لم يكن مفاجئا أن يتزامن الهجوم العسكري على مدينة حلب مع انسحاب المعارضة السورية من مفاوضات جنيف ليبدو وكأنه عقاب لها على هذا الانسحاب دون تنسيق مع الولايات المتحدة وروسيا اللتين ترعيان المفاوضات.
وفسرت المعارضة انسحابها من الجولة الأخيرة لمفاوضات جنيف بأسباب تتعلق بسوء الوضع الميداني واستمرار خروقات الهدنة وعدم وصول المساعدات بالشكل الكافي وعدم إطلاق سراح المعتقلين.
وعلى أرض الواقع، زاد التصعيد العسكري أضعاف المرات بعد الانسحاب من جنيف، مما يعتبره المراقبون ضوءا أخضر روسيا لنظام الرئيس السوري بشار الأسد لتصعيد ضرباته العسكرية على مدينة حلب التي تمثل مركز ثقل المعارضة.
ولم يحرك الجانب الأميركي ساكنا أثناء ذروة التصعيد الميداني، بل كان يجاري الموقف الروسي بضرورة عودة المعارضة إلى المفاوضات أكثر من اهتمامه بالوضع العسكري وسوء الوضع الإنساني.
ويرى محللون أن الولايات المتحدة غضت النظر عن شريكها الروسي الذي قدم الغطاء للعملية العسكرية شمال سوريا، مما يعني دعم فكرة تلقين المعارضة السورية درسا لانسحابها من العملية التفاوضية التي تحرص كل من موسكو وواشنطن على استمرارها بغض النظر عن الخروقات المستمرة للهدنة.
وقال خالد الأيوبي الدبلوماسي السوري المنشق عن النظام “إن التصعيد العسكري على حلب بدعم روسي وسكوت أميركي هو نوع من أنواع معاقبة المعارضة على تركها المفاوضات التي تهم موسكو وواشنطن أكثر من السوريين”.
وأضاف الأيوبي في تصريح لـ”العرب” أن “هناك مؤشرات توحي بأن المعارضة واقعة تحت ضغط دولي كي تحضر الجولة المقبلة، وهذا يترافق مع إعلان الجانب الروسي بالتعاون مع واشنطن إعادة إحياء الهدنة، ما يعني أنه إذا انسحبت المعارضة من المفاوضات مرة ثانية فإن التصعيد سيعود”.
وكشفت مصادر مطّلعة عن أن الجانب الأميركي أجرى اتصالات بأطراف إقليمية لديها علاقة بالمعارضة السورية، حاثا إياها على ممارسة ضغوط على المعارضة ودفعها إلى المشاركة في الجولة المقبلة المتوقع عقدها في منتصف الشهر المقبل.
وفي مقابل ذلك تعهد الطرف الأميركي أن يلعب دورا لدى الجانب الروسي لإعادة إحياء الهدنة مما يخلق أجواء أكثر إيجابية تساعد المعارضة والنظام على التفرغ للعملية السياسية المتمثلة في إيجاد حد أدنى من التفاهم على المرحلة الانتقالية أثناء التفاوض في الجولة المقبلة.
وبعد أن أكدت المعارضة استعدادها للعودة إلى المفاوضات في حال تم وقف القصف على المدنيين وعودة وصول المساعدات إليهم من دون عرقلة من النظام، اعتبرت الخارجية الأميركية أن المعارضة فهمت الرسالة وستتعامل معها بإيجابية، ويمكن اعتبار ذلك نقطة مناسبة لدعوة الجانب الروسي ليضغط بشكل عملي على النظام ليفعّل الهدنة ويوقف القصف العشوائي.
وأعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري في بيان أن الضربة الجوية على مستشفى بمدينة حلب تبدو كأنها كانت متعمدة، مشيرا إلى أن هذه الضربة جاءت عقب “سجل مروع لنظام بشار الأسد في ضرب مثل هذه المنشآت وأفراد طواقم الإغاثة”.
وأضاف كيري أن روسيا تتحمل مسؤولية ملحة في الضغط على النظام كي يفي بالتزاماته. وتشمل وقف استهداف المدنيين والمنشآت الطبية وأفراد طواقم الإغاثة، والالتزام بشكل تام بوقف الأعمال العدائية.
وبعد دعوة كيري الجانب الروسي إلى التحرك والضغط على النظام، أعلنت موسكو أن روسيا والولايات المتحدة اتفقتا على “نظام الصمت أو التهدئة” أي إعادة إحياء الهدنة في سوريا.
ونقلت وكالة تاس الروسية عن مصدر دبلوماسي قوله إن موسكو وواشنطن ستكونان ضامنتين للاتفاق الذي سيطبق في مناطق باللاذقية وبعض ضواحي دمشق.
وأشار المصدر إلى أن روسيا والولايات المتحدة ستكونان الضامن لهذا الاتفاق، لافتا إلى أن هذه التهدئة ستكون مفتوحة دون تحديد فترة زمنية لها.
ولم يتطرق بيان أصدره الجيش السوري إلى مدينة حلب ضمن المواقع التي تشملها التهدئة.
وقال مصدر أمني في دمشق إن تجميد القتال يأتي “بناء على طلب الأميركيين والروس الذين التقوا في جنيف لتهدئة الوضع في دمشق واللاذقية”.
وأضاف أن “الأميركيين طلبوا أن يشمل التجميد حلب، لكن الروس رفضوا ذلك”.
وأكد المعارض السوري قدري جميل أن “نظام الصمت” في سوريا الذي اتفقت عليه روسيا والولايات المتحدة سيطبق في حلب ودمشق واللاذقية.
ونقلت وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء عن مسؤول عسكري كبير قوله إن “نظام التهدئة” الذي اتفقت روسيا والولايات المتحدة على تنفيذه في عدة أجزاء من سوريا يحظر الأنشطة العسكرية واستخدام أي نوع من الأسلحة.
العرب