أعلن زعيم حزب الله، حسن نصر الله، عن نواياه لتعزيز مواقع الحزب داخل سوريا، ولا سيما في حلب. وذكرت صحيفة المنار في مقال بعنوان “نصر الله: حزب الله سيعزز القوات في حلب لتحقيق انتصار كبير“، ما يلي:
“أكّد زعيم حزب الله، حسن نصر الله، يوم الجمعة أنَّ الحزب سيرسل المزيد من القوات إلى مدينة حلب السورية من أجل هزيمة المشروع التكفيري الإرهابي المدعوم من السعودية والولايات المتحدة.”
وأضاف نصر الله أنَّ الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة يستعدون لإغراق سوريا بالآلاف من الوكلاء الإرهابيين الإضافيين في محاولة للسيطرة على حلب. وأشار أيضًا إلى كيفية استغلال ما يسمى باتفاق “وقف إطلاق النار” من قِبل مختلف الجماعات الإرهابية التي تدعمها الولايات المتحدة والسعودية للتراجع والاستعداد للمرحلة المقبلة من القتال.
نصر الله حذّر العالم في عام 2007 من كارثة قادمة في سوريا
في عام 2007، أجرى نصر الله مقابلة مع الصحفي الشهير سيمور هيرش، الحائز على جائزة بوليتزر، في مقاله بعنوان “إعادة التوجيه: هل سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة تصب في مصلحة أعدائنا في الحرب على الإرهاب؟”
في هذه المقابلة، ذكر نصر الله ما يلي أثناء مناقشة الحرب الأهلية الدائرة في العراق، قبل سنوات من بدء الأزمة السورية الحالية:
“قال نصر الله إنّه يعتقد أنَّ أمريكا تريد تقسيم لبنان وسوريا. في سوريا، كما قال: ستكون النتيجة دفع البلاد “إلى الفوضى والمعاك الداخلية كما هو الحال في العراق.” وفي لبنان، “ستكون هناك دولة سُنية، ودولة علوية، ودولة مسيحية ودولة درزية”. وأضاف: “لكني لا أعرف ما إذا كان سيكون هناك دولة شيعية أم لا.”
وأعرب نصر الله عن اعتقاده أنَّ هناك محاولات ستُبذل لدفع الشيعة من لبنان وسوريا إلى جنوب العراق، وهو ما قد يفسر السبب في أنَّ تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) وجد نفسه يعمل بشكل مريح في كل من سوريا والعراق، ليصبح بمثابة أداة للتأثير ليس فقط على سوريا، بل على المنطقة بأسرها من الناحية الجيوسياسية.
كما كشف مقال هيرش في عام 2007 عن جانب هامّ آخر للسياسة الخارجية الأمريكية كان جليًا في ذلك الوقت وحمل توقعات ما يحدث الآن. وذكر المقال أنّه:
من أجل تقويض إيران، ذات الأغلبية الشيعية، قررت إدارة بوش إعادة ترتيب أولوياتها في الشرق الأوسط. في لبنان، تعاونت الإدارة مع الحكومة السعودية السُنية في عمليات سريّة تهدف إلى إضعاف حزب الله، المنظمة الشيعية التي تدعمها إيران. كما شاركت الولايات المتحدة في عمليات استهدفت إيران وحليفتها سوريا. وكانت نتيجة هذه النشاطات هي دعم الجماعات السُنية المتطرفة التي تتبنى رؤية متطرفة للإسلام، معادية لأمريكا ومتعاطفة مع تنظيم القاعدة.
كشفت أبحاث ومقابلات هيرش أنّه حتى في وقت مبكر من عام 2007، كانت الولايات المتحدة تعمل مع حلفائها في المنطقة، مثل المملكة العربية السعودية، لدعم الجماعات الإرهابية المسلّحة والشبكات السياسية، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين، من أجل تقسيم وتدمير المنطقة، بما في ذلك سوريا، وكذلك لبنان.
معركة سوريا هي معركة لبنان، وهي نفسها معركة حزب الله
أصرّت بعض الصحف مثل “ديلي بيست” أنَّ معركة حزب الله في سوريا منفصلة عن الغرض المزعوم للمنظمة وهو “محاربة إسرائيل”. وفي مقالة بعنوان “مقاتلو حزب الله ضاقوا ذرعا من القتال في سوريا “، وبأسلوب صحفي غربي تقليدي، ذكرت صحيفة ديلي بيست بعض القصص المجهولة لدعم فرضية لا أساس لها من الصحة لتعزيز هذه السردية المعيبة.
إنَّ هدف وجود حزب الله ليس “محاربة إسرائيل”، بل حماية لبنان والشيعة من كل التهديدات. مقالة هيرش في عام 2007 تكشف عن أّنه بالإضافة إلى حماية الشيعة، اعترف العميل السابق بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية روبرت باير أنَّ حزب الله لعب دورًا أساسيًا في حماية الأقليات الأخرى في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك المسيحيين، عندما بدأت حرب الوكالة التي قادها تنظيم القاعدة وواشنطن.
ونظرًا لأنَّ هدف حزب الله الفعلي هو الدفاع عن لبنان، فليس من الصعب أن نرى لماذا تدخل الحزب بكثافة في الحرب المستعرة في سوريا المجاورة.
عداء حزب الله للنظام الإسرائيلي الحالي هو تهديد واحد فقط من بين العديد من التهديدات التي تلوح في الأفق بشأن مستقبل لبنان. لكنَّ توسُّع الجماعات المتطرفة مثل جبهة النصرة وتنظيم القاعدة، وتنظيم الدولة الإسلامية، التي تموّلهم الولايات المتحدة والسعودية وتركيا وقطر، والأردن، وتزودهم بالأسلحة، والدعم السياسي، هو شيء آخر. إنّه يشكّل تهديدًا وجوديًا ليس فقط على سوريا، ولكن على جيرانها ومن بينهم لبنان.
في الواقع، كانت لبنان واحدة من العديد من القنوات التي من خلالها انتقل مقاتلو حرب الوكالة التي تقودها الولايات المتحدة جنبًا إلى جنب مع كميات كبيرة من الدعم المادي. وقد أدى ذلك إلى وقوع اشتباكات داخل لبنان نفسها بين الجماعات المتطرفة وحزب الله والجيش اللبناني الذين حاولوا اعتراض تدفق المقاتلين والعتاد.
لكنَّ التأثير الحالي للحرب السورية على لبنان هو تهديد واحد فقط للدولة والمدافعين عنها. التهديد الآخر هو احتمال انهيار الحكومة وتدعيم الجماعات الإرهابية في سوريا المدعومة من الغرب وحلفائها الإقليميين ومن ثمّ الانتشار في جميع أنحاء المنطقة.
ليبيا هي تحذير لدول الجوار السوري: “الدول عليكم”
كما رأينا في ليبيا، الانهيار الذي تسبب فيه الغرب لتغيير النظام الحكومي ما هو إلَّا خطوة أولى من طموحات الغرب على نطاق أوسع. لقد تمّ استخدام ليبيا كنقطة انطلاق لإرسال مقاتلين وأسلحة إلى دول أخرى مستهدفة من قِبل واشنطن من أجل “تغيير النظام”. وشمل ذلك سوريا نفسها.
ربما يتذكّر المراقبون للصراع السوري أنّه في أواخر عام 2011 وبداية عام 2012، ساهمت ليبيا بعدد كبير من المقاتلين والأسلحة في الصراع السوري، الذين دخلوا البلاد عن طريق تركيا بمساعدة من حكومة الولايات المتحدة، وتزعموا غزو حلب، أكبر مدينة سورية.
وفي نوفمبر عام 2011، ذكرت صحيفة تلغراف في مقال بعنوان “قيادات ليبية إسلامية تلتقي قيادات الجيش السوري الحر“:
“عبد الحكيم بلحاج، رئيس المجلس العسكري في طرابلس والزعيم السابق للجماعة الإسلامية الليبية، “التقى قادة الجيش السوري الحر في اسطنبول وعلى الحدود مع تركيا”، وذلك وفق ما ذكره مسؤول عسكري يعمل مع بلحاج. “أرسله مصطفى عبد الجليل (الرئيس الليبي المؤقت) هناك.”
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ بلحاج، الزعيم الإرهابي المدعوم من الولايات المتحدة، يلعب الآن دورًا محوريًا في وجود داعش “في ليبيا.
وجاء في مقال آخر بصحيفة تلغراف تحت عنوان “حكّام ليبيا الجدد يقدمون أسلحة إلى الثوار السوريين”:
عقد الثوار السوريون محادثات سريّة مع السلطات الليبية الجديدة يوم الجمعة، تهدف إلى تأمين الأسلحة والأموال للتمرد ضد نظام الرئيس بشار الأسد، كما علمت صحيفة الديلي تلغراف.
وخلال اللقاء، الذي عُقد في اسطنبول وشمل حضور المسؤولين الأتراك، طلب السوريون “المساعدة” من الممثلين الليبيين، وبالفعل تمّ عرض الأسلحة عليهم، وربما المتطوعين أيضًا.
“وقال مصدر ليبي، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: “ثمة شيء يجري التخطيط له لإرسال الأسلحة والمقاتلين الليبيين إلى سوريا. وهناك تدخل عسكري قادم. في غضون أسابيع قليلة سترون ذلك “.
، وبعد شهر، دخل نحو 600 من الإرهابيين الليبيين سوريا للبدء في عمليات القتال، وكشف مراسل موقع “سي إن إن” إيفان واتسون، الذي رافق الإرهابيين عبر الحدود التركية السورية وفي مدينة حلب أنَّ المقاتلين الأجانب كانوا بين المسلحين، وخاصة الليبيين. واعترف بأنَّ:
وفي غضون ذلك، قال سكان القرية التي كانت المقر الرئيسي لجماعة الصقور السورية أنَّ هناك مقاتلين من عدة جنسيات من شمال أفريقيا خدموا أيضًا بين صفوف الجماعة.
وقال مقاتل ليبي متطوع لموقع سي إن إن إنّه يعتزم السفر إلى سوريا عبر تركيا خلال أيام لزيادة عدد المقاتلين الليبيين داخل الحركة المسلّحة.
وأضاف موقع سي إن إن أيضًا:
يوم الأربعاء، التقى طاقم سي إن إن بمقاتل ليبي قد عبر الحدود إلى سوريا من تركيا مع أربعة ليبيين آخرين. ارتدى المقاتل زيًا مموهًا وكان يحمل بندقية كلاشينكوف. وقال إنَّ المزيد من المقاتلين الليبيين في طريقهم إلى سوريا.
ينجذب بعض المقاتلين الأجانب إلى الحرب لأنهم يرون أنها بمثابة الجهاد. لذلك فإنها نقطة جذب للجهاديين الذين يرون أنها قتال من أجل المسلمين السُنة.
مع أخذ كل هذا في الاعتبار، يمكن للمرء أن يتصوّر كيف ستكون قدرة هذه الجماعات الإرهابية في سوريا كمركز آخر للتدريب، والتحضير وتهريب الأسلحة والمقاتلين، في ظلّ نقل الغرب لحربهم بالوكالة إلى لبنان وإيران وحتى إلى جنوب روسيا وغرب الصين.
لبنان، من دون الحكومة السورية والجيش، ومع إيران تخوض حربًا بالوكالة من شأنها أن تنتقل إلى أراضيها في حال سقوط سوريا، ليس لديه أي فرصة ضد وكلاء تدعمهم رعاية متعددة الجنسيات للإرهاب بقيادة الولايات المتحدة.
معركة سوريا هي معركة لبنان، بل إنها معركة إيران، ومعركة روسيا والصين كذلك. هذه الدول لا تدعم ولا تدافع عن الحكومة السورية بسبب أنها دولة حليفة. إنها تفعل ذلك لإدراكها إلى أين سيقودنا هذا الصراع في حال لم ينتهِ في سوريا الآن.
هذا هو السبب في أنَّ سوريا وروسيا وإيران، ولبنان – وإلى حد أقل، الصين – لا تستطيع أن تتخلى عن سوريا. وهذا هو السبب أيضًا في أنَّ “الضمانات” من الولايات المتحدة بأنّه في حال “تغيير النظام” في سوريا، سينتهي الصراع، لا يمكن أخذها على محمل الجد.
“تغيير النظام” لم ينهِ النزاع في ليبيا، ولم يوقف دور ليبيا في دعم الصراعات الأوسع خارج حدودها. ولن ينتهي الصراع في سوريا كذلك، بل سيؤدي إلى صراع جديد أكبر من ذلك بكثير.
إنَّ حزب الله لا يقاتل من أجل “الأسد” في سوريا، بل يقاتل من أجل مستقبل لبنان.
نيو إيسترن أوت لوك – إيوان24