لم تشهد الجبهات ومناطق النفوذ في سوريا تحركات تذكر منذ سنوات، حيث بدا نظام بشار الأسد وكأنه طبقة سميكة من الحجر. ومع ذلك، عادت المعارضة السورية لتستعيد زمام المبادرة.
تمكنت قوات المعارضة من السيطرة على حلب، التي تُعد ثاني أكبر مدينة سورية، في وقت يعتمد فيه الأسد على دعم روسيا وإيران والعراق لمواجهة هذا التقدم. وقال أحد المدنيين، الذي لم يُذكر اسمه، في تصريح له أمام مبنى بلدية خان شيخون: “نحن مدنيون غير مسلحين. في عام 2011، كانت خطيئتنا الوحيدة هي قول ‘لا’. لدينا رؤية لبناء دولة دستورية ونظام عدالة يتيح لنا جميعًا العيش بكرامة. لكن النظام استخدم الأسلحة الكيميائية ضدنا على بعد مئتي متر من مكاني الحالي”. وذلك بعد أن طُرد من مدينته عام 2019 وعاد الآن كجزء من القوات المعارضة. وأوضح: “نحن أبناء هذه المنطقة، ونريد إعادة بناء هذا البلد”. وقد اتسعت دائرة القتال بين المعارضة وجيش النظام، مما أدى إلى نزوح حوالي 50 ألف شخص نتيجة التصعيد الأخير.
بعد الهجوم، أعرب النازحون عن أملهم في العودة، إذ أثار هجوم المعارضة حماسة الكثيرين بفضل الإمكانية المحتملة للعودة إلى وطنهم وبناء مستقبل في سوريا جديدة.
معركة حلب: خلفية الصراع
وأوضحت آنا فلايشر، رئيسة مؤسسة هاينريش بول في بيروت، أن الدعوة إلى مبادئ الثورة السورية من حرية ومساواة وديمقراطية لم تتوقف أبدًا في إدلب. وصمدت المقاومة ضد الأسد في مواجهة عنفه واعتقالاته التعسفية واختطافه للمدنيين.
عبر الفترات السابقة، أدى تدخل روسيا إلى إنقاذ نظام الأسد، ولكن بعد أن سيطرت قوات المعارضة على حلب بشكل شبه كامل مؤخرًا، يتجه القتال الآن نحو مدينة حماة. من جهتها، أعربت مراسلة قناة ZDF، جولينا أتاي، عن مخاوفها من احتمال استخدام الأسد مجددًا للأسلحة الكيميائية أو قنابل مدمرة.
خبراء: نظام الأسد يقاتل حتى آخر جندي
وفيما يتعلق بنظام الأسد في دمشق، ليس هنالك مؤشرات على تغييرات في طبيعته القمعية، حيث يجمع المراقبون على أن بشار الأسد سيستمر في القتال بكل الوسائل الممكنة للحفاظ على حكم عائلته. وتعكس الغارات الجوية على المستشفيات في مناطق المعارضة نمطًا من الانتقام المنهجي، حيث يعرف المدنيون أن النظام سوف يستهدفهم مباشرة إذا تكبد خسائر في المعارك.
فرغم الهجوم الناجح للمعارضة الذي ساعد في تضاعف الأراضي التي تسيطر عليها خلال أيام، لكن ذلك جاء نتيجة أيضا لحالة جيش الأسد، حيث تشير التقارير إلى تدهور هيكلي في الجيش، وإحباط بين صفوف الجنود بسبب تدني الرواتب وسوء المعاملة، بالإضافة إلى زيادة شهية الانشقاقات.
كيف سيتصرف حلفاء الأسد؟
ناقشت إيران، الحليفة الرئيسية للأسد، إمكانية إرسال مزيد من القوات لتعزيز النظام إذا رغب الأسد بذلك، في حين وصلت أعداد من المقاتلين الموالين لإيران من العراق لتقوية النظام في سوريا.
في ظل تصاعد القتال في شمال سوريا، تناول مجلس الأمن الدولي الوضع القائم. وفي الوقت نفسه، دعا رياض الحجاب، رئيس الوزراء السوري السابق، حلفاء الأسد في المنفى إلى “إعطاء الأولوية لمصالح بلدانهم وعدم السماح للأسد بإراقة المزيد من الدماء السورية”.
ليس من مصلحة هؤلاء أن يواجهوا الشعب السوري بأسره من أجل الحفاظ على نظام قمعي مستبد.
المصدر: صحيفة ZDF الألمانية – بقلم جولينا أتاي، 4 كانون الأول (ديسمبر) 2024