سارع تيار رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر الثلاثاء للتبرّؤ من شعارات مناهضة لإيران رفعها متظاهرون خلال عملية الاقتحام الأخيرة للمنطقة الخضراء في العاصمة بغداد، واعتبرها مراقبون مؤشرا على تصاعد الغضب في الأوساط الشعبية العراقية من سياسات إيران وتدخّلها في بلادها، ودليلا على وعي رجل الشارع العراقي بمسؤولية طهران عما آلت إليه الأوضاع في البلد من سوء على مختلف المستويات السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية.
واكتسى الحدث أهمية خاصّة كون الشعارات المناهضة لإيران صدرت هذه المرّة عن الشارع الشيعي المفترض –نظريا- موالاته لطهران على أساس عقائدي طائفي، وباعتباره موجها من قبل قيادات سياسية ودينية تعلن الولاء الصريح لإيران.
وخلال اقتحام أتباع مقتدى الصدر للمنطقة الخضراء حيث مقرات السفارات الأجنبية وأهم المؤسسات السيادية بما فيها مقرّ الحكومة ومبنى البرلمان دوّى شعار “إيران برة برة” بشكل فاجأ منظمي الاقتحام ذاتهم من أتباع مقتدى الصدر وأفراد ميليشيته سرايا السلام المكلفين بمواكبة العملية.
واعتبر ذلك بمثابة إنذار جدّي لإيران وللسياسيين العراقيين الموالين لها بشأن انفلات الشارع بكل طوائفه وأعراقه عن الضبط والتوجيه بعد أن عمّت القناعة بفشل تجربة حكم الأحزاب الشيعية المستمرّة منذ الغزو الأميركي للبلد وإسقاط نظام حزب البعث وإطلاق عملية سياسية قامت على المحاصصة وأتـاحت لإيران نفوذا غير مسبوق في العراق عن طريق وكلاء محليين من قادة دينيين وسياسيين وقادة ميليشيات مسلّحة.
كما شمل الإنذار مقتدى الصدر ذاته بشأن عدم إمكانية تماديه إلى ما لا نهاية في لعبة الركوب على موجة الغضب الشعبي وتوجيهها بعيدا عن زعزعة “الثوابت” ومن بينها المطالبة بإسقاط حكم الأحزاب الشيعية ما سيمثّل أكبر ضربة للنفوذ الإيراني في العراق.
لن يكون من الهين على إيران المسارعة للرهان على مقتدى الصدر لمعرفتها بتقلب مواقفه وضعف خلفيته السياسية
ونجح الصدر إلى حدّ بعيد في “ترويض” الشارع وقيادة الاحتجاجات مستثمرا جماهيريته المستمدّة أساسا من مكانة عائلته في مجال التدين الشيعي، ومن عدم تورّطه بشكل مباشر في تجربة الحكم الفاشلة ومن معاداته لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي ذي السمعة السيئة لدى الغالبية العظمى من العراقيين بعد ثماني سنوات في الحكم انتهت بحصيلة كارثية على مختلف المستويات يلخّصها وقوع أجزاء كبيرة من البلاد تحت سيطرة تنظيم داعش أواسط سنة 2014، فضلا عن حالة شبه الإفلاس الاقتصادي التي يعاني العراقي اليوم تبعاتها.
لكن نجاح الصدر يبدو محدودا مع وقوف رجل الشارع على عقم الحركة الاحتجاجية لزعيم التيار الصدري، وعدم فاعليتها في إحداث أي تغيير في الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية التي فجرت الغضب الشعبي صيف العام 2015 انطلاقا من أزمة انقطاع التيار الكهربائي في عزّ فصل الحرّ الشديد، وهي الأزمة التي ما تزال قائمة وبشكل أكثر حدّة بعد ما يقارب العام من تفجّر موجة الاحتجاج.
وحرفت تحرّكات مقتدى الصدر حركة الاحتجاج عن مشغلها الرئيسي المتمثل بمحاربة الفساد وإصلاح الأوضاع ذات الصلّة المباشرة بحياة المواطن العراقي، باتجاه صراع سياسي مفتوح بين الفرقاء المتنافسين على المناصب السياسية والمكاسب المادية، بما في ذلك فرقاء البيت الشيعي، حيث برز التيار الصدري مجدّدا كقطب مضاد لحزب الدعوة الإسلامية بقيادة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي والذي ينتمي إليه رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي.
ويمثّل صراع الفرقاء العراقيين الشيعة مشكلة كبرى لإيران المعنية بتماسك أتباعها بما يضمن بقاءهم في الحكم.
ولن تكون من الهين على إيران المسارعة للرهان على مقتدى الصدر رغم صعوده إلى مقدّمة المشهد، لمعرفتها بمزاجيته وتقلّب مواقفه، وأيضا لضعف رؤيته السياسية وضيق آفاقه في المجال.
وفي المقابل بدا الصدر في أكثر من مناسبة معنيا بتقديم نفسه لإيران باعتباره رجل المرحلة في العراق.
ويفسّر ذلك الامتعاض الشديد الذي عبّر عنه التيار الصدري من الشعارات المناهضة لإيران خلال عملية اقتحام المنطقة الخضراء وما مثّلته من إفساد لخطة زعيم التيار.
وأعلنت كتلة “الأحرار” في البرلمان العراقي التابعة لمقتدى الصدر، الثلاثاء، رفض الأخير للهتافات المناهضة لإيران، التي رددها أتباعه عند اقتحامهم، السبت الماضي، للمنطقة الخضراء في العاصمة بغداد.
وقال ضياء الأسدي، رئيس الكتلة في بيان إن “الهتافات ضد إيران بعد اقتحام المنطقة الخضراء مرفوضة من سماحته ـ مقتدى الصدر ـ ومن كتلة الأحرار، وجماهير التيار الصدري الواعية”.
وردد آلاف المتظاهرين من أتباع الصدر خلال وبعد اقتحامهم للمنطقة الخضراء عقب فشل البرلمان العراقي في عقد جلسة للتصويت على الكابينة الوزارية لحكومة التكنوقراط الجديدة، هتافات مناهضة لطهران منها “إيران برة برة”، ما جعل عناصر ميليشيا سرايا السلام الحاضرين بأزيائهم المدنية لمواكبة عملية الاقتحام ينقضّون بسرعة على مجموعة الشبان التي بادرت بالهتاف ضدّ إيران، فيما أكّد شهود عيان أنه جرت خلال ذلك مصادرة لافتات عليها شعارات ورسوم ناقدة لقيادات إيرانية ولتدخلاتها في الشأن العراقي.
صحيفة العرب