تتحدّر هدية عباس (مواليد 1958)، من مدينة دير الزور (شرق سورية)، التي يسيطر على معظمها تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش). تحمل شهادة دكتوراه في الهندسة الزراعية من جامعة حلب، وتنقلت بين العديد من المناصب والمهام في حزب البعث الذي يهيمن على الحياة السياسية في سورية منذ انقلاب عام 1963. كانت عباس قيادية في ما يُسمى بـ”الاتحاد الوطني لطلبة سورية”، قبل أن تصبح عضواً في فرع حزب البعث بدير الزور، لتنتقل بعد ذلك إلى مجلس الشعب بين العامين 2003 و2007.
ويصف هذا الكاتب من مدينة دير الزور هدية عباس بأنّها “الابنة المخلصة للنظام”، مضيفاً أنّها خدمته منذ أن كانت في الجامعة، إذ كانت في طليعة المروّجين لثقافة “تقديس الأب حافظ الأسد”. فبدأت بالصعود في حزب البعث حتى أصبحت أحد أهم قياداته في محافظة دير الزور، مشيراً الى أن النظام أراد “مغازلة الغرب”، فلم يجد أفضل من امرأة هي هدية عباس وسيلة لذلك”، وفقاً له.مع بداية الثورة السورية في مارس/ آذار 2011، أظهرت هدية عباس، وفق بعض العارفين، تأييداً كبيراً للنظام في محاولة للعودة مرة أخرى إلى الأضواء، إذ أصبحت عضواً في “لجنة المصالحة الوطنية”، وهي هيئة شكّلها النظام في محاولة منه لتطويق الثورة في مختلف المدن السورية. لم يكن لهدية عباس أن تصل إلى منصب رئاسة مجلس الشعب في نظام فقد شرعيته إلّا من أجل “القائد”، وفقاً لأحد الكتّاب السوريين، لافتاً إلى أنّ العزلة الكبيرة التي يعيشها الأسد منذ إفراطه في قتل السوريين بعد أشهر من انطلاق الثورة، أراد إيصال رسالة للغرب أنه مقابل التطرف والتشدد، ها أنا أختار امرأة على رأس المؤسسة التشريعية، ما يجعل الغرب ينحاز له أكثر”، على حدّ تعبير الكاتب.
وكانت محافظة دير الزور من أوائل المحافظات السورية التي أعلنت الثورة على نظام الأسد، وخرجت في ميادينها تظاهرات ضمت آلاف الديريين الذين عانوا من التهميش والإقصاء طيلة عقود، على الرغم من أن دير الزور تعدّ من أهم المحافظات التي كان يعتمد عليها الاقتصاد السوري. ففي باطن أرضها حقول نفط، وفي أرضها ثروة زراعية مهمة. واجه النظام ثورة دير الزور بوحشية، إذ قتل، واعتقل، وغيّب الآلاف من أبناء المحافظة، كما دمّر العديد من أحيائها ومعالمها التاريخية، وأبرزها جسرها المعلّق على نهر الفرات والذي كان مفخرة هذه المدينة التي هاجر معظم أهلها.
قام الأسد الأب بـ”صناعة” مجلس صوَري للشعب قوامه أعضاء معيّنين من حزب البعث، وبعض الأحزاب الصغيرة التي تدور في فلكه، ولا تخرج عن الإطار الذي وضعه الأسد داخله، وهو ما يُسمى بـ”الجبهة الوطنية التقدمية”، وفقاً لمتابعين. حافَظ الأسد الابن على إرث والده السياسي، إذ بقي حزب البعث الواجهة التي تتحكم من خلاله عائلات عدة من الطائفة العلوية بكل مفاصل البلاد السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، من خلال منظمات، واتحادات، ونقابات بعثية لا دور لها إلا بقدر ما تقدّمه لتكريس ثقافة “تقديس القائد”.
وكان البرلمان السوري أهم برلمانات العالم العربي حتى عام 1963، بحسب شهادات رجال تلك المرحلة، إذ قامت مجموعة من ضباط الجيش السوري بانقلاب عسكري قاد حزب البعث ومجموعة من الضباط العلويين إلى السلطة. قاموا بتأميم كل ما في سورية، وتشييد قواعد الحزب الواحد، حتى جاء عام 1970، وانقلب حافظ الأسد على الانقلاب، فوضع دستوراً للبلاد، وظلّت مادته الثامنة تكبّل السوريين حتى عام 2011، والتي نصّت على أن حزب البعث “هو القائد للدولة والمجتمع”.
تحوّل البرلمان السوري في عهد الأسدَين إلى “مسرح دمى”، وظلّ على مدى عقود مدعاة لسخرية وتندُّر السوريين. فهو، بحسب ما وصفوه، “مجلس مصفِّقين”، إذ قام هذا المجلس بتعديل الدستور خلال دقائق عام 2000، لضمان وصول بشار الأسد إلى السلطة. وخفّض عمر من يحق له تولي رئاسة الدولة من 40 إلى 34 سنة، في مشهد هزلي لا يزال حاضراً في ذاكرة السوريين.
العربي الجديد – محمد أمين