لقد كان العمل على توليد زخم دبلوماسي محاولة شجاعة. بعد أربعة أيام من الاتفاق الأمريكي والروسي على وقف الأعمال العدائية الذي دخل موضع التنفيذ في 27 فبراير، قال المبعوث الأممي إلى سوريا ستافان دي مستورا إنه يتوقع أن تعود الأطراف المتحاربة إلى طاولة المفاوضات في جنيف في 9 مارس. وضع السيد دي مستورا موعدا باكرا للعودة إلى محادثات السلام, التي توقفت قبل أن تبدأ قبل شهر عندما انسحبت المعارضة السورية منها. ولكنه يأمل أنه من خلال السماح بيومين إضافيين لوقف إطلاق النار فإن فرص النجاح ربما تكون أكبر.
استخدام دي مستورا لتعبير” وقف إطلاق النار” مؤشر في حد ذاته إلى أن الأمل ليس كبيرا. تعبير وقف الأعمال العدائية يعبر عن هدوء أكبر في القتال من كلمة وقف إطلاق النار. لحد الآن، فإن الاتفاق، وعلى الرغم من أنه جزئي وهش، إلا أنه يسير بصورة أفضل مما توقع الكثيرون. تضاءلت حدة القتال بصورة أكبر من المحاولات السابقة. قالت وزارة الخارجية الأمريكية إنها لم تسمع عن خروقات كبيرة للاتفاق، على الرغم من أن ذلك يعتمد على القصد من كلمة كبيرة. ذكرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان الموجودة في بريطانيا إن حوالي 80 مخالفة (من بينها استخدام الغاز السام) وقعت في الأيام الأولى، وأدت إلى مقتل 13 مدني.
وعلى الجانب الإيجابي أيضا، سمحت حكومة بشار الأسد بوصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة، من بينها بعض المناطق التي يسيطر عليها المتمردون. تهدف الأمم المتحدة إلى الوصول إلى 150000 شخص محاصر مع نهاية الأسبوع الأول. تعتقد الأمم المتحدة إن هناك 450000 شخص على الأقل محاصرون في مدن وبلدات في جميع أنحاء البلاد. صرح الأسد لمحطة تلفزيون ألمانية في 1 مارس بأن حكومته سوف تقوم بكل ما يلزم من طرفها لضمان نجاح الأمور.
هناك ما يبرر الشكوك. يستبعد الاتفاق الدولة الإسلامية وجبهة النصرة التابعة للقاعدة في سوريا. حيث تصنف الجماعاتان بأنهما إرهابيتان. حيث يمكن استهدافهما، سواء من قبل النظام أو من قبل داعميه الروس والإيرانيين، أو من قبل التحالف المضاد لداعش الذي تقوده الولايات المتحدة. ولكن جبهة النصرة على وجه الخصوص تعمل إلى جانب المتمردين الأكثر اعتدالا الذين تدعمهم أمريكا وحلفاؤها.
وبالتالي هناك العديد من بؤر التوتر التي يمكن من خلالها أن يدعي النظام أنه يستهدف فيها الإرهابيين، ولكنه في واقع الأمر يستهدف جماعات يفترض أنها محمية بموجب الاتفاقية. محافظة إدلب تخضع في معظمها للمتمردين، الجيش السوري الحر المدعوم من الغرب وأحرار الشام (وهي جماعة سلفية قوية) وجبهة النصرة يتقاسمون السلطة فيها. طبعا من المستبعد أن يكون الطيران الروسي أو السوري مجهز بقنابل ذكية يمكن أن تستهدف جماعة دون أخرى. كما يقول النظام إن جبهة النصرة وداعش ينشطون في الغوطة وداريا، وهي ضواح تابعة لدمشق ولكن المتمردين فيها يقولون إن ذلك غير صحيح تماما.
يبدو أن أكبر اختبار سوف يكون في حلب. حيث سمح الطيران الروسي في الأسابيع الأخيرة لقوات النظام المدعومة بالحرس الثوري الإيراني وميليشيات شيعية أخرى بالاقتراب من المدينة والعمل على تطويق أكبر المدن السورية. يصر الروس إن المدافعين عن حلب يخضعون لسيطرة جبهة النصرة. ولكن مصادر الجيش السوري الحر تقول إن جبهة النصر لا تملك سوى أقل من 1000 مقاتل في حلب، وهو جزء لا يذكر إذا ما قورن بعدد الجماعات التي تنتمي للمدينة.
ربما يكون الهجوم الشامل على حلب أمرا مستبعدا. فالنظام السوري لا يملك ما يكفي من المقاتلين لخوض قتال شوارع ضد السكان المحليين المجهزين بصورة جيدة، حيث إن هذا النوع من القتال يتسبب في خسائر كبيرة للنظام. كما أن روسيا ليست قادرة على استخدام ذخائر موجهة بدقة تكفي للاعتماد على سلاح الجو في مثل هذه المدينة المزدحمة بالسكان. معهد دراسات السلم والحرب الموجود في واشنطن يتوقع أن النظام وحلفاؤه سوف يتبعون أسلوب الحصار والتجويع البطئ لإنهاك المدافعين عن المدينة دون الحاجة إلى خسارة في صفوف رجالهم.
كجزء من خطة عزل حلب، يعتمد النظام على مقاتلي الواي بي جي الأكراد والضربات الجوية الروسية لقطع طرق الإمداد الشمالية القادمة من تركيا. وهذا سبب آخر للقلق من أن عمر وقف الأعمال العدائية سوف يكون قصيرا جدا. يقول الأكراد إنهم سوف ينصاعون للاتفاق ما لم يتعرضوا للهجوم. ولكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يقول إنه ليس هناك أي تأثير للاتفاق على حملة بلاده العسكرية لمنع الأكراد من السيطرة على الحدود الشمالية لسوريا، حيث يرى في ذلك تهديدا لأمن تركيا الخاص.
حاليا، وقف القتال، حتى وإن اقتصر على بعض المناطق، يناسب الجميع تقريبا. ولكن هناك احتمالات ضئيلة بأن الاتفاقية سوف تستمر ما يكفي من الوقت لتوفير منصة يمكن الانطلاق منها باتجاه محادثات السلام في جنيف.
مركز الشرق العربي