تصور الأزمة العالمية لأناس أجبروا على التشرد جراء صراعات أو اضطهاد بوسائل شتى، عبر ذكر أعداد لا حصر لها، وملايين هجروا بيوتهم، وعبر صور لأشخاص يائسين احتشدوا فوق أسطح قوارب متداعية، أو داخل خيم لا تعد ولا تحصى وسط صحراء قاحلة، أو حقول طينية.
86 % من اللاجئين يعيشون في دول نامية تستطيع بالكاد دعمهم وفي أمريكا تم قبول أقل من 1000 لاجئ سوري من بين أربعة ملايين هربوا من سوريا منذ 2011 وتشير الإحصائيات لوجود قرابة 50 مليون مهجر سواء داخل أوطانهم، أو أنهم هربوا إلى أراض أجنبية، وبعضهم كالفلسطينين، عاش منهم أجيال كلاجئين، وآخرون كالأوكرانيين والسوريين هربوا من حروب أهلية ألمت ببلدانهم، فيما خرج مسلمو الروهينغا من مينامار خوفاً من اضطهاد ممنهج.
الماء أكثر أماناً
وتقول صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في افتتاحيتها الأخيرة، بأنه “ما إن يبتعد هؤلاء عن أوطانهم، حتى يتحولوا إلى (مشكلة) بالنسبة لدوائر المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، ووكالة الغوث الدولية أو للدول التي لجأوا إليها، بوصفهم مرفوضين وعبء مكروه. ولكن في عدد من المؤتمرات والمناقشات الديبلوماسية بشأن اللاجئين نادراً ما يسمع صوت هؤلاء اللاجئين. وإن تحقق ذلك، يخرج صوت يائس كما عبرت عنه الشاعرة البريطانيةـ الصومالية وارسان شير: “عليكم أن تدركوا بأنه ما من أحد يضع أولاده في قارب، ما لم ير أن الماء أكثر أماناً لهم من اليابسة”.
وفي اليوم العالمي للاجئين، في 20 يونيو (حزيران)، يتوقع من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين أن تصدر تقريراً آخر، ومن المؤكد أنها سوف تشير فيه إلى الزيادة الكبيرة في عدد اللاجئين وأن غالبيتم 86٪ يعيشون في دول نامية تستطيع بالكاد دعمهم. وللأسف، لا يتم التطرق للمشكلة إلا عندما تخرج مأساتهم إلى العلن، كما يتم تصوير الأفارقة الذين يحاولون عبور البحر الأبيض المتوسط نحو أوروبا، أو السوريين الذين يسعون لعبور البحر خارج تركيا، التي اكتظت بهم، نحو اليونان أو بلغاريا، وعندها ينتاب الخوف الدول الغنية، وتبدأ بالبحث عن حلول.
عواقب
ويبدو أن المباحثات الجارية في أوروبا بشأن توزيع اللاجئين عبر القارة، أو عن وجوب ملاحقة المهربين، تظهر على الأقل، الاعتراف بالمشكلة وعواقبها على جميع الدول المعنية. ولكن تدفق اللاجئين يغذي أيضاً دعوات الأحزاب المتطرفة التي تحذر عادة من الأجانب وتحض على طردهم، مما يدفع الساسة للامتناع عن فتح أبواب بلادهم على مصراعيها. وعلى سبيل المثال، في أستراليا، أغلق رئيس الوزراء، توني أبوت، الأبواب أمام ركاب القوارب، طارداً إياهم نحو كمبوديا أو بابوا نيو جينواـ بحجة أن السماح للاجئين بالدخول إلى أستراليا، سوف يشجع آخرين على خوض مخاطر الرحلة مع المهربين.
وفي الولايات المتحدة، البلد الذي يتفاخر بتقليده في قبول أعداد كبيرة من “الطامحين لتنفس هواء الحرية”، تم قبول أقل من 1000 لاجئ سوري، من بين أربعة ملايين هربوا من سوريا منذ 2011. وباءت جهود وزارة الخارجية الأمريكية برفع هذا العدد بالفشل، جراء رفض المشرعين على أساس أن ذلك سيؤدي لتسلل جهاديين إلى الأراضي الأمريكية. وقد عبر عن ذلك الموقف، النائب مايكيل مايكول، رئيس لجنة الأمن الداخلي في مجلس النواب الأمريكي.
تمويل
وتدعو نيويورك تايمز في افتتاحيتها الولايات المتحدة وغيرها من الدول المتقدمة، لوجوب توفير مكان أرحب لاستقبال لاجئين، ووجوب توزيعهم على الدول بشكل عادل، فضلاً عن تقديم الدعم المالي اللازم للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، وغيرها من الوكالات التي تتعامل مع هذه الأزمة.
وبرأي الصحفية، لن تكون تلك الجهود كافية لوحدها لحل المشكلة. ولن ينفع أيضاً بناء أسيجة أعلى، بحيث لطالما بقى هنا صراع واضطهاد، سوف يواصل الناس المخاطرة بفقدان كل شيء من أجل الوصول إلى شواطئ أكثر أماناً. وكما قالت الشاعرة البريطانيةـ الصومالية شاير: “لا أحد يهجر وطنه، ما لم يتحول ذلك الوطن إلى فك مفترس”.
وتختم نيويورك تايمز رأيها بأنه “لا يفترض بأن يدفع مزيد من حالات الغرق في خليج البنغال أو في المتوسط لكي تتحرك الحكومات. ومن الممكن للدول الأغنى أن تتوقع استمرار موجات المهاجرين،وأن تتخذ السبل الكفيلة بإنهاء الاضطرابات في دولهم، أو إن كان ذلك ضرورياً، لأن تساعدهم على الاستقرار في أراضيهم الجديدة، كما فعل عدد من آبائنا وأجدادنا”.
24- إعداد: ميسون جحا