علقت صحيفة “نيويورك تايمز” على الاتفاقية الدبلوماسية التي وقعتها إسرائيل مع كل من البحرين والإمارات برعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنها جيدة، ولكنها ليست جيدة جدا لأن الطريق إلى السلام الدائم طويل جدا.
وقالت: “تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودولتين عربيتين وهما الإمارات والبحرين، في مظهره، تطور مفيد. وتستحق إدارة ترامب التقدير للتوسط به. فقد كان أمرا شاذاً أن تشعر الدول العربية بمعاملة إسرائيل كدولة منبوذة في وسطها، في وقت أقام عدد كبير منها، بما في ذلك الإمارات والبحرين، كل أنواع العلاقات الاقتصادية والأمنية مع إسرائيل”.
ولكن فكرة ترشيح نائب نرويجي محافظ الرئيسَ ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لجائزة نوبل للسلام، بعد “اتفاقية إبراهيم” للسلام، أمر بعيد المنال ليس بسبب سجلهما السياسي أو سمعتهما.
ومع أن الذين كرمتهم نوبل سابقا بنفس الجائزة مثل يتسحاق رابين وشمعون بيريس وياسر عرفات ومناحيم بيغين وأنور السادات لم يكونوا قديسين، ولكن أفعالهم اقتضت في وقتها شجاعة ومحاولة لتجاوز العداء العميق، حيث دفع اثنان منهم حياتهما ثمنا لها وهما السادات ورابين.
وبالمقارنة، فاتفاق إسرائيل البحرين والإمارات تم بين دول لم تكن أبدا في نزاع، ولم يحمل قرار التطبيع مخاطر كثيرة، بل منافع سياسية لكل من ترامب ونتنياهو. وأكثر من هذا لم يعط الاتفاقان إلا إيماءة روتينية لما كان يطلق عليه “سلام الشرق الأوسط” بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ولم يعرف الفلسطينيون مسبقا أن الإمارات كانت تتفاوض على صفقة مع أمريكا وإسرائيل، مع أن المحفز لها كان تهديد نتنياهو بضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية.
وأشارت الصحيفة إلى ما قيل عن عرض الإمارات التطبيع مقابل وقف الضم، وأن البحرين، المملكة الصغيرة التي تقيم علاقات قوية مع السعودية تبعت قرار الإمارات. وهناك احتمال أن تعقد عمان والسودان اتفاقيات أخرى.
ومع ذلك لم يكن الضم هو الدافع الوحيد وراء التطبيع، فالسعودية وإسرائيل والإمارات تشترك مع إدارة ترامب في العداء ضد إيران. ومن الواضح أن الإمارات تتوقع منفعة من الاتفاق مع إسرائيل وحصولها أخيرا على مقاتلات أف-35 من الولايات المتحدة، مع أن فكرة البيع أثارت قلقا في إسرائيل.
وبالنسبة لنتنياهو، فالتطبيع منحه دفعة سياسية في وقت يواجه انتقادات حادة بسبب تعامله الفاشل مع كوفيد-19 والملاحقات القضائية وتهم الفساد. أما ترامب فكانت حفلة التوقيع مناسبة رحب بها في أثناء حملاته قبل الانتخابات.
وتقول الصحيفة إن الدوافع الذاتية والمصالح القومية عناصر متأصلة في السياسة والعلاقات الدولية. فمع أن جارد كوشنر لم يكن الشخص الذي قاد عملية التطبيع، إلا أنه يستحق التقدير لمعرفته قيمته. فخطته للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين تبنت الموقف الإسرائيلي المتطرف الذي يرفض الفلسطينيين جملة وتفصيلا، وأخرجت الأمريكيين كعرابي سلام حقيقيين.
وقالت “نيويورك تايمز” إن حفلة التوقيع في البيت الأبيض يوم الثلاثاء كشفت عن فقدان الفلسطينيين حق الفيتو على العلاقات العربية- الإسرائيلية. فالزمن الذي كانت فيه “الحقوق الفلسطينية المقدسة” دعوة للحشد في العالم العربي، قد ولى. وهي حقيقة اعترفت بها منظمة التحرير الفلسطينية في بيان وصفت فيه حفلة التوقيع بأنها “يوم أسود في تاريخ الشعب الفلسطيني”. و
بعد عقود من المحادثات التي لم تنتج تقدما ملموسا، وحالة إحباط من القيادة الفلسطينية “الفاسدة” تم دفع القضية الفلسطينية إلى الخلف في منطقة باتت مشغولة بالعداوة السنية- الشيعية، وتراجع أسعار النفط، والنزاعات في سوريا، العراق واليمن، وتراجع حاد في الوجود العسكري الأمريكي، مما جعل هذه الدول تجتذب نحو القوة العسكرية والتكنولوجية الإسرائيلية.
ومن هنا فاتفاقيات “أبراهام” هي امتحان للواقع وتأكيد لتغير المشهد السياسي في الشرق الأوسط منذ اتفاقية أوسلو عام 1993. وقدرة طائرات “العال” الإسرائيلية على التحليق إلى أبو ظبي دليل ملموس على الشرق الأوسط الذي أصبحت فيه إسرائيل لاعبا جادا بل ومرحبا به بدلا من كونها عدوا منبوذا.
لكن السلام الحقيقي يقتضي تسوية مع 4.75 مليون فلسطيني في الضفة وقطاع غزة، حرموا من وطنهم طوال سبعة عقود، وستظل مأساتهم تجذب تعاطفا من كل أنحاء العالم. وسيظل شعورهم بالإحباط مصدرا للعنف. ويظل حل الدولتين هو الحل البديل عن الوضع الحالي أو حل الدولة الواحدة حيث يصبح فيها اليهود أقلية.
ولم تقدم اتفاقيات “أبراهام” أي تحرك على هذه الجبهة. وربما وجدت إسرائيل أن علاقاتها مع بقية الدول العربية ستكون دافعا لحل عادل مع الفلسطينيين، يبرر كلام نتنياهو “سلام مقابل سلام” ولكنه راض في الوقت الحالي عن التطبيع فقط.
نقلا عن القدس العربي