براءة الأحمد – عمار الحلبي – صدى الشام
تعيش الأربعينية أم علي مع أولادها الثلاثة في القطّاع الجنوبي من مخيّم أطمة منذ عام ٢٠١٣، بعد أن نزحت عن بلدة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي، هاربةً من نار المعارك، التي حرمتها من زوجها بضربة جوّبة استهدفت المدينة حينها.
لم يكن أمام أم علي حينها سوى التوجّه إلى مخيّم أطمة، هناك قد تنعم بنوعٍ من الأمان بعيدًا عن الجحيم الذي تصبّه الطائرات الحربية على أحياء المدنيين، فضلًا عن كونها قد تلقى مساعدة لإعالتها وإعالة أولادها.
خلال تلك الفترة، كانت الأربعينية تأخذ دور الأم والأب معًا، لا تحصل على المساعدة سواء في الأعمال اليومية التي تحتاج إلى قوّة بدنية، أو حتّى في الأعمال المنزلية، ما دفعها للزج باثنين من أولادها في سوق العمل كنوعٍ من تخفيف الضغط عليها.
تقول أم علي لمراسلة “صدى الشام”: “خلال وجودي في المخيّم كنت أقوم بتحطيم الحطب شتاءًا، وحمل أوزان الأخشاب الكبيرة، كما أنّني عندما تنقطع المياه عن المخيّم كنت أحمل المياه بأوزان ثقيلة لمسافات طويل”.
أدّت هذه العادات الحياتية غير المناسبة في نهاية المطاف لهبوط رحمها، وتضيف أنّها عانت من آلامٍ مستمرّة في أسفل الظهر، فضلًا عن صعوبة في المشي والتبوّل وظهور التهابات في المسالك البولية، فُأقعدت بشكل شبه تام عن الحركة.
عندما زارت المرأة مستشفى قريب، أخبرتها الطبيبة أن مشكلتها متفاقمة، وطلبت منها الخضوع لتمارين رياضية معيّنة، لا توفّر بيئة المخيّمات إجرائها، لذلك فلم يتغيّر على حالها شيء، كما أن حياتها في المخيّم لم تتغيّر واستمرّت بالقيام بأعمال مجهدة ما أدّى لتدهور حالتها الصحّية في نهاية المطافة.
قابلت مراسلة “صدى الشام” داخل مخيّمات أطمة ومخيّمات مجاورة له، تسع نساء أُصبن بـ “هبوط الرحم”، من بينهم امرأة هبط رحمها ثلاث مرّات، بسبب عملها الذي يفرض عليها جلوسًا مستمرًّا لساعاتٍ طويلة.
تقول الطبيبة أمين نجيب، مديرة مستشفى الإخاء: “إن مشكلة هبوط الرحم مرتبطة بشكل أساسي بطبيعة جسم المرأة وعضلات الحوض والأربطة المعلقة للرحم، وهو أمر يختلف من امرأة لأخرى”.
وأضافت نجيب، أن هناك عوامل “محفّزة” لوقوع المشكلة، وتسرّع حدوثها وتحفّزها، ومنها الولادات المتكرّرة عندما يكثر عددها، ولا سيما مع عدم وجود فترات طويلة بين الولادة والأخرى.
إضافةً لذلك، فإن الولادات العسيرة، التي يحدث خلالها مشاكل طبّية خلال عملية التوليد تزيد من نسبة هبوط الرحم، حيث يحدث ذلك غالبًا خلال الولادات المنزلية.
ومن بين الأسباب أيضًا بحسب الطبيبة نجيب، حمل الأثقال الكبيرة والإجهاد الجسدي، وخصوصًا عند النساء اللواتي لا تتمتّع بنيتهم الجسدية بالتحمّل، فضلًا عن بعض وضعيات الوقوف والجلوس الخاطئة أثناء العمل، والتي قد تستمر لساعات طويلة، وأخيرًا بعض الأمراض التي ترفع الضغط داخل البطن.
تشاطرها الرأي الطبيبة مريم، وهي طبيبة نسائية في القسم التقني في “الجمعية الطبّية السورية الأمريكية” (سامز) قائلةً: “إن حمل الأوزان الثقيلة والوضعيات غير الصحّية مثل وضعية القرفصاء، تزيد من هبوط الرحم”.
وأضافت الطبيبة مريم، أن “طبيعة الحياة داخل المخيّمات وما تحملها من عمل مجهد، حمل أوزان ثقيلة كالأخشاب والمياه عندما لا توجد تمديدات صرف صحّي قد تزيد من احتمالية هبوط الرحم”.
ولكن بالقابل تؤكّد الطبيبة ذاتها أن هناك أسبابًا أخرى لا ترتبط بالحياة داخل المخيّمات، منها زيادة عدد الولادات والولادات المتقاربة، وأكّدت أيضًا عدم وجود أدلّة تربط بين هبوط الرحم والمعيشة في المخيّمات بسبب عدم وجود إحصائية تقارن بين المشكلة للنساء اللواتي يعشن داخل المخيّمات مع النساء اللواتي يعشن خارجها.
عواقب قد تؤدّي للاستئصال
بمجرّد هبوط الرحم، قد يتم حل المشكلة بالتمارين الرياضية وتحسين العادات الحياتية والعناية بالجسم، ولكن هذا الأمر لا ينجح دائمًا، فقد تؤدّي المشكلة في بعض الأحيان إلى التدخّل الجراحي، والاستئصال في أحيانٍ أخرى.
وتقول الطبيبة أمينة نجيب مديرة مستشفى الإخاء في هذا السياق: “عندما يصل هبوط الرحم لدرجة متقدمة فإنه يؤدي لمشاكل صحية كثيرة ومنها، سلس البول والتهابات عنق الرحم المزمنة مما يؤهب للإصابة بسرطان عنق الرحم”.
كما تضيف أنه في المراحل المتقدّمة جدًّا في الهبوط فإن الحل الوحيد يكون باستئصال الرحم، لافتةً إلى أن هذه العملية تكون خطرة وتحدث فيها اختلاطات طبّية ويترك ضررًا نفسيًا على المريضة ويحرمها من نعمة الإنجاب نهائيًا.
عن الوضع الطبّي في مخيّمات أطمة
وفقًا للمعلومات التي جمعتها “صدى الشام” فإن مخيّمات أطمة تتكوّن من قطاعين، الأوّل شمالي والثاني جنوبي، يفصل بينهما نهرًا ملوّثًا من مخلّفات الصرف الصحي.
يتكوّن القطاع الشمالي من ٤٣ مخيّمًا والجنوبي من ٣٤ مخيّم، ليكون إجمالي عدد المخيّمات ٧٧ مخيّمًا داخل تجمّع أطمة.
يوجد في القطاع الشمالي مستوصفين اثنين فقط، يتبعان لمنظمة الإغاثة الطبّية في سوريا، ويقدّمان بعض الأدوية الإسعافية كأدوية الالتهابات ومسكّنات الآلام، إضافةً إلى تقديم علاجات وإسعافات أوّلية.
أما القطاع الجنوبي، فيحتوي على عدّة مستوصفات طبّية مشابهة، يتم الركون إليها للحصول على الإسعافات الأولية وبعض أدوية المسكّنات والالتهابات، إضافةً لوجود مستوصف غير دائم في مخيّمات عطاء.
في محيط مخيّمات أطمة يوجد مخيّمات مجاورة تقترب من الشريط الحدودي، ومنها دائرة الرحمة، التي تشمل مخيّمات “الرحمة، لأجلكم، والكرامة”، ودائرة قاح التي تشمل مخيّمات “قاح، دير حسان وكفر لوسين”، ويقترب إجمالي عدد المدنيين في كل هذه التجمّعات نحو نصف مليون نازح ونازحة.
أما المستشفيات، فيوجد مستشفيين اثنين قريبين من تجمّع مخيّمات أطمة، يقدّمان الخدمات الطبّية للنساء والأطفال، ويوجد داخل مخيّمات أطمة أيضًا عيادة نفسية للمرأة تُدعى “الأيادي الخضراء في أطمة”.
ولاحظت مراسلة “صدى الشام” أن المستشفيات المجاورة للمخيّمات والتي يتم اللجوء إليها للحصول على العلاج الطبّي للحالات غير المتقدّمة، تشهد ازدحامًا كبيرًا، حيث يتم مشاهدة النساء يتوجّهن إلى هناك مع فجر كل يوم، وقد ينتظرن حتّى الثالثة أو الرابعة عصرًا للحصول على فرصة للعلاج، وكذلك الأمر فيما يخص الضغط الكبير على كوادر الطبيبات النسائية، حيث يضطررن للعمل في المعاينة الأوّلية والعمليات الجراحية والتوليد وغيرها في ذات الوقت.
في المقابل، يوجد بمحيط منطقة المخيّمات سلسلة مستشفيات خاصّة في مدينتي أطمة والدانا، غير أن الحالة المادّية لمعظم النازحين داخل المخيّمات تمنعهم من اللجوء للمستشفيات الخاصة، بسبب الأموال الباهظة التي تحتاجها هذه المستشفيات مقابل تقديم الخدمات الطبّية.
التوعية أوّلًا
على أن مشكلة “هبوط الرحم” تحدث إثر ممارسات خاطئة، سواء حمل الأوزان الثقيلة أو وضعيات الجلوس والعمل غير الصحّية أو حتّى الولادات المتكرّرة المتقاربة فإن حل هذه المشكلة يقوم على التوعية أوّلًا ومحاولة تحسين ظروف حياة النساء داخل المخيّمات.
وفي هذا السياق تقول الطبيبة أمينة نجيب: “إن مشكلة هبوط الرحم حسّاسة جدَّا ولا علاج دوائي لها، كما أن الأطباء لا يلجأون في الحالات الخفيفة والمتوسّطة إلى الجراحة، لذلك فإن بعض المريضان اللواتي يعانينَ من المشكلة يعتقدون أن الأمر يتعلّق بقلّة الاهتمام من جانب الطبيات والأطبّاء”، مؤّكدةً عدم دقّة هذا الأمر.
وتحث الطبيبة نجيب، على جانب التوعية من أجل تجنّب هبوط الرحم قبل حدوثه، وذلك من خلال تقديم التوعية للنساء في عدّة جوانب ومنها تجنّب الولادات المنزلية، تجنب حمل الأوزان الثقيلة خاصة أثناء الحمل وخلال فترة النفاس، وتجنب بعض الوضعيات المجهدة لفترات طويلة كوضعية القرفصاء
إضافةً إلى القيام بتمارين تقوية عضلات الحوض خلال فترة النفاس، علاج الأمراض التي تؤثر سلبا كالإمساك المزمن.
نقلا عن صدى الشام