نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعده مراسلها في طهران فرناز فصيحي، قال فيه إن الصراع على السلطة داخل إيران يعوق جهودها لمواجهة فيروس كورونا المستجد.
وقال فصيحي إن الرئيس الإيراني حسن روحاني تعرض للانتقاد الشديد لأنه لم يتدخل بقوة لمحاربة وباء كورونا. وهو ما أدى لتدخل الجيش الذي يقاتل من أجل السيطرة على الوباء واحتوائه. وأضاف أن قادة إيران البارزين أصيب عدد كبير منهم بالعدوى أكثر من أي مكان في العالم.
وتم بناء مستشفيات ميدانية في المتنزهات والملاعب الرياضية وصالات الأفراح لمعالجة المرضى الذين يتدفقون على المكان. وناشد مسؤول صحي بارز المواطنين الإيرانيين يوم الثلاثاء ودعاهم لعدم السفر والتنقل أثناء أعياد بداية السنة الفارسية “النيروز”. قائلا إن أي شخص يتجاهل النصيحة فإنه مثل من “يستدعي الموت”.
وسجلت إيران أعلى نسبة من الحالات في العالم من الإصابات، حيث بات المرض يقتل في اليوم 100 شخص على الأقل ويصيب ألفاً آخرين. ورغم الرهان الكبير الذي تواجهه البلاد، إلا أن أحدا لا يعرف من هو الذي يدير الأمور ويوجه دفة البلاد في هذه الفترة الحرجة.
ويقول فصيحي إن مشكلة إيران في ظل الأزمة هي الصراع داخل هيكل السلطة الذي خرج إلى العلن. وأدت الرسائل المتناقضة خلال الأيام السابقة إلى إثارة غضب المواطنين والذين يعانون من العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على البلاد والنسب المرتفعة من العاطلين عن العمل وعدم الثقة بالحكومة.
مشكلة إيران في ظل أزمة كورونا هي الصراع داخل هيكل السلطة الذي خرج إلى العلن والرسائل المتناقضة التي أثارت غضب المواطنين
وعبّر البعض عن رغبته بقيام الحرس الثوري والقوى الأخرى من الجيش بالسيطرة وفرض حجر صحي شامل. وبالنسبة للكثير من الإيرانيين، فهذا أمر لا يمكنهم التفكير به؛ لأن عناصر الحرس هي التي قامت قبل أشهر بسحق التظاهرات الغاضبة على تدهور الأوضاع المعيشية وزيادة الأسعار وقتل من المحتجين 176 شخصا.
وقال مهدي (46 عاما) الذي يملك مطعما في طهران: “نريد قيادات تعرف طريقة السيطرة وتجلب النظام. والجنرالات هم أفضل من الحكومة في هذا الأمر”. ولم يسمح مهدي لأفراد عائلته بالخروج من البيت منذ أسابيع.
وفي مقابلات ورسائل نصية، انتقد أنصار وأعداء حكومة روحاني ما رأوا أنه خطأ في التقدير، وعجز وفشل في فهم خطورة الأزمة. وتجاهل الكثيرون نصيحة الحكومة بتجنب التجمعات. وقام سياماك قاسمي، المحلل الاقتصادي في طهران بنشر صورة على تويتر تظهر أعدادا حاشدة من المتسوقين في البازار وهم يشترون تحضيرا لعطلة السنة الجديدة.
وكتب قائلا: “هذه الصورة هي فشل لروحاني وسياسات حكومته وخطابه حول محاربة فيروس كورونا”.
عبّر بعض الإيرانيين عن رغبته بقيام الحرس الثوري والقوى الأخرى من الجيش بالسيطرة وفرض حجر صحي شامل
ويفتح نظام السلطة المزدوج بين المرشد الأعلى الذي يسيطر على القوات المسلحة، والحكومة التي تدير الشؤون المدنية، صراع أجنحة، مما شوش طريقة التعامل مع انتشار كورونا كما يقول المسؤولون والعمال في الصحة العامة والمحللون السياسيون.
ويقول هنري روم، المحلل في الشؤون الإيرانية بـ”يوريشيا غروب”: “الوضع فوضوي وهذه أحسن طريقة لوصفه”. ورغم عدم وجود مخاطر على الحكومة من الانهيار، إلا أن المسؤولين “لا يريدون نشر الفزع وإغلاق ما تبقى من الاقتصاد أو الاعتراف ضمنيا أنهم أخطأوا”.
وكافح روحاني وكبار المسؤولين الصحيين للسيطرة على الوضع بعدما تم التشكيك بالمعلومات أو ارتدت الاستراتيجيات بطريقة سلبية عليهم. وحتى محاولاتهم لتحميل الولايات المتحدة المسؤولية من خلال فرض العقوبات على إيران مما أدى لعدم توفر الإمدادات الصحية، نُظر إليها على أنها محاولة للتبرير والتهرب من المسؤولية.
وأصدر علي خامنئي المرشد الأعلى في الأسبوع الماضي، أمرا مكتوبا للجنرال محمد باقري القائد الأعلى للقوات المشتركة، التي تضم الجيش والحرس الثوري والقوات الأمنية للسيطرة على الوضع. ومع أنه طلب من الجيش العمل مع الحكومة المدنية إلا أن أمر خامنئي كان بمثابة تصريح للجيش بتهميش حكومة روحاني إن اقتضت الضرورة. وبدأت الرسائل المتناقضة بين الطرفين بعد أمره مباشرة. وفي لقاء مغلق يوم الجمعة اختلف الطرفان حول الإستراتيجية حسبما قال أشخاص على معرفة باللقاء. وطلب روحاني من الجيش اتباع أوامره، إلا أن الجنرالات رفضوا، وقالوا إن خامنئي أصدر لهم الأوامر بالتحرك وبشكل مستقل.
واقترح الجيش إغلاق طهران ومناطق واسعة من البلاد وإغلاق المحال التجارية وتحديد حركة الناس واستخدام القوات المسلحة لفرض القيود كما فعلت الصين. ورفض روحاني ذلك، قائلا إن الحكومة ليس ليها المصادر الكافية لدعم ملايين الناس الذين سيوضعون في الحجر الصحي. وقال إن الخدمات الأساسية ستنهار مما سيدفع البلاد إلى أزمة أعمق.
وظهرت الخلافات من خلال رسائل متناقضة أغضبت الناس. وحاول مستشار روحاني حسام الدين أشينا الرد على الاتهامات بأن الرئيس تجاهل التهديد، قائلا إن الحكومة “أعلنت عن مواصلة الأعمال بشكل اعتيادي من أجل منع انهيار النظام البيروقراطي والفوضى”.
وتجاهل الجنرال باقري مظاهر قلق روحاني، وقال يوم الجمعة إن الجيش سيقيد حركة السير ويغلق المحال التجارية وسيخلي الناس من الشوارع في طهران و11 ولاية أخرى. وقال إن متطوعين تابعين للجيش سيقومون بمسح كل بيت في إيران وتحديد الأشخاص المحتمل إصابتهم وبناء مستشفيات ميدانية للفحص والمعالجة.
وبعد أقل من يومين، قال روحاني إن إغلاق المدن لن يتم ولن يتم الحجر الكامل ولا إغلاق قسري للمحال التجارية. وأضاف: “الشائعات في طهران أو المحلات التجارية فيها لم يتم الحجر عليها”. وقلل من تصريحات محافظي الولايات الذين طالبوا بإغلاق محافظاتهم.
وفي يوم الإثنين، بدا وكأن روحاني نجح في إقناع الجيش بفرض قيود مشددة، إلا أن السلطات المحلية تجاهلته وقامت بشكل طوعي بإغلاق المحافظات وعدد من المدن. وقال كاميار علاوي، الخبير بالسياسة الصحية ورئيس المعهد الدولي للصحة والتعليم في ألباني بنيويورك: “الخطوة الوحيدة التي بقيت هي عسكرة الرد وإجبار الناس على البقاء في بيوتهم”. مضيفا أن الصراع قد يضعف سلطة روحاني لكن “الناس هم الضحايا الجانبيين”.
ومنذ اندلاع الأزمة في الشهر الماضي، اتهم الناس وزارة الصحة بإخفاء الحقيقية. وارتفع العدد الرسمي يوم الثلاثاء إلى 988 وفاة، و16 ألف إصابة، مع أن خبراء الصحة وعددا من المسؤولين الإيرانيين يقولون إن العدد الحقيقي أكبر؛ لأن عدد الأشخاص الذين تم فحصهم يظل قليلا. ويقدر علاوي عدد المصابين بـ 100 ألف شخص.
وانتقد أعداء روحاني قراره السماح بالطيران من وإلى الصين التي كانت مصدر الوباء. كما رفض حظر الطيران الداخلي وإغلاق المناطق الساخنة وتأخره في تشكيل لجنة الطوارئ. وقرر الكثير من الإيرانيين وسط الرسائل المتناقضة حجر أنفسهم في بيوتهم، وهناك لم يعرفوا من يقول الحق.
وتجمعت الجثث في المستشفيات والمشارح، وقامت مقبرة في قم بحفر مقبرة جماعية. وتعرض روحاني للسخرية بسبب غيابه عن المشهد العام وتقليله من حدة الأزمة.
ويقول المحللون إنه أراد التأكيد على أن الأمور عادية لمنع انهيار الاقتصاد وإظهار أن حكومته تسيطر على الوضع. وفي مسألة المزارات الدينية رفض روحاني عزل قم، لكنه أراد إغلاق المزارات التي تجلب أعدادا كبيرة، لكن رجال الدين رفضوا.
وأمر خامنئي الأسبوع الماضي بإغلاق مزارين في مشهد وقم، حيث اختلط الناس ولمسوا الجدران. لكن رجال دين متشددين هاجموا المزارين مع عدد من الأتباع وفتحوا الأقفال رغم مناشدة قوات الأمن لهم بعدم الدخول.
نقلا عن القدس العربي