قالت صحيفة “نيويورك تايمز” إن مسؤولين في إدارة دونالد ترامب يدفعون العلاقات الأمريكية- الصينية إلى نقطة اللاعودة، مضيفة أن مساعدي الرئيس يريدون ترك أثر دائم عن علاقات متوترة بين القوتين.
وجاء في تقرير أعده كل من إدوارد وونغ وستيفن لي مايرز: “خطوة بعد خطوة، ضربة بعد ضربة، تقوم الولايات المتحدة والصين بتفكيك عقود من التعاون السياسي والاجتماعي والاقتصادي بشكل يفتح المجال أمام عصر من المواجهة تقوم على مواقف وأصوات الصقور في الطرفين”. فمع تراجع شعبية ترامب في استطلاعات الرأي واقتراب موعد الانتخابات كثف مسؤولو الأمن القومي في إدارته هجومهم على الصين خلال الأسابيع القليلة الماضية، حيث استهدفوا المسؤولين والدبلوماسيين ومدراء الشركات.
وفي الوقت الذي أكدت فيه الهجمات على رسالة حملة ترامب الرئاسية إلا أن مسؤولين يخشون من خسارته يقومون بهندسة تغييرات لا رجعة فيها للعلاقات الأمريكية- الصينية، وذلك حسب أشخاص على معرفة بتفكير الإدارة.
وتقول الصحيفة إن الرئيس الصيني شي جينبنغ غذى النزاع من خلال تجاهله للقلق الدولي وتعزيز سلطته الديكتاتورية وقمع الحرية في إقليم تشنجيانغ وهونغ كونغ. وتعلق الصحيفة أن الجهود في مجملها قد تكون أكبر أثر يتركه دونالد ترامب في السياسة الخارجية، حتى لو لم تكن السياسة التي تمت متابعتها باستمرار، أي ترسيخ المواجهة الأيديولوجية والإستراتيجية بين أكبر اقتصادين في العالم.
ويهدف التيار المتشدد في إدارة ترامب إلى بناء حالة مستمرة من التنافس الشديد والواسع، لأن المواجهة والإكراه والعدوانية والتحرش هو ما يجب أن تكون عليه العلاقة مع الحزب الشيوعي الصيني أيا كان الفائز في انتخابات الرئاسة نهاية العام الحالي.
ويطلقون على السياسة اسم “التبادلية”. وأكد وزير الخارجية مايك بومبيو في خطاب له يوم الخميس أن العلاقة مع الصين يجب أن تقوم على “عدم الثقة ثم التحقق”، مشيرا إلى أن العلاقات التي هندسها ريتشارد نيكسون مع الصين قبل نصف قرن تقريبا أدت لإضعاف المصالح الأمريكية. وقال: “علينا الاعتراف بالحقيقة الصعبة التي يجب أن ترشدنا في الأعوام والعقود المقبلة: وهي أننا لو أردنا أن يكون القرن الحادي والعشرون حرا، وليس القرن الصيني الذي يحلم به شي جينبنغ، فالمعيار القائم على التعاون الأعمى مع الصين لن يحقق هذا” و”يجب علينا عدم مواصلته ولا العودة إليه”.
وأدخلت أحداث الأسبوع الماضي العلاقات إلى نقطة متدنية جديدة. ففي يوم الثلاثاء أغلقت وزارة الخارجية القنصلية الصينية في هيوستون مما دفع المسؤولين هناك لحرق الوثائق. وفي يوم الجمعة أعلنت الصين في رد انتقامي عن إغلاق القنصلية الأمريكية في مدينة شنيغدو. وشجبت وزارة الخارجية الصينية ما سمته مداهمة قوات حفظ النظام الأمريكية القنصلية في هيوستن. وما بين الحدثين، قامت وزارة العدل والخارجية بتوجيه اتهامات ضد أربعة أعضاء من جيش التحرير الشعبي لأنهم كذبوا حول وضعيتهم لكي يستمروا في العمل من داخل الولايات المتحدة. وتم اعتقال الأربعة.
وكانت تانغ جوان، التي تدرس بجامعة كاليفورنيا، واحدة منهم وأدت لأزمة دبلوماسية عندما حاولت اللجوء إلى القنصلية الصينية بسان فرنسيسكو، لكن تم اعتقالها يوم الخميس. ويأتي هذا بعد شهر من إعلان الإدارة عن عقوبات على مسؤولين صينيين بمن فيه عضو في الحزب الحاكم لعلاقتهم بمعسكرات الاعتقال للمسلمين الإيغور وكذا إلغاء وضعية هونغ كونغ التجارية وإعلان أن مزاعم الصين في بحر الصين الجنوبي غير قانونية. وفرضت الإدارة قيودا على سفر الطلاب الصينيين الذين يدرسون بالجامعات ومن لهم علاقة بالمؤسسات العسكرية الصينية.
ويناقش المسؤولون عمل الأمر مع أعضاء الحزب الشيوعي الصيني وعائلاتهم في تحرك قد يشمل 270 مليون شخص. وقال ريان هاس، الذي كان مسؤولا عن ملف الصين في مجلس الأمن القومي لإدارة باراك أوباما: “تحت الرئيس، هناك مايك بومبيو وأعضاء في الإدارة لديهم على ما يبدو أهداف أوسع”. و”يريدون إعادة تشكيل العلاقات الأمريكية- الصينية وتحويلها إلى علاقة تنافسية لا يمكن الرجعة عنها حتى بنتائج الانتخابات الأمريكية”. و”يعتقدون أن هذا التكييف مطلوب لوضع أمريكا في مجال تنافسي مع منافستها الجيوإستراتيجية في القرن الحادي والعشرين”.
ومنذ البداية تعهد ترامب بتغيير العلاقات مع الصين خاصة فيما يتعلق بالتجارة. ففي بداية العام كانت هناك هدنة في المفاوضات في الحرب التجارية بين البلدين، إلا أن الاتفاق لا يزال معلقا بالهواء بسبب التطورات الأخيرة. وبعيدا عن الصين فلم يحقق ترامب الكثير من أهداف سياسته الخارجية، فتقاربه مع كوريا الشمالية لم يؤد لإقناع الرئيس كيم جونغ- أون التخلي عن مشاريعه النووية. كما ونفر خروجه من الاتفاقية النووية حلفاء الولايات المتحدة فيما فشلت محاولاته لتغيير الحكومة في فنزويلا. ولم يحدث أي شيء على صعيد سحب القوات الأمريكية من أفغانستان.
وفي موضوع الصين، قال بعض المسؤولين والمحللين إن تحركات ترامب ضد الصين ليست إلا سياسات متعلقة بحملته الانتخابية واتهموا بومبيو وغيره بدفع سياسات مرتبطة بعقلية الحرب الباردة ومن أجل تحقيق نقاط تدفع باتجاه إعادة انتخاب ترامب. وتعلق الصحيفة أن مدى حملة الإدارة الأمريكية أثبتت صحة اعتقاد المسؤولين الصينيين بمن فيهم شي أن الولايات المتحدة لن تقبل بالقوة العسكرية والاقتصادية النامية لبلدهم ولا بالنظام الديكتاتوري.
ويقول شينغ تشياوهي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة رينمين في بيجين: “ليست فقط الاعتبارات الانتخابية” و”لكنه تصعيد طبيعي ونتيجة للتناقضات الأصيلة بين الصين والولايات المتحدة”. ونظرا لما خلفه فيروس كورونا من آثار على اقتصاد الصين فقد حاول المسؤولون الصينيون تجنب المواجهة مع الولايات المتحدة وحثوا إدارة ترامب على التعاون وإعادة النظر في تحركاتهم وتجنب المواجهة دونما تقديم أية تنازلات من طرفهم.
وتقول جيسيكا تشين ويس، الباحثة السياسية في جامعة كورنيل: “مع تصاعد المشاعر المعادية للصين لمستويات لم تشهد منذ عقود، عبر المسؤولون الصينيون عن اهتمامهم بالبحث عن طرق لتخفيف دوامة الموت الحالية”.
وأضافت أن الصين لا تحضر نفسها لمواجهة شاملة مع الولايات المتحدة لكنها سترد بشكل محدود لكي تظهر للعالم وجوزيف بايدن ألا أحد يمكنه استفزازها ورميها على الأرض. ونظرا لحجم اقتصاد البلدين وتقاطع العلاقات التجارية فسيحاول رجال الأعمال والشركات الذين لديهم مصالح في الصين باتجاه تخفيف الوضع كما فعل أعضاء إدارة ترامب مع وول ستريت.
وحققت الصين تقدما في العلوم والتكنولوجيا والتعليم التي يريد الأمريكيون أن يشتركوا معها. وحتى بومبيو اعترف بهذا في خطابه يوم الخميس عندما قال إن الصين مندمجة في الاقتصاد العالمي. ودعا وزير الخارجية الصيني يانغ يي الولايات المتحدة تخفيف حدة المواجهة مع أن المسؤولين الصينيين استسلموا لوضع لن تتحسن فيه العلاقات بين البلدين قبل العام المقبل. وقال وو كيانغ: “لا شيء يمكن للصين فعله لكي تقوم بمبادرة.. ليس لديها خيارات فعالة”.
واتسم خطاب ترامب بالود عن الصين. وقال عن شي إنه “صديق جيد جدا” بل وشجعه بمكالمة على مواصلة بناء معسكرات الاعتقال للمسلمين في تشنجيانغ، كما كشف مستشاره للأمن القومي السابق جون بولتون. مع قرب الانتخابات عاد ترامب إلى الصين وغير نبرته حيث حمل الصين المسؤولية عن وباء كورونا واستخدم عبارات عنصرية مثل “إنفلونزا كونغ”. وربما لن تتحسن العلاقات مع الصين حتى بانتخاب بايدن لأن فكرة إعادة ترتيب العلاقة مع الصين نحو التنافس تجد دعما من الحزبين. فسوء معالجة الصين لفيروس كورونا وأفعالها في هونغ كونغ أدت لتغير في مواقف السياسيين الأمريكيين.
واستخدم الصقور المعادون للصين هذه التطورات ودفعوا باتجاه أجندتهم التي تصور الصين بأنها تحاول توسيع أيديولوجيتها ورؤيتها الديكتاتورية على مستوى العالم. ومنذ حزيران/ يونيو قدمت الإدارة أربعة مسؤولين للدفع باتجاه الأجندة، النائب العام ويليام بار الذي اتهم الشركات الأمريكية بممارسة “مراضاة تعاونية” مع الصين، فيما قال مدير مكتب التحقيقات الفدرالي كريستوفر ري إن المكتب فتح تحقيقا لمكافحة الاستخبارات له علاقة بالصين.
وحذر مستشار الأمن القومي روبرت أوبراين من محاولات الصين تشكيل العالم على صورتها، ثم جاء بومبيو الذي اختار المكتبة الرئاسية باسم الرجل الذي فتح العلاقات مع الصين، نيكسون. وقال: “قال الرئيس نيكسون مرة إنه خاف من أنه خلق فرانكشتاين عندما فتح العلاقة مع الحزب الشيوعي الصيني” و”هذا ما حدث”.
نقلا عن القدس العربي