نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا للصحافي رود نوردلاند يصف فيه “سيلا من اللاجئين الذين يتوافدون بمعدل 10 آلاف في اليوم في الذروة، وهناك ما لا يقل عن مليون مهاجر يتحركون هذا العام باتجاه أوروبا، يدفعون رضعا في العربات، أو آباء مسنين في الكراسي المتنقلة، أو يحملون أطفالا على أكتافهم ومدخرات العمر في جواربهم، جاءوا يبحثون عن حياة جديدة، ولكنهم من جوانب كثيرة هم بوادر عصر جديد”.
وتقول الصحيفة إن “عدد اللاجئين وصل اليوم إلى 60 مليون نازح، وهذا العدد أكبر من أي وقت في التاريخ المسجل، ينتقلون في أعداد لم ير مثلها منذ الحرب العالمية الثانية، ليسو من سوريا فقط بل من أفغانستان، والعراق، وغزة، وحتى من هايتي، ومما يقارب 12 دولة أفريقية جنوب الصحراء ومن شمال أفريقيا”، وتضيف “هم سفراء غير رسميين لدول فاشلة، وحروب مستمرة، وصراعات مستعصية”.
وأشارت الصحيفة إلى أن أزمة اللجوء الراهنة بإمكانها أن تتسع رقعتها في القادم من الأيام، خصوصا في حالة ما إذا استمر تنظيم الدولة في التمدد في العراق وسوريا وتمدد طالبان في أفغانستان، التي أظهر استطلاع للرأي قامت به شركة “غالوب” الدولية خلصت فيه إلى أن ربع الأفغان الذين استطلعت آراؤهم يرغبون في الهجرة، ويتوقع أن يحاول حوالي 100 ألف منهم الهجرة إلى أوروبا هذا العام.
وذكرت “نيويورك تايمز” إلى أن هناك حوالي 6 إلى 8 ملايين نازح سوري داخلي، وحوالي 4 ملايين لاجئ سوري، موزعين بين لبنان والأردن وتركيا.
وأشارت الصحيفة إلى الصعوبات التي تعيشها الأقلية القبطية المصرية المؤلفة من 5 ملايين قبطي، وهي أكبر أقلية مسيحية باقية في الشرق الأوسط، وذكرت أنها تعيش في حالة خوف من المستقبل في بلد غير مستقر وعدائي.
وتأثرت باقي الأقليات التاريخية التي أصبحت مشردة مثل اليزيديين، والأشوريين، والنساطرة، والكلدانيين في شمال العراق.
أما بالنسبة لليمنيين فيتوقع نزوح العديد منهم إلى الخارج بأعداد كبيرة بسبب تفاقم معاناتهم اليومية وسط نقص متفاقم للغذاء والدواء، واستمرار الغارات الجوية التي تقوم بها الطائرات السعودية.
وتضيف الصحيفة الأمريكية “ليس فقط الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هم من يجب على القادة الأوربيين أخذهم بعين الاعتبار، فقد أظهرت دراسات لشركة غالوب تم تجميع نتائجها من 450 ألف مقابلة في 151 بلد ما بين عامي 2009 و2011، أن 40% من سكان نيجيريا فقط والتي يصل عدد سكانها إلى ضعف عدد سكان ألمانيا يرغبون في الهجرة إلى الغرب إن أتيحت لهم الفرصة لذلك، وما شجعهم على ذلك ما رأوه خلال هذا العام من نزوح العديد من مواطني دول التوتر إلى أوروبا، مما منحهم الأمل أن ذلك ممكن”.
وترى أنه مع تدفق اللاجئين إلى أوروبا هذا العام شكل أكبر حملة جماعية من خارج القارة في التاريخ الحديث.
وحذر العديد من الخبراء من إمكانية استمرار النزوح الجماعي وتزايده لعدة سنوات.
وفي تغريدة له على “تويتر” كتب رئيس المجلس الأوروبي دونالد تسك: “نتحدث عن الملايين من اللاجئين المحتملين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا، وليس الآلاف”.
وتضيف “نيويورك تايمز” في تقريرها أن “كثيرا من المهاجرين هربوا من القمع والفقر والاقتتال الطائفي والديني، ولكن هذه المصائب في العادة هي أعراض لتغيرات أعمق”.
فالحدود التي رسمها العثمانيون وأعاد رسمها الأوروبيون أثناء احتلالهم بدأت تتهاوى والدول العربية الدكتاتورية التي فرضت نوعا من الاستقرار البائس على مدى أجيال بدأت تنهار. ومع انهيار الخيوط التقليدية للسلطة تسعى مجموعات المتطرفين مثل تنظيم الدولة وبوكو حرام للإمساك بتلك الخيوط، بينما تعاني الأقليات الأمرين على أيديهم.
وأشارت الصحيفة، الواسعة الانتشار، لعامل آخر حددته في التغيرات المناخية التي تعصف بمجتمعات الشرق الأوسط وأفريقيا، فسوريا كانت تعاني من الجفاف عندما بدأت الحرب، إضافة إلى أن العديد من مناطق جنوب الصحراء الأفريقية أصبحت غير صالحة للعيش.
وذكرت إلى أن إعصارا واحدا في خليج بنغلاديش بإمكانه تشريد ملايين البنغاليين من بيوتهم ويحول أراضيهم إلى أراض لا يمكن العيش فيها.
وكانت أوروبا قد ولدت حركة لاجئين كبيرة في الماضي القريب، فعندما تفككت يوغسلافيا تولدت مشكلة لاجئين عددهم 700 ألف عام 1993، وقبلها عندما سقط جدار برلين عام 1989 هاجر 1.1 مليون من شرق أوروبا، غير أن الجديد الآن لا يكمن فقط في العدد الكبير للاجئين بل في تنوع المشاكل والأماكن التي تسببت في هجرتهم.
وأوضحت الصحيفة الأمريكية إلى أن الغرب حاول في العديد من المناطق التدخل غير أنه فشل فشلا ذريعا مثل العراق وأفغانستان بالذات.
وأشارت إلى تواجد ما يقارب مليوني لاجئ عراقي أغلبهم يحاول التوجه نحو أوروبا بينهم أشخاص مثل محمد بشير، وهو طبيب كردي من العراق، أخذ ما ادخره والذي يبلغ 2000 دولار أنفقها كلها تقريبا للوصول إلى الحدود الكرواتية. حيث دفع 1200 دولار ليجلس في قارب مطاطي ويخاطر بعبور البحر إلى اليونان.
يقول عن رحلته الخطيرة: “أفضل لي أن أموت بسرعة على أن أموت ببطء في العراق”.
أما سيد كريم (23 سنة) من قندز في أفغانستان، والذي عبر الحدود الصربية مؤخرا، فقال: “ليس هناك مستقبل في أفغانستان”.
ولوحظ توجه عدد لا بأس به من الليبيين إلى أوروبا بسبب الفوضى التي تعيشها بلادهم، وأظهرت هذه الهجرة فشل تدخل الفرنسيين والبريطانيين والأمريكان في الأزمة الليبية.
ومع أن معظم اللاجئين كانوا من سوريا والعراق وأفغانستان، فإن البعض أتوا من مناطق أخرى.
وذكرت الصحيفة قصة امرأتان وبنت صغيرة من هايتي، وصلن جوا إلى تركيا وانضممن إلى المجموعات المسافرة عبر طرق التهريب إلى البلقان، بحسب مسؤولين في مفوضية الأمم المتحد للاجئين.
وأشارت إلى أن العديد من دول جنوب الصحراء الأفريقية خصوصا من أريتيريا، والكونغو، وغامبيا، والسنغال، يهاجرون إلى أوروبا طمعا في الحصول على فرص اقتصادية أفضل.
وبينما تسببت مشكلة اللاجئين بردة فعل قوية بين الأحزاب اليمينية الأوروبية وخاصة في شرق القارة فإن السلطات تؤكد على أنه لا يزال هناك إمكانية لإدارة المشكلة.
يقول ألكساندر بتس الذي يرأس مركز دراسات اللاجئين في جامعة أكسفورد في تصريح له: “نحتاج أخذ الأعداد بعين الاعتبار.. فإن كانت لبنان، التي هي بحجم مريلاند، تستطيع استيعاب مليون لاجئ سوري فإن بإمكان قارة مثل أوروبا استيعاب الملايين”.
وارتفعت الأصوات المؤيدة للاجئين حتى بين أعضاء الاتحاد الأوروبي الأربعة الذين عارضوا من قبل حصة 120 ألف لكل بلد (بولندا، وسلوفاكيا، وجمهورية التشيك، وهنغاريا).
ومع أن نظام محاصصة لم يأخذ مداه إلا أن مناشدة وقعها رؤساء، ورؤساء وزراء سابقون، وأوروبيون بارزون، كثير منهم من تلك الدول الأربعة، نادت بالتخلي عن العداء تجاه اللاجئين.
ورغم هذه المناشدة، فإن خبراء يعتبرونها صعبة التسويق في أوروبا بسبب أن هذه الأخيرة تعاني من تجنيد إرهابيين من سكانها المسلمين من هجرات ماضية، ولو أن هذا التجنيد هو على نطاق ضيق.
وكتب يوشكا فيشر، وزير الخارجية الألماني السابق: “ينتشر التخوف من الأجانب والعنصرية العلنية بشكل واسع في كل أنحاء أوروبا، وتكسب الأحزاب القومية بل اليمينية المتطرفة أرضا جديدة .. وفي الوقت نفسه فإن هذه بداية الأزمة لأن الظروف التي تضطر الناس إلى الهجرة ستزداد سوءا، ومع هذا يبدو الاتحاد الأوروبي، الذي تمتاز الكثير من الدول الأعضاء فيه بنظام ضمان اجتماعي هو الأكبر والأحسن تجهيزا على مستوى العالم، عاجزا أمامها (مشكلة اللاجئين) سياسيا وأخلاقيا وإداريا”.
ويقول سونجا ليخت من المركز الدولي للتحول الديمقراطي: “لا أظن أنه يمكن لهذه الموجة أن تتوقف.. يمكن أن تخف من وقت لآخر، ولكن علينا ببساطة أن نجهز أنفسنا. وعلى شمال الكرة الأرضية أن يتجهز لحقيقة أن جنوب الكرة الأرضية يزحف كاملا. وهذه ليست مشكلة أوروبا فقط بل للعالم أجمع”.
عربي21