الحرب الدائرة في سوريا منذ ما يقارب الخمس سنوات والتي قضى فيها أكثر من 300 ألف، ألقت بظلالها على الواقع العلمي في سوريا، وفرضت حالة من الخوف ما دفع الكثير من العلماء والمفكرين للهجرة الى الخارج، هربا من هذا المصير الذي بات يهدد الكثيرين.
مما لا شك فيه أن العلماء والمفكرين هم رصيد ثمين لأي بلد، وفي سوريا قضى عدد كبير من الكوادر الأكاديميين الذين لهم ثقلهم في سوريا، على أيدي قوات النظام أو مجموعات مسلحة مجهولة، ومنهم من اعتقل أو اختطف على أيدي النظام وشبيحته، ومنهم من قضى نحبه أو هاجر إلى خارج سوريا بحثا عن الأمان، ليتابع عمله في بلدان اللجوء.
هجرة الكفاءات والخبرات أو ما يسمى “هجرة الأدمغة” التي تتمثل، بحملة الشهادات الجامعية العلمية والتقنية والفنية، كالأطباء والعلماء والمهندسين والتكنولوجيين والباحثين، والاختصاصيين في علوم الاقتصاد والرياضيات والاجتماع وعلم النفس والتربية والتعليم، والآداب والفنون والزراعة والكيمياء، ويمكن أن يشمل هذا التحديد الفنانين والشعراء والكتاب والمؤرخين والسياسيين، والمحامين وأصحاب المهارات والمواهب والمخترعين وشتى الميادين الأخرى أي أصحاب الكفاءات الجامعية العلمية والتقنية، وتعتبر هذه الهجرة واحدة من أهم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، وتمثل هذه المشكلة جرحاً عميقاً وتقف حاجزاً كبيراً في طريق التنمية.
الدكتور المهندس الزراعي والباحث “سمير العلي” يقول: “ظروف الحرب الدائرة في سوريا أجبرتني إلى الخروج منها إلى السويد، ولقد قدمت لي الحكومة السويدية تسهيلات في المعيشة، وفرصة الحصول على عمل، بالإضافة إلى الإقامة الدائمة، وتأمين حياة مستقرة بعيدة عن مرارة الحرب والفقر والظروف القاسية التي عانيت منها في سوريا”.
تقوم بعض الدول الغربية بمنح جنسياتها للعقول والكوادر البشرية المهاجرة، كنوع من تشجيعهم للهجرة إلى بلدانهم، وتقوم بإزالة جميع العوائق التي تعوق ربطهم بأوطانهم ومنحهم الحوافز المادية المغرية.
الدكتور سعيد الذي رفض الهجرة رغم الفرص والإغراءات المادية التي قدمت له من الخارج، وفضل البقاء والموت تحت القصف بسوريا، على أن يترك أهالي بلده وهم بأمس الحاجة إليه، ليعالج الجرحى والمصابين بريف حماة الشمالي، الدكتور سعيد يلقي اللوم على أصحاب القدرات والكفاءات التي تهاجر إلى الخارج، لكنه بنفس الوقت يقول: “نحن جميعنا نحب السلام والأمن والاستقرار ونرفض القمع والعبودية والاستبداد, ولقد أجبرت الأوضاع والظروف الصعبة التي نعاني منها، بعض أصحاب العقول والفكر والشباب والأكاديميين للهجرة إلى الخارج, فقد غادر عشرات الآلاف منهم بحثا عن الأمان والحرية، وتطلعا لممارسة حقهم الإنساني في العيش بسلام والاستقرار، لكن لابد من التضحية من أجل بلدنا فهو بحاجة إلينا أكثر من بلاد الغرب”.
لا شك أن المستفيد الأكبر من هذه الظاهرة هي الدول الغربية، التي تستقطب الكيميائيين وبقوة سواء في مجال الدراسة أو في العمل، فالصناعة الكيميائية تشكل ركيزة أساسية في الاقتصاد الأوربي، وهي بحاجة إلى أدمغة ناشطة، وقد وجدت ضالتها في الكيميائيين السوريين، حيث قامت إحدى الشركات المختصة في الصناعات الدوائية باستقطاب مئات الكيميائيين السوريين، وخلال ستة أشهر فقط قامت بمنحهم علاوة مجزية لنشاطهم وتميّزهم.
ولم يقتصر الأمر على الدول الغربية فقط بل قامت بعض الدول العربية باستقطاب الأدمغة السورية، حيث قامت الإمارات العربية المتحدة باستقطاب ما يزيد على 1000 كيميائي سوري، معظمهم يعملون في المنشآت الصناعية.
يتمنى أهالي سوريا ممن اضطُرَّ للخروج من سورية ولجئ إلى البلاد الأجنبية، أن يستمر في مناصرتهم، بالإعانة المادّية المختلفة، والدعم المعنوي، وبذل المستطاع من أجل إبراز القضية السورية للناس في البلد الذي يعيشون فيه، والحرص على فضح أكاذيب النظام ونشر جرائمه، كما يتمنون عودة اللاجئين إلى سوريا الحرة المنتصرة بعد زوال الأسد، للمساهمة في بناء بلدهم الذي دمره نظام الأسد وتطويره وتنميته للنهوض بسوريا الجديدة.
اتحاد الديمقراطيين السوريين – علي الحاج أحمد