قال المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية “ديمتري بيسكوف” أمس:
“إن الكريملين يشعر بقلق كبير إيزاء تصرفات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في سورية, كانت هذه ردة الفعل الأولى من قبل المسؤولين الروس حيال إسقاط طائرة حربية تابعة لقوات النظام من قبل قوات التحالف في محافظة الرقة, ثم مالبث الموضوع أن تشعب, وتأزم الموقف عندما صرّح عدد من السؤولين الروس عن نية بلادهم استهداف أي جسم “غريب” يحلق في سماء منطقة غرب الفرات, في إشارة إلى طائرات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية, وقد دعا هذا التوتر الحاد استراليا لاتخاذ قرار بتعليق ضرباتها الجوية على مواقع تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا, حرصا منها على سلامة الطواقم العاملة.
هو التأزم الأول من نوعه والأكثر حدة منذ التدخل الروسي والأمريكي في سورية, تأزم انتهى بقطع ما يعرف بالخط الساخن بين البلدين, من أجل تنسيق الطلعات والملاحة الجوية في الأجواء السورية بين الطائرات الروسية وطائرات التحالف, لكن واشنطن تحاول حتى اللحظة إعادة المرونة إلى العلاقات من جديد, من خلال إعرابها عن رغبتها بإعادة تفعيل الخط الساخن بين الطرفين, وقد جاء ذلك على لسان الجنرال الأمريكي “جوزيف دانفورد” في وزارة الدفاع حيث قال:
“سنعمل جاهدين على الصعيدين الدبلوماسي والعسكري, من أجل إعادة وصل الخط الساخن بين موسكو وواشنطن”.
هذه المشكلة التي بدأت بقيام قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن بإسقاط طائرة حربية للنظام السوري كانت تقصف مواقع لقوات سورية الديمقراطية في محافظة الرقة, وصلت تداعياتها إلى داخل أروقة الأمم المتحدة التي عبرت عن قلقها إيزاء التوتر الأخير بين واشنطن وموسكو, ودعت الطرفين إلى عدم التسرع في القرارات حسب تعبير المتحدث باسمها “ستيفان توجاريت”.
أهمية ما يعرف بالخط الساخن:
تكمن أهمية الخط الساخن في كونه أداة حيوية لمنع وقوع الاصطدامات الجوية عقب التدخل الروسي لصالح قوات النظام ضد معارضيه خلال أحداث الثورة السورية, أواخر العام 2015م, وفي حال إصرار موسكو على استمرار قطعها لما يعرف بالخط الساخن, فإنها تكون قد رسمت خطوطاً حمراء تحظر على طائرات التحالف خرقها أو تجاوزها باتجاه مناطق النفوذ الروسي إن صح التعبير, وهذا ما يزيد الخطر على استهدف الطائرات والقوات من الجانبين, لذلك قامت واشنطن على الفور بتغيير مواقع طائراتها فوق سورية لضمان سلامة الطواقم الجوية الأمريكية.
فرص احتدام التصعيد بين موسكو وواشنطن:
يبدو أن استمرار التفاهم بين الروس والأمريكيين في سورية, ليس بعيد عن رياح المواجهة التي قد تتصاعد بشكل غير متوقع ولسبب قد لا يبدو مقنعاً.
يمكن لنا أن نعتبر أن حادثة إسقاط قوات التحالف لطائرة مقاتلة تابعة للنظام, قد تكون بداية مرحلة التصعيد العسكري بين الطرفين, الذي يبدو واضحاً فيه مدى تأثير قرار العسكريين ودوائر الإستخبارات عند كلا الطرفين, في حين ظهر الدبلوماسيون في كلا الطرفين أنهم يستتبعون خطواتهم “العسكريين”.
ردة فعل وزارة الدفاع الروسية في تعليقها على تصرف قوات التحالف الدولي التي تقودها واشنطن كانت لهجة حادة, وصلت لدرجة مطالبة الجانب الأمريكي بإجراء تحقيق شامل حول الحادثة لكشف جميع ملابساتها, عقبها الإعلان عن رسم خط أحمر يحدّد مناطق النفوذ الروسي غرب الفرات, وحذرت وزارة الدفاع الروسية طائرات التحالف من اقتحام مناطق داخل هذا الخط, وسوف تكون مراقبة ومتابعة من قبل الرادارات والصواريخ والأنظمة الدفاعية الروسية المتواجدة في قاعدة حميميم “s300..s400”, وقد ترافق كل ذلك مع دعوات من قبل سياسيين وعسكريين روس لأن يجري رد على أي خرق من قبل قوات التحالف الدولي.
مجموع الأحداث الأخيرة المتعاقبة التي بدأت بقيام قوات التحالف الدولي باستهداف رتل لقوات النظام والمليشيات الطائفية الإيرانية بالقرب من معبر التنف, ووصولاً إلى أزمة اليوم وقطع الخط الساخن, ولا يبدو أنها ستكون الأخيرة, تشير إلى تصاعد وتيرة أحداث الحرب الباردة الحالية بين واشنطن وموسكو والتي قد تتحول إلى حرب ساخنة في لحظة فارقة, إلا إذا استثنت قيادات البلدين على أعلى المستويات احتمال المواجهة الكبرى وأبقتها محصورة في مجال تحريك الأدوات الصغيرة, كما هو الحال في سورية, فالوقائع تشير إلى أن جموع المليشيات الطائفية من أفغان وعراقيين ماهم سوى أداة بيد الروس والإيرانيين, وكذلك القوات الكردية التي لم يخف “روبرت فورد” السفير الامريكي السابق في سورية نظرة بلاده إليها حين اعتبرها بمثابة الاداة التي تحركها واشنطن في الوقت الحالي, وانها ستتخلى عنها قريباً, هم جميعاً عبارة عن أدوات الصراع الأمريكي – الروسي البارد في الساحة السورية التي باتت مكاناً لتصفية الحسابات المحكومة بالمصالح فقط.
المركز الصحفي السوري – حازم الحلبي.