شارك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، قبل سنة في قمة سياسية سرية انعقدت في العقبة، الى جانب وزير الخارجية الامريكي في تلك الفترة، جون كيري، الملك الاردني عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. في القمة التي كشفت صحيفة “هآرتس″ اليوم عن انعقادها، عرض كيري صيغة لمبادرة سلام اقليمية تضمنت الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية واستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين بتأييد الدول العربية.
وقالت الصحيفة في خبرها الرئيسي الذي كتبه براك رابيد إن نتنياهو امتنع عن الاستجابة لهذا الاقتراح وزعم أنه سيجد صعوبة في الحصول على تأييد ائتلافه. ورغم ذلك شكلت القمة الاردنية الأساس الذي حدثت بناء عليه الاتصالات بينه وبين رئيس المعارضة والمعسكر الصهيوني، اسحق هرتسوغ، بعد اسبوعين من اجل اقامة حكومة وحدة وطنية.
التفاصيل حول قمة العقبة وحول الخطة اتضحت في النقاشات التي أجرتها “هآرتس″ مع موظفي رفيع المستوى سابقين في ادارة براك اوباما. الموظفون الذين يطلعون على تفاصيل القمة طلبوا عدم ذكر أسمائهم بسبب الحساسية السياسية لهذا الأمر، وبسبب حقيقة عدم نشر الامر حتى الآن. في مكتب رئيس الحكومة نتنياهو رفضوا التعقيب على ذلك.
وزير الخارجية الامريكي جون كيري هو الذي بادر لهذه القمة. في نيسان 2014 انهارت مبادرة السلام التي كان يقودها، والمفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين دخلت الى جمود عميق وأعلن الرئيس اوباما في حينه عن “مهلة زمنية”، في المحاولات الامريكية لاستئناف العملية السلمية بين الاطراف. خلال العام والنصف التي تلت ذلك تركزت جهود وزير الخارجية على تحقيق الاتفاق النووي مع ايران، الذي تحقق في تموز 2015 وتمت المصادقة عليه في الكونغرس في ايلول من نفس العام.
في تشرين الاول 2015 جدد كيري اهتمامه بالموضوع الاسرائيلي الفلسطيني على خلفية التصعيد حول الحرم وموجة العنف في شرقي القدس والضفة الغربية. وقد نجح كيري في نهاية ذلك الشهر في المصادقة على التفاهمات بين اسرائيل والاردن والفلسطينيين فيما يتعلق بالوضع الراهن في الحرم، وكجزء من تلك التفاهمات بدأت محادثات بين اسرائيل والاردن من اجل وضع الكاميرات في الحرم، وهي الفكرة التي لم تتحقق في نهاية الامر.
بعد ذلك باسبوعين وصل نتنياهو الى واشنطن للالتقاء مع الرئيس اوباما لاول مرة منذ أكثر من سنة، وخلال اللقاء تجادل الزعيمان بشكل غير مسبوق بخصوص الاتفاق النووي مع ايران. في اللقاء مع اوباما في الغرفة البيضوية في 10 تشرين الثاني، زعم نتنياهو أن لديه افكار لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، واوباما الذي لم يكن يؤمن بجدية نوايا رئيس الحكومة، طلب منه مناقشة الامر مع كيري.
في اليوم التالي التقى نتنياهو مع وزير الخارجية الامريكي واقترح القيام بعدد من خطوات حسن النوايا الحقيقية تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية، بما في ذلك اعطاء الموافقة على البناء الفلسطيني الكثيف في مناطق ج، حيث تسيطر هناك اسرائيل سيطرة أمنية ومدنية كاملة. وطلب نتنياهو في المقابل أن تمنح الادارة الامريكية لاسرائيل الموافقة على البناء في الكتل الاستيطانية، لكنه لم يوضح اذا كان قصد بذلك تجميد البناء خارج الكتل الاستيطانية.
في الاسبوعين التاليين عقد رئيس الحكومة جلستين مع الكابنت السياسي الامني حاول خلالهما تجميد التأييد للخطوات التي أراد تنفيذها في الضفة الغربية. ومع ذلك، فان العمليات التي حدثت في حينه، اضافة الى المعارضة القوية لوزراء البيت اليهودي، نفتالي بينيت واييلت شكيد، قللت من تحمس نتنياهو.
عندما وصل كيري الى اسرائيل في 24 تشرين الثاني قال له نتنياهو إن الاقتراحات التي قدمها له قبل اسبوعين غير سارية المفعول. وكيري المصدوم من تراجع نتنياهو التقى في ذلك اليوم ايضا رئيس المعارضة اسحق هرتسوغ وتحدث في موضوع انضمام المعسكر الصهيوني الى الائتلاف. وجواب هرتسوغ لم يحسن معنوياته. “هناك صفر تغيير سياسي من قبل نتنياهو”، قال هرتسوغ، “في ظل هذا الوضع لا توجد أي فرصة أو أي سبب كي ننضم للحكومة”.
كيري غادر المنطقة وهو غاضب ومحبط. وفي خطابه الذي ألقاه في منتدى “سبان” في واشنطن بعد ذلك باسبوع، انتقد نتنياهو بشدة وقال إن سياسة حكومته تؤدي باسرائيل الى واقع الدولة ثنائية القومية. وفي اعقاب فشل كيري عاد الفلسطينيون الى العمل ضد اسرائيل في مؤسسات الامم المتحدة – بما في ذلك مسودة قرار في مجلس الامن تتعلق بالمستوطنات. في المقابل، بدأ الكابنت السياسي الامني في اسرائيل بنقاش امكانية انهيار السلطة الفلسطينية. وفي اوروبا بدأت فرنسا تُعد للقاء بمشاركة عشرات وزراء الخارجية بخصوص الموضوع الاسرائيلي الفلسطيني.
رغم الطريق المسدود لم يكن في نية كيري الاستسلام. في شهري كانون الاول وكانون الثاني بلور مع مستشاريه المقربين وثيقة اشتملت على مباديء استئناف المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية كجزء من مبادرة سلام اقليمية، بالتعاون مع الدول العربية. الصيغة التي بلورها كيري في بداية 2016 كانت تشبه التي قدمها في خطابه في نهاية ذلك العام، ثلاثة اسابيع قبل دخول دونالد ترامب الى البيت الابيض.
صيغة كيري حسب تقرير “هآرتس″ اشتملت على ستة مباديء.
اولا: حدود دولية آمنة ومعترف بها بين اسرائيل والدولة الفلسطينية قابلة للوجود ومتواصلة على أساس حدود 1967 مع تبادل للاراضي متفق عليه.
ثانيا: تحقيق مبدأ قرار الامم المتحدة 181 (قرار التقسيم)، دولتان لشعبين، الاولى يهودية والثانية عربية، تعترفان ببعضهما البعض وتمنحان المساواة الكاملة في الحقوق للمواطنين.
ثالثا: حل عادل متفق عليه وواقعي لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتناسب مع حل الدولتين لشعبين ولا يؤثر على طابع اسرائيل الاساسي.
رابعا: حل متفق عليه بخصوص القدس كعاصمة للدولتين مع اعتراف المجتمع الدولي وضمان حرية الحركة والوصول الى الاماكن المقدسة حسب الوضع القائم.
خامسا: اعطاء اجابة للاحتياجات الامنية الاسرائيلية وضمان قدرة اسرائيل في الدفاع عن نفسها بشكل ناجع، وضمان قدرة فلسطين على منح الأمن لمواطنيها في دولة سيادية منزوعة السلاح.
سادسا: انهاء الصراع وانتهاء المطالب من اجل تطبيع العلاقات في الأمن الاقليمي حسب مبادرة السلام العربية.
في 21 كانون الثاني التقى كيري مع نتنياهو في سويسرا. وفي هذا اللقاء الذي تم بأربع عيون اقترح كيري على نتنياهو بشكل عام وثيقة المباديء التي بلورها والمبادرة الاقليمية، واقترح عليه عقد لقاء قمة أول من نوعه مع الملك الاردني والرئيس المصري لنقاش كيفية التقدم في هذه الصيغة.
في 31 كانون الثاني تحدث كيري مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس هاتفيا ووضعه في صورة محادثاته مع نتنياهو في دافوس. بعد أن منح نتنياهو موافقته على اللقاء، وبدأ كيري ومساعدوه في الاعداد للقاءِ. ومن كان من وراء الخطوة هو مستشار كيري المقرب منه فرانك لفنشتاين الذي كان مبعوثا خاصا لعملية السلام. وبعد المحادثات السرية التي أجراها مع اسرائيل والاردن ومصر تحدد موعد القمة في 21 شباط في العقبة في الاردن. الاتفاق الذي تم التوصل اليه هو أن تبقى هذه القمة سرية وأن لا يقوم أي طرف بنشر تفاصيلها.
الرئيس عباس لم يشارك في هذه القمة، لكنه كان يعرف بوجودها. في صباح 21 شباط التقى مع كيري في عمان، وفي التصريحات التي نشرها الطرفان في نهاية لقائهما لم يكن حتى لو رمز واحد لما سيحدث بعد بضع ساعات. وأنهى كيري لقاءه مع عباس، وصعد مع بعض مستشاريه ومع وزير الخارجية الاردني ناصر جودة في طائرة صغيرة لسلاح الجو الاردني وهبطا في العقبة بعد 45 دقيقة.
قبل اللقاء الرباعي التقى كيري بشكل منفصل مع كل واحد من الزعماء. واشار موظف امريكي سابق رفيع المستوى الى أن كيري طلب من الملك عبد الله ومن الرئيس السيسي تأييد صيغته واقناع دول عربية اخرى مثل السعودية والامارات بتأييدها. وزير الخارجية الامريكي أراد مشاركة هذه الدول في خطوة سياسية اقليمية كان جزء منها استئناف المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين.
طلب كيري من الملك عبد الله الضغط على عباس لاستئناف المفاوضات على أساس الصيغة الامريكية، وكذلك الامر بالنسبة للسيسي مع نتنياهو. المصدر الامريكي الرفيع أشار الى أن الملك الاردني والرئيس المصري وافقا على تأييدهما للصيغة، رغم أنها تشمل الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية. ومع ذلك اضاف أن السيسي الذي لا يريد التصادم مع نتنياهو أكد أمام كيري على أن الاقناع أفضل من الضغط والفرض.
موظفون امريكيون سابقون رفيعو المستوى أشاروا الى أنه في اللقاء بين كيري ونتنياهو كجزء من القمة، تملص رئيس الحكومة من اعطاء اجابة واضحة على اقتراح الصيغة. وحسب قولهم قدم نتنياهو عددا من التحفظات وزعم أن المباديء مفصلة زيادة عن اللزوم، وأنه سيجد صعوبة في الحصول على تأييد ائتلافه.
اللقاء الرباعي كان دراماتيكيا. رغم أن الامر الاساسي كان مبادرة السلام الاقليمية، إلا أن جزء أساسيا من اللقاء تم تخصيصه لنقاش الوضع الاقليمي العام. الملك عبد الله والرئيس السيسي انتقدا سياسة ادارة اوباما في الشرق الاوسط، سواء في الموضوع الايراني أو السوري. وعلى الرغم من ذلك، تعاطيا بشكل ايجابي مع اقتراح كيري وحاولا اقناع نتنياهو بالموافقة عليه.
أشار الموظفون الامريكيون الى أن نتنياهو كان مترددا. وحسب قولهم، بدل التطرق الى خطة كيري فقط، فقد قدم نتنياهو اقتراحا خاصا به بعنوان “خطة النقاط الخمسة”. وكجزء من الخطة عبر نتنياهو عن استعداده للقيام بخطوات تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، كان قد تحدث عنها مع كيري في تشرين الثاني 2015، وقال إنه سينشر اعلانا يتعاطى بايجابية مع المبادرة العربية للسلام. في المقابل، طلب نتنياهو استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين وعقد قمة اقليمية للسلام يصل اليها مسؤولون من السعودية والامارات ودول سنية اخرى.
بعد بضع ساعات من المحادثات، غادر الزعماء بعد الاتفاق على الاستمرار في فحص الاقتراحات المختلفة. إلا أن قمة العقبة السرية كان لها تأثير فوري على سياسة اسرائيل الداخلية. وعمليا، شكلت الاساس الذي بدأت عليه الاتصالات بين رئيس الحكومة وبين رئيس المعسكر الصهيوني لتشكيل حكومة وحدة وطنية.
نتنياهو تحدث مع رئيس المعارضة عن قمة العقبة، وهرتسوغ حاول التأكد من ذلك فقام بالتحدث مع كيري ومع الملك الاردني ومع الرئيس المصري وسمع منهم التفاصيل. زعيما مصر والاردن كانا متشككين بخصوص قدرة نتنياهو على القيام بخطوة سياسية حقيقية من خلال الائتلاف الذي شكله. ورأى الاثنان أن انضمام هرتسوغ أم يئير لبيد الى الحكومة هو مثابة “رسوم الجدية” من قبل نتنياهو – التي ستبرر الضغط على الفلسطينيين أو جهود تجنيد السعودية ودول عربية اخرى من اجل عقد قمة اقليمية.
رفض هرتسوغ أمس المصادقة على وجود محادثات هاتفية أو اعطاء أي تفاصيل. ورغم ذلك، المعلومات التي حصل عليها في آذار 2016 حول القمة السرية في العقبة، صيغة كيري وموقف الملك عبد الله وموقف السيسي، هي التي أقنعته باجراء مفاوضات مع نتنياهو والقول بشكل علني في 15 أيار/مايو إن هناك فرصة سياسية اقليمية نادرة قد تذهب ولن تعود.
بعد بضعة ايام فقط من ذلك فشلت مفاوضات انضمام هرتسوغ للحكومة. وقرر نتنياهو التراجع عن فكرة التحالف مع هرتسوغ، وفضل ضم اسرائيل بيتنا الى الحكومة وتعيين افيغدور ليبرمان وزيرا للدفاع. في 31 أيار، بعد أداء يمين القسم لليبرمان في الكنيست، وقف هو ونتنياهو أمام الكاميرات وأعلنا عن تأييد حل الدولتين، وأضافا أن مبادرة السلام العربية تشمل “عناصر ايجابية” قد تساعد على اصلاح المفاوضات مع الفلسطينيين.
في الاشهر التسعة التي مرت منذ ذلك الحين لم يحدث أي تقدم في الاتصالات السياسية. وفي يوم الاربعاء الماضي في المؤتمر الصحافي الذي أجراه الرئيس دونالد ترامب في البيت الابيض، عاد نتنياهو وطلب السير في مبادرة سلام اقليمية. “لاول مرة في حياتي، ولاول مرة منذ قيام دولة اسرائيل، فان دولا عربية في المنطقة لا تعتبر اسرائيل عدوة بل حليفة”، هذا ما قاله نتنياهو لترامب. “أنا اؤمن أنه في ظل رئاستك فان التغيير الذي حدث في منطقتنا سيجلب فرصة لا تعوض لتعزيز الامن وتحقيق السلام. تعال لنعمل على تحقيق هذه الفرصة معا”.
القدس العربي