نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية عن وزير الخارجية الأميركي جون كيري قوله في أكتوبر الماضي: إنه لن يكون هناك سلام في سوريا طالما أن الرئيس السوري بشار الأسد «لا يزال محور السلطة» هناك. وتعلق الصحيفة بالقول: «حتى الآن، لا يزال المسؤولون الأميركيون يصرون على أن أي حل سياسي دائم سيتطلب رحيل الأسد، ولكن الحقيقة المقلقة هي أن الدكتاتور الوحشي لا يزال متمسكا بالسلطة، وسيكون على الولايات المتحدة وحلفائها التعايش مع هذا الواقع، حتى إشعار آخر».
وأشارت الصحيفة إلى أن كيري نفسه أقر بذلك ضمنيا عندما حث مؤخرا الرئيس الأسد على تغيير سياساته، في حين امتنع عن مطالبته المعتادة بالتخلي عن السلطة.
تشير الصحيفة إلى أن العام الماضي شهد تغيرا كبيرا وسريعا في الأزمة السورية؛ إذ إن تنظيم «الدولة الإسلامية» المعروف إعلاميا باسم «داعش» بات يسيطر الآن على ما يقرب من نصف البلاد، في حين أن المتمردين الذين عولت عليهم أميركا لهزيمة الأسد باتوا أضعف، في مواجهة المكاسب المستمرة للنظام.
ورأت الصحيفة أنه ليس هناك أي احتمال بأن يترك الأسد السلطة طواعية في أي وقت قريب، أو حتى إرغامه على ذلك من قبل المتمردين، ما لم تتدخل الولايات المتحدة بشكل مباشر، وهو ما ترفضه إدارة الرئيس باراك أوباما حتى الآن.
وتوضح الصحيفة أن التاريخ الحديث لم ينصف أي شخص تنبأ باتجاه تغيير النظام، مضيفة أنه باستثناء تونس، فإن البلدان التي أطاحت بقادتها خلال عام 2011 أو ما يعرف بحركات الربيع العربي استبدلت الطغاة السابقين بطغاة جدد، أو انحدرت إلى الفوضى.
إلى جانب ذلك، فإن التهديد الأكبر الآن ليس الرئيس الأسد لكن الدولة الإسلامية، خاصة إذا ما استمرت في التوسع في سوريا، وجذب مزيد من المقاتلين الأجانب إلى صفوفها، واستخدام أراضيها لشن هجمات على الغرب. وأشارت الصحيفة إلى دراسة حديثة أجرتها مؤسسة «راند» للأبحاث الحكومية، قالت إن انهيار نظام الأسد -في حين أنه أمر غير المرجح الآن- سيكون «أسوأ نتيجة ممكنة» للمصالح الأميركية؛ حيث سيجرد سوريا من مؤسسات الدولة الباقية وخلق مزيد من الفضاء بالنسبة للدولة الإسلامية وغيرهم من المتطرفين لنشر الفوضى.
ولم يكن ذلك هو السيناريو المتصور في عام 2011 عندما قام السوريون باحتجاجات سلمية ضد حكومة الأسد الاستبدادية، حيث دعا الرئيس أوباما والقادة الأوروبيين الأسد إلى الاستقالة وضغطوا عليه مع فرض عقوبات، لكن الدكتاتور المسلح وبمساعدة من روسيا وإيران، انتقم من خلال قواته الجوية وقنابل البراميل، الأمر الذي أدى إلى الحرب الأهلية التي تم فيها قتل حوالي 200 ألف سوري، وتدمير بلدات لا تعد ولا تحصى.
وقالت «نيويورك تايمز» إن القتال في سوريا يثير تساؤلات صعبة ولا يطرح أمام الولايات المتحدة أي خيارات جيدة. ويبقى نهج أوباما للصراع من أكثر العناصر غير المنسجمة في حملته ضد الدولة الإسلامية. وفي حين أن الأميركيين والرئيس الأسد يواجهون ظاهريا عدوا مشتركا، فإن الطرفين لا يتعاونان رسميا.
وتساءلت: إذا كان التهديد الرئيس هو تنظيم «الدولة الإسلامية» والهدف هو هزيمته، فهل يضطر الغرب في مرحلة ما للعمل مع الرئيس الأسد؟
تقول الإدارة الأميركية إنها تدرب المتمردين السوريين لمساعدة الحملة الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ضد الدولة الإسلامية، ولكن هؤلاء المقاتلين لن يشاركوا لبضعة أشهر أخرى، وهناك شكوك جدية حول كونهم ذوي فاعلية. وتوضح الصحيفة أن معرفة مستقبل سوريا على المدى الطويل أكثر تعقيدا، ونقلت عن مسؤولين أميركيين قولهم إنه لو كانت الطريقة الوحيدة لإنهاء الحرب الأهلية وتشكيل جبهة مشتركة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» هي نوع من اتفاق سياسي يشمل حلفاء وخصوم الأسد في المنطقة، فما الذي يجب على واشنطن القيام به لتعزيز مكانتها وصياغة النتائج؟
ويرى مسؤولون أميركيون أن هناك إجماعا دوليا على ضرورة التوصل إلى حل دبلوماسي طويل الأمد بين الرئيس الأسد والجماعات المتمردة المتنوعة. وهناك أيضا مصلحة في وقف إطلاق نار تقوده الأمم المتحدة في المجتمعات المحلية مثل حلب، والذي قد يكون بمثابة أساس لسلام أوسع.
ويحاول الروس إعادة الجانبين إلى المحادثات في وقت لاحق من هذا الشهر، وذلك بهدف إحداث تغيير تدريجي أكبر في سوريا.
لكن من غير الواضح مدى واقعية أي من هذه الأفكار، ويبدو أنه لا أحد يعرف كيفية ربط هذه الأجزاء المختلفة لوضع خطة متماسكة. وهذا يتضمن الجمهوريين الذين يسيطرون على الكونجرس والذين يقضون وقتهم في وضع العراقيل أمام سياسة أوباما الخارجية، رغم أنهم لم يقدموا أي بدائل واقعية. وترى الصحيفة أن فكرة وجود قوة سورية «معتدلة» يمكنها أن تطيح بالرئيس الأسد هي ضرب من الخيال، رغم أن سياسيين مثل السناتور جون ماكين يصرون على غير ذلك.