يراد لنا أن نسمي الأسدية نظاما، وهي التي فرّطت بالأولى وتقضي على الثاني؟ من غير إسرائيل أفاد من “نظام” خدمها نيفاً ونصف قرن؟
المصدر: موقع اتحاد الديمقراطيين السوريين