في إطار تعاون أكاديمي ما بين معهد جورجيا للتكنولوجيا وجامعة ييل وجامعة بورتسموث والجامعة التشيكية لعلوم الحياة في براغ وكلية ستانفورد للأرض والطاقة والعلوم البيئية (ستانفورد إيرث)، تمكن فريق من الباحثين من تعزيز النظرية القائلة إن نقص الأكسجين في المحيطات قد ساهم في موت مدمر قبل حوالي 444 مليون سنة.
ثاني أكبر انقراض جماعي
تشير النتائج الجديدة كذلك إلى أن هذه الظروف الـ “قليلة الأكسجين إلى معدومة” منه قد استمرت لأكثر من ثلاثة ملايين سنة، وهي فترة أطول بكثير من نوبات إبادة التنوع البيولوجي المماثلة التي شهدها كوكبنا.
وتناولت الدراسة، التي نشرت في “نيتشر كوميونيكيشنز” بتاريخ 14 أبريل/ نيسان الجاري، حدثا يعرف باسم الانقراض الجماعي الأوردوفيشي، الذي وقع قبل حوالي 450 إلى 444 مليون سنة مضت، وهو ثاني أكبر انقراض جماعي شهدته الأرض.
ليصنف بذلك بعد الحدث الأكبر وهو انقراض العصر البرمي الثلاثي المعروف باسم “الموت العظيم” الذي وقع قبل 251.4 مليون سنة وفيه قضي على ما يقارب 96% من الأنواع البحرية كافة و70% من الفقاريات البرية.
وتصنف أحداث الانقراض العظمى التي شهدها كوكب الأرض إلى خمسة أحداث، أشهرها حدث العصر “الطباشيري – الباليوجيني” الذي قضى على جميع الديناصورات غير الطيرية منذ حوالي 65 مليون سنة.
والعصر الأوردوفيشي وهو ثاني العصور الستة من حقبة الحياة القديمة، استمر 41.6 مليون سنة تقريبا، يسبقه الكامبري، ويليه السيلوري، وقد تم إقراره دوليا عام 1960 من قبل الاتحاد الدولي للعلوم الجيولوجية.
عالم مائي
مع بداية العصر الأوردوفيشي (Ordovician) المتأخر قبل حوالي 450 مليون سنة، كان العالم مكانا مختلفا تماما عما هو عليه اليوم، حيث اقتصرت أشكال الحياة المختلفة فيه على المحيطات فقط، ليتزامن معها بداية ظهور النباتات على الأرض.
وليتلوها تشكل القارة العظمى البدائية التي شملت معظم القارات التي نعرفها اليوم، وقد أطلق عليها اسم “غندوانا” (Gondwana). ويعتقد العلماء أن لهذا الانقراض ذروتين بارزتين يفصل بينهما قرابة مليون عام.
بدأت الذروة الأولى نتيجة التبريد العالمي الذي ساد قارة غندوانا تحت الأنهار الجليدية، لتأتي بعد ذلك الذروة الثانية لهذا الانقراض والتي تعزى إلى نقص الأكسجين في المحيطات.
ومع نهاية العصر الأوردوفيشي المتأخر كان قد اختفى ما يقدر بـ 85% من الأنواع البحرية من السجل الأحفوري. وقد ركز الباحثون على الذروة الثانية لهذا الانقراض لمعرفة ماهية نقص الأكسجين المذاب وتأثيره على بيولوجيا المحيطات كما هي حالنا اليوم.
نموذج جديد
قام الباحثون بتطوير نموذج جديد من البيانات لدراسة تراكيز الأكسجين المذاب في مياه المحيطات. ليتضمن بيانات نظائر معدنية كانت قد نشرت في دراسات سابقة، بالإضافة إلى بيانات جديدة من عينات صخر زيتي -كان قد أخذ من حوض مرزق في ليبيا- تم إيداعها في السجل الجيولوجي خلال الانقراض الجماعي الأوردوفيشي المتأخر.
يدرس النموذج مجموعة واسعة من المتغيرات المتعلقة بخصائص المعادن، بما في ذلك كميات اليورانيوم والمولبيديوم التي تتسرب من اليابسة وتصل إلى المحيطات عبر الأنهار لتستقر في قاعها.
وبالفعل، تمكن الباحثون من خلال هذا النموذج من إثبات نقص الأكسجين في مياه المحيطات والذي ترافق مع الذروة الثانية لحدث انقراض الأوردوفيشي المتأخر، وهو ما جعل تلك الحقبة وقتا سيئا للبقاء على قيد الحياة.
الآثار على التنوع البيولوجي
استهدفت هذه الدراسة فهم أحداث الانقراض الجماعي القديمة، ومقارنتها بما يحدث اليوم في محاولة للتنبؤ بما سيؤول إليه حال كوكبنا.
وقد خلصت الدراسة إلى أن أحداث الانقراض الجماعي العظيم التي شهدها كوكب الأرض قد تميزت بنقص حاد في تراكيز الأكسجين المذاب في مياه المحيطات -والتي نشهدها على نحو متزايد في يومنا هذا- ولا سيما في المنحدرات العليا للصفائح القارية، مما يشكل عبئا شديدا على العديد من أنواع الكائنات الحية، وقد يتسبب بانقراض محتم لبعضها.ويحتم هذا الأمر على الباحثين في هذا المجال إجراء مزيد من الدراسات المكثفة لنمذجة الأكسجين في مياه المحيطات في يومنا هذا، بهدف التوصل إلى حلول تمنع وقوع انقراض جماعي جديد محتمل.
نقلا عن الجزيرة