تعتبر سياسة الهجرة واللجوء التي اتبعها عدد كبير من السوريين الفارين من حياة الحرب، المسبب الأكبر لتراجع الاقتصاد في سوريا، وبالأخص للأشخاص أصحاب رؤوس الأموال والمؤسسات التجارية الخاصة لما لها من دور مهم في دعم الاقتصاد وتهيئة فرص عمل لأصحاب الكفاءات والخبرات وللعاطلين.
ولعل السبب الأكبر من وراء هجرة هؤلاء إيجاد مكان آمن لافتتاح مشاريعهم بعيدا عن القصف والدمار الذي طال معظم المنشآت الصناعية وعلى وجه الخصوص في مدينة حلب عاصمة سوريا الاقتصادية، حيث تضرر قسم كبير من التجار والصناعيين نتيجة الاستهداف المباشر والحرق المتعمد لمصانعهم، فكانت الهجرة برؤوس الأموال خير منقذ لهم من هذا الواقع الأليم.
وتعتبر “لبنان” من أكثر الدول التي تحتضن أصحاب رؤوس الأموال وحسب منظمة الإسكوا فقد بلغت الأموال التي أدخلها السوريون إلى لبنان حتى نهاية عام 2015 نحو 11 مليار دولار، ولكن وفق مصادر اقتصادية في لبنان فإنها تبلغ بين 15 إلى 18 مليار دولار، حيث كان مدير عام مؤسسة الاستثمارات الأجنبية في لبنان قد صرح سابقاً بأن المؤسسة تلقت طلبات من صناعيين سوريين ومستثمرين لبنانيين في سورية للحصول على تراخيص لإنشاء مصانع أو لنقل استثماراتهم إلى لبنان، وذكر أن معظم تلك التراخيص المطلوبة كانت تشمل إنشاء مصانع للحلويات منها (ترخيص لمستثمر لبناني مع رجل أعمال سوري لإنشاء مصنع للحلويات في البقاع بقيمة 120 مليون دولار)، إضافة إلى مصانع للألبسة الجاهزة والمواد الغذائية وفتح مطاعم وسوبر ماركت.
وساهم أولئك في نهضة الاقتصاد اللبناني وتنميته بشكل أو بآخر، ورغم ذلك تواصل الحكومة اللبنانية استياءها وتمعضها من وجود اللاجئين السوريين وتستمر إذلالهم واتباعها معهم سياسة القمع والأحكام الجائرة وتهديدها لهم بترحيلهم إلى بلادهم قريبا كونهم يشكلون عائقا أمام استقرارهم وأمنهم، وأن ميزانية الحكومة تعاني العجز ولا مجال لاحتوائهم وتقديم الدعم اللازم لهم.
وتأتي تركيا بالمرتبة الثانية بحسب إحصائيات للأمم المتحدة بنسبة تشغيل الأموال السورية، وارتفعت نسبة المنشآت والمصانع بأموال سورية فيها بعد صدور قانون العمل للسوريين الذي سمح بإنشاء شركات برأسمال سوري خالص شرط الحصول على إقامة العمل بعد أن كانت في السابق لا تسمح بنسبة ملكية تتجاوز 49% مقابل 51% للأتراك في شركات ينشئها سوريون.
ولتداعيات هجرة رؤوس الأموال للخارج آثار سلبية عدة، فقد ارتفعت نسبة البطالة بشكل ملحوظ سواء في مناطق النظام أو في مناطق المعارضة، وأصبح الحصول على عمل مهمة شاقة حتى لذوي الكفاءات، فضلا عن إغلاق معظم المصانع المحلية ما ساهم بارتفاع نسبة الاستيراد من مختلف المنتجات والتي كانت تدخل في قائمة التصدير سابقا قبل أن تصل موارد سويا إلى هذه المرحلة من الشح.
ورغم جميع مايقدمه صناعيو وتجار سوريا في الخارج يبقى اسمه لاجئا غير مرغوب به لاحكومة ولا شعبا من الدول المضيفة رغم استفادتها منه والتي لاتقدر بثمن، فتركيا على سبيل المثال قدم لها صناعيو حلب وبالأخص في مجال النسيج خدمات لاتقدر بثمن ورغم ذلك أول ماقامت به أغلقت حدودها في وجه من طلب الأمان على أراضيها.
المركز الصحفي السوري ـ سماح الخالد