مدار اليوم- صبحي فرنجية
يرى السفير الأمريكي السابق في سوريا، روبرت فورد، بعد محاولة لتفكيك المشهد السوري، أن هناك ثلاثة سيناريوهات ممكنة في الفترة القادمة، قامت على فرضيات، رجح فورد وجد أحدها في المستقبل، في حين أن الواقع له دلالات أخرى، تجعل من تلك السيناريوهات محط نظر، في الوقت الذي يرجح المشهد سيناريو رابع، قد يدخل البلاد في جوّ جديد، إن حصل.
فورد استهل نظريته حول سيناريوهات ثلاثة، اثنين منها لإيران مركز النواة، بالحديث عن حالة التهاوي التي أصيب بها نظام الأسد، ثم قال إن السيناريو الأول يمكن أن يكون “إرسال قوات جديدة كبيرة لرفع معنويات الأسد من قبل إيران، ما يعيد التوازن بشكل تقريبي في حرب الاستنزاف الجارية مؤقتًا”.
ثم رجح فورد أن يكون السيناريو الثاني هو نقيض الأول، “أن تخفف إيران من المساعدات التي تقدمها في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة الأسد، ولكنها لن تختفي على أي حال”، مما يعني أن إيران حكمت على الأسد ونظامه بالموت السريري.
أما السيناريو الثالث الأكثر احتمالاً، بحسب فورد، هو أن المعارضة السورية المسلحة ستشكل “تحالفات عسكرية” ضد القوات الحكومية المنهارة وفصائل مسلحة معينة، و”ستسعى كل منها جاهدة على المدى القصير للحصول على أفضلية تكتيكية”.
وعلى سبيل تفكيكِ التفكيكْ، نجد أن السيناريو الأول والثاني، مرتبطين بالتناقض، وهما ليسا في عداد الافتراض، لاسيما وأن إيران في الفترة الماضية اختبرت الخيارين، في إطار قياسها لدرجة الحرارة السياسية في الوسط المحيط، فأوقفت الدعم عن الأسد فترة من الزمن، خسر خلالها النظام، أهم معاقله، بدءاً من إدلب، فجسر الشغور وأريحا، وانتهاء بمناطق استراتيجية في درعا.
وإن كان هذا الايقاف جاء في إطار دخول إيران في فترة حرجة خلال مراحل ملف إيران النووي الأخيرة، لكن هذا لا يعني أن طهران لا تدرس في المقابل ردود الفعل حول هذا التغير، الذي اكتفت الأوساط المعارضة بالحديث عنه كمؤشر انتصار للمعارضة، دون أن تتلقف الأوساط نفسها رسالة ممكنة من قبل إيران فحواها “ربما هناك فرصة لدراسة المصالح بيننا”.
وعندما رأت إيران أن سقوط الأسد أصبح وشيكاً، بفعل خساراته المتتالية، وانهيار صفوفه، لجأت إلى الإسراع في إرسال 7000 من المرتزقة لحماية النظام السوري، أو مناطقه الأخيرة، من السقوط. وهو ما أكدته مصادر متطابقة قريبة من دائرة النظام.
ولا شك أن عملية إرسال قوات أخرى إلى سوريا، من قبل إيران تتخللها عقبات جوهرية، فقياداتها ومليشياتها اليوم، مشرذمين على جبهات عديدة، أبرزها العراق، لما له من أهمية جيوسياسية بالنسبة لطهران، ثم سوريا، ولبنان، حيث يعاني حزب الله اللبناني من أسوأ انتكاسات على صعيد الحاضنة الشعبية، ونقص الجنود. وأخيراً وليس آخراً اليمن، التي تشهد هي الأخرى معارك حامية الوطيس بين المقاومة الشعبية مدعومة من التحالف العربي من جهة، وجماعة الحوثي، ذراع إيران، من جهة أخرى.
إيران من المستبعد أن تكون المحرك الأول لأي سيناريو ممكن في سوريا، في الوقت الراهن على الأقل، خصوصاً في ظل طيف العقبات الموجودة أمامها، وإقبالها على استحقاق بارز الأهمية نهاية الشهر الجاري، وهو ملفها النووي، لا سيما وأن الاتفاق المرجو حول الملف، سيكون له تبعات على كل الأصعدة الإيرانية.
أما السيناريو الثالث الذي طرحه فورد، مرهون بعدة ضرورات، أهمها أن “التحالف” بين القوى العسكرية على الأرض، يحتاج إلى توافق إقليمي-دولي يُترجم على أرض الواقع، وهو أمر يمكن أن يحدث إذا ما تجاوزت الدول مصالحها الاقتصادية، والسلطوية، وصراعاتها على المنطقة.
التوافق التركي- السعودي- القطري نتج عنه جيش الفتح في الشمال، إلا أن التوافق لم يمتد جغرافياً ليشمل الجنوب، حيث فشلت فكرة جيش فتح هناك، ليبقَ السيناريو الثالث معلقاً إلى حين نضوج فكرة التحالفات على طاولة الدول الإقليمية والدولية.
ويمكن إذا ما نظرنا إلى المشهد السوري أيضاً، أن نضع في الحسبان، سيناريو رابع، تكون نواته المعارضة السورية السياسية، مفاده أن تعود (المعارضة) إلى طاولة مستديرة، لا أطراف لها، لتقف على حال البلاد وتدرس معطيات على أرض الواقع غير مسبوقة، لتفكر بزيارات إلى الدول التي تمرغت أطرافها في التراب السوري، لتبحث معهم مصالحم في سوريا دون الأسد، وتضمن لهم أن هاجس الخوف من انهيار وجودهم يمكن تجاوزه إذا ما تقاطعت المصالح كلها مع بعضها؛ لندع الأسد جانباً، ونرسم مستقبلاً لا خاسر فيه ولا منتصر!