الدماء ملأت الأرض والجدران, ورائحة الموت نفاذة في كل مكان, كان المنظر رهيبا مروعا يلطخ المأساة بلون من الألم.. بل أكثر من الألم, وأكبر من أنواع الوجع كافة, حدث ما يفوق درجة الاحتمال طفل صغير انكمش ع نفسه وحبس أنفاسه طويلا, وذاق من الرعب ألوانا.. كان يسمع ويرى ويتألم فكم من الصور ستعلق في ذاكرة هذا الصغير؟ وأية طفولة سيحياها بعد هذا اليوم الدامي؟! وأي مستقبل مغمس بالمرارة ينتظره؟ وهل سيسامح يوما كل من خذله؟
لم يكن ذنب هؤلاء السوريين إلا أن مدينتهم إدلب كانت عصية ع جنود الأسد, الذين حاولوا كثيرا تهديمها وخرابها ولكن بعد كل مجزرة كانت إدلب تخرج من تحت الركام لتقول للأسد ومرتزقته “لن نركع مادام فينا طفل رضيع” ارتكب النظام مجزرة بحق الأهالي بعد اتفاق الهدنة, رمت ع أصحابها التراب مخفية كثيرا من تفاصيل هذه المدينة, إلا أن الألم أقوى من أن يتم دفنه, وأصحاب الجرح لا يمكن لقوة ع الأرض أن تمنعهم من التعبير عن الألم.
انتهى اليوم الأسود لمدينة إدلب, ليبقى كل ذي جرح منتظرا الفرج القريب, فهاهي تلك الفتاة الشابة في مقتبل العمر هاجمها شبح الموت وسرق منها أحلامها الوردية لتبقى في ذاكرة أمها وخطيبها المنتظر ليلة زفافه معها، دموع الحزن التي سقطت من عيني أمها امتزجت بدموع الفرح لأن ابنتها شهيدة صائمة كانت منتظرة ليلة زفافها بالأبيض لتزف بأيام رمضان عروسة اشتاقتها الجنة.
مجزرة مدينة إدلب تأتي بعد يوم واحد من تجديد الهدنة المبرمة مع الوفد الإيراني وميليشيا قوات النظام في بلدتي كفريا والفوعة المواليتين، في خرق واضح للهدنة بقصف المناطق الآهلة بالسكان, حيث أعلن جيش الفتح في وقت سابق انسحاب كامل قواته من المدينة.
في سوريا فقط تستطيع أن ترى الأطفال تخرج من تحت الركام والأنقاض،¸عندا فقط تجد جثث الأطفال المحروقة والمشوهة في سوريا نزيف من الدم امتزج مع ويلات وصرخات الألم, مع كلمات طفل صدحت العالم برنينها “يا لله ما بدي موت بابا لا تتركني” فأين العالم من هذه الصور والفيديوهات التي تجسد معاناة طفل بدل من أن يولد من رحم أمه يولد من تحت الركام.
اعتاد السوريون على هدن النظام المبرمة التي يتم نقضها متى شاء, فراح ضحية مجزرة إدلب أكثر من 30 شهيدا و 80 جريحا أغلبهم من الأطفال وباعة الخضرة الفقراء الصائمين الذين خرجوا لتحصيل قوتهم اليومي, مشاهد مروعة تدمي القلب والعين, فهذا هو رمضان عند السوريين، وبدل من أن يكون شهرا للمحبة والتآخي صار شهر المجازر, فهذه هي المجزرة الثالثة لمدينة إدلب خلال الأسبوع الأول من رمضان.
ماتت الحروف والكلمات إجلالا لكم أيها الأطفال, احترامنا لكم يا باعة الخضار, فارتوت الأرض بدمائكم الطاهرة ولن ننسى منظر رغيف الدم الممزوج بدمك أيها الطفل البريء, فلم يكن ذنبك إلا أنك ابن سوريا وتحديت ورفضت الاستسلام, ويبقى الإصرار والتحدي عنوان إدلب الخضراء, فمع كل مجزرة تصرخ بعدم الاستسلام فلروحك الطاهرة أيها الطفل المحروق التي صورك روعت القلوب, لن ننساك.. نم يا صغيري قرير العين.. لقد ماتت قلوب البشر.
المركز الصحفي السوري– رشا مرهف