تمتهن السياسة مهنة رائجة ومطلوبة في زماننا هذا، إنها مهنة تصنيع الشخصيات على المقاسات المطلوبة؛ إذ نجد كثيرا من الأحيان النظام السوري يقوم بتصنيع شخصية ما ويروج لها بين ليلة وضحاها ليضعها في مكان ما، مع توظيف قنواته الإعلامية والدعائية وحتى الإعلانية للترويج للفكرة ذاتها، والمثال حاضر بين أيدينا إنها شخص رئيس مجلس الشعب السوري الاسيدة ” هدية خلف عباس “.
من غمرة المجهول إلى الأضواء والشهرة، فكأن السيدة هدية كانت في قمقم لا أحد يعرف شخصيتها الاعتبارية في كونها تحمل درجة الدكتوراه في الزراعة وعضوة في لجنة المصالحة الوطنية وكثير من المناصب، لكن تلك المناصب كانت بأكملها مناطة بها خارج الأضواء بعيدا عن المنجزات التي تستحق من الإعلام تسليط الضوء عليها، لكن في مفصل تاريخي واستحقاق تشريعي صعدت إلى الأضواء وملأت صورها صفحات التواصل الاجتماعية، المؤيدة والمعارضة على حد سواء.
وأخذت تلك الصفحات تعيد وتكرر سيرة المرأة الرئيسة ومجموعة المناصب التي شغلتها في حياتها العملية.
لكن اللافت للنظر أن كافة تلك الصفحات والقنوات والشبكات والمواقع عاد وكرر المعلومات ذاتها بدقة واضحة فكأن الأمر نقل عن نقل عن نقل.. وهذا ما يضع إشارة استفهام كبيرة أمامنا؟ من هي رئيسة مجلس الشعب الجديد وما سيرتها الشخصية ألا يستحق هذا السؤال الوقوف عنده؟! هذا السؤال يمكن أن يثير في أنفسنا أسئلة عدة:
• من السيدة هدية خلف عباس حقيقة؟
• لماذا لم تتناولها وسائل الإعلام في خبر، أي خبر مهما كان من قبلُ، والمثير للانتباه أن الصور الموجودة على الصفحات ما هي إلا للحظة توليها المنصب الجديد مع غياب تام لصور قديمة سواء كونها أكاديمية أو عضوا في لجنة المصالحة أو حتى لحياتها الاجتماعية؟
• من المسؤول على ضخ جملة من المعلومات الاعتبارية وتغييب كل ما سواها؟
• لماذا تشغل المنصب في هذا التوقيت الحاسم؟
• والأهم من هذا وذاك ما الرسالة التي يريد النظام توجيهها للغرب؟
أسئلة مشروعة أمام تفكير المواطن السوري، لكنها مشرعة للريح فما من إجابات مقنعة حول هذا الأمر.
بعد متابعة دقيقة واستقصائية مطولة على مختلف شبكات الإنترنت ومواقعه التواصلية والعودة إلى الصحافة السورية المكتوبة والإلكترونية لم نجد لها ذكرا في خضم التسليط الإعلامي على الشخصيات السياسية الأخرى كبثينة شعبان وغيرها كثير.
هذا يمكن أن يدعم الخلاصة التي قد ننتهي إليها لاحقا
فكأن الهدف ليس في “هدية” بل الهدف في المطلوب منها في هذا الظرف، أو الرسالة الموجهة من تسلّمها أو لنقل تسليمها هذا المنصب فالترشح للمنصب كان مقتصرا عليها ونجاحها بالتذكية أيضا له دلالاته أيضا، إذ يمكن أن نحلل الأسئلة السابقة كل على حدة من دون الإجابة ونترك للقارئ القدرة على ربط الأمور بعضها ببعض كمقدمة للفهم:
• تحليل السؤال الأول: من السيدة “هدية خلف عباس” حقيقة؟
أجابت عنه بدقة كل الصفحات والمواقع على مختلف انتماءاتها الثورية أو الموالية.. الملاحظ هنا أن المعلومات التي قدمت عنها هي نقل حرفي لمجموعة معلومات ثابتة حرفيا باتجاهات محددة لم تخرج عنها الصفحات والمواقع والقنوات التي راجعتها وقد كان عددها 67 صفحة.. هذا بدهي لا بد أن ينقلنا لتحليل السؤال الثاني.
• لماذا لم تتناولها وسائل الإعلام في خبر أي خبر مهما كان من قبلُ؟
كانت السيدة “هدية” واحدة – مجرد واحدة- من نساء كثيرات يشغلن مناصبا في مؤسسات الدولة المختلفة أكاديميا أو منظماتيا أو حزبيا وهو أمر طبيعي منذ الاستقلال بعيدا عما تتغنى به بعض القنوات أن مشاركة المرأة كانت منحة من آل الأسد وعطاء من عطاءاته، والجدير هنا بأن الصفحات ذكرت هذا الأمر حرفيا.
• أما تحليلنا للسؤال الثالث: من المسؤول على ضخ جملة من المعلومات الاعتبارية وتغييب كل ما سواها؟
هي جهة واحدة تلك ذاتها التي استقدمت السيدة هدية إلى هذه الواجهة بقصد معين، وللسبب نفسه ضخت جملة من المعلومات المرتبة منطقيا وتاريخيا حولها، لكن السؤال هو أيعقل أن تشترك 67 جهة إعلامية في المعلومات ذاتها دون التطرق لحياتها ولو بنبذة صغيرة؟ أيعقل أن تشترك القنوات السابقة بأكملها بالمعلومات ذاتها وأحيانا كثيرة بالعناوين ذاته؟ وما أثار الدهشة أن كثيرا من الصفحات تناقلت العنوان الآتي: عشر معلومات لا تعرفها عن “هدية خلف عباس” رئيسة مجلس الشعب الجديدة. فنتفاجأ أن المعلومات ما هي إلا ما نشرته غيرها من صفحات كثيرة بل الأسوأ من ذلك تلخيصها فكأنها بنود اتفاقية ما.
• أما تحليل السؤال الرابع، فهو وثيق الصلة بما بعده: لماذا تشغل المنصب في هذا التوقيت الحاسم؟ والأهم من هذا وذاك ما الرسالة التي يريد النظام توجيهها للغرب؟
أجاب عن هذين السؤالين جملة المعلومات الدعائية المنشرة عنها في ال67 صفحة إعلامية، هي رسالة للغرب بأن نظام الأسد هو الوجه الوحيد البديل عن نظام إسلامي متطرف، فهو النظام القديم الذي أثبت جدارة في طاعة الغرب وهدنة إسرائيل وسياسة النفاق السياسي والشعبي والطائفي على حد سواء.
أجوبة هذه الأسئلة الخمسة السابقة موجودة في جملة المعلومات المنتشرة على الصفحات ال67 التي قام البحث عليها، إنها سياسة النظام في تصدير رسائل مبطنة بأنه النموذج الوحيد على الساحة السورية القادر على التواصل والحياة والخدمة مع كافة الأطراف فهو النموذج العلماني المتحرر المنفتح البعيد والمتماسك بعيدا عن شرذمات الفصائل المعارضة وخلافاتها الداخلية وبعيدا عن التشدد الديني لدى الفصائل الأخرى، وقبل هذا وذاك هو الأكثر جرأة في تحقيق مطاليب الغرب وحراسة مصالحها في المنطقة.
وقبل الختام نعتقد أنه يمكن أن تثيرنا مجموعة من الأسئلة الجديدة في حال كان المطلوب من النظام السوري في مرحلة قادمة رفع سقف الأدلة على مبايعة الغرب قبل الروس، وخاصة حول شخص رأس النظام السوري، فهل سيسمح بتوليته لامرأة أم سيلجأ إلى تقانات العلم الحديث وما يوفره من إمكانات تغيير الجنس بين الذكورة والأنوثة، حفاظا على قيادته المرحلة المقبلة من الدمار القادم؟
المركز الصحفي السوري- علاء العبدالله