عبد الملك قرة محمد
مدونات السلوك هي قواعد تشتمل على معاييرَ تطبيقية وأخلاقية مرتبطة بشكل مباشر بشخص صاحب المهنة أو العمل بحيث تكون دليلاً إرشادياً يضع حداً أدنى لمعايير سلوك هذا الشخص عند أداء مهمته بحيث يمثل هذا السلوك رؤية الفئة المهنية أو المؤسسة التي ينتمي لها في التعامل مع الآخرين وصون حقوقهم ومعرفة واجباته وصلاحياته وأدبيات تنفيذ عمله حتى مع نفسه.
وتعتبر مدونة السلوك المهني والأخلاقي في التعليمات التنفيذية الناظمة للجنة الشكاوى جزءاً لا يتجزّأ من نص ميثاق شرف للإعلاميين السوريين، وهي مرجع أساسي في قبول الشكوى المرفوعة أمام لجنة الشكاوى من حيث خرق قواعدها وانتهاك معاييرها وتتضمن ثلاث عشرة مادة، أبرزها النزاهة والمسؤولية اتجاه الأطفال كمعايير يفترض أن يتم مراعاتها عند قيام العاملين في قطاع الإعلام بإنجاز مهامهم.
حيث تتجلى قاعدة النزاهة عند نقل الصحفي الوقائع والتصريحات والآراء بأمانة وحيادية بعيداً عن الانحياز والمصلحة الشخصية وغيرها من الأساليب التي من شأنها تحريف الحقيقة وخداع الجمهور لخدمة أجندة معينة أو رؤية خاصة تؤدي إلى تشويه الرسالة السامية للعمل الإعلامي في خدمة المجتمع وقضاياه.
وقد حدّدت مدونة السلوك مجموعة من الحالات التي من شأنها أن تترك أثراً سلبياً على العمل الإعلامي فيما لو تم تجاوزها أو الوقوع فيها من قبل الإعلاميين السوريين والمؤسسات الإعلامية وهي على سبيل المثال لا الحصر تتعلق بمسألة قبول الهدايا والمكافآت والعمولات التي تتجاوز قيمتها 10$ أمريكي من أصحاب المصلحة في تغطية حدث ما أو تسليط الضوء على قضية معينة والتي تعتبر من صميم أداء مهامهم ووظيفتهم.
وفي سياق آخر أيضاً تحظر المدونة على الصحفيين تقديم الرشاوي والهدايا والوعود بتقديم امتيازات في سبيل الحصول على المعلومة أو تسجيل المقابلات والحصول على التصريحات، لما من شأنه أن يحوّل العمل الإعلامي إلى سوق مساومة ويفتح الباب أمام حالات ابتزاز رخيص ينسف جوهر الخدمة الإعلامية ويفقدها عنصر الثقة في المحتوى والدور المناط بها في سلسلة التكامل الاجتماعي مع قطاعات وفئات المجتمع الأخرى.
وعن أهمية هذه النقطة في مدونة السلوك حدثنا الصحفي محمد محمد ديب وهو طالب في كلية الإعلام عن معيار النزاهة وأهميته في النشاط الإعلامي قائلاً: النزاهة هي الجسر الذي تعبر من خلاله المعلومة إلى الجمهور وبقدر ثقة هذا الجمهور بهذا الجسر الذي يصلها مع المؤسسة أو الصحفي فإن التفاعل معها يكون إيجابياً وسريعاً وهو ما يعزز رقابة المجتمع على نفسه وعلى السلطات ويخلق جواً من الشفافية المجتمعية ركيزتها الأساسية الأمانة في أداء المؤسسة أو الصحفي لمهمته، وفقدان هذا المعيار من شأنه أن يترك أثراً مدمراً في النسيج الاجتماعي على مختلف الأصعدة على مبدأ أحجار الدومينو حيث يبدأ الانهيار من لحظة انتهاك أو خرق مبدأ النزاهة في الدوائر الإعلامية إلى باقي الشرائح الاجتماعية والمهنية.
كما نصت مدونة السلوك على عدم جواز استغلال الصحفي لعمله لتحقيق مكاسب أو امتيازات مهما كان نوعها حيث يتعرض الإعلامي أو قد يقبل البعض تحقيق منفعة شخصية على حساب القيام بعمل ما أو الامتناع عنه لمصلحة جهة أخرى وهو ما ينسف مبدأ الشفافية في العمل ويسيء لمهنة الإعلام قبل سمعة الصحفي الشخصية.
وقد علق على ذلك الأستاذ عبدالحميد حاج محمد صحفي وعضو الإعلاميين السوريين: إن الاستغلال الخاص لتحقيق مصلحة على حساب أداء المهمة الإعلامية هو أقرب إلى إساءة استعمال السلطة كون الصحافة هي السلطة الرابعة و أصحاب المصلحة فيها هم الجمهور الذي يملك الحق في الحصول على معلومة دقيقة وشفافة لا يشوبها فساد الأنا فالشأن العام هو محور اهتمام وسائل الإعلام و كوادرها والحفاظ على مسلك خطابها بعيداً عن الشبهات هو مصلحة عامة لما يمكن أن تسببه من خلل في العقد الاجتماعي الأخلاقي و الفكري للمنظومة المجتمعية تُسبب حالة من فقدان الثقة مع وسائل الإعلام.
من جهة أخرى أفردت الفقرة 12 من مدونة السلوك المهني والأخلاقي بنوداً خاصة للمسؤولية اتجاه الأطفال من احترام كرامة الطفل و الاهتمام بحقه في الخصوصية و الحصول من المسؤولين عن رعايته على موافقة مشاركته الإعلامية، وما يترتب عن ذلك من آثار واعتماد معيار المصلحة الفضلى للطفل في كشف هويته واسمه و صورته وعن ذلك حدثنا الأستاذ بلال خليفة مستشار في حماية الطفل والتعليم قائلاً: المصلحة الفضلى للطفل في الحقل الإعلامي لا تختلف عن غيرها من المواقف و الظروف الأخرى باعتبار مصلحة الطفل فوق كل اعتبار وذات أولوية وأفضلية في جميع الظروف ومهما كانت مصالح الأطراف الأخرى وإعطاء الطفل حق تقدير مصلحته والتعبير عنها، وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، ويجب تقدير وموازنة جميع العناصر اللازمة لاتخاذ قرار في موقف محدد بخصوص طفل معين أو مجموعة من الأطفال لتقييم مصالح الطفل الفضلى خلال مشاركته في أي منتج إعلامي بحيث تكون مصلحته المادية والمعنوية والنفسية و سلامته هي الأعلى و الأهم من مخرجات وثمار هذا المنتج.
كما شملت بنود الفقرة عدداً من المطالب والمحظورات التي من شأنها أن تُعنى بسلامة الطفل النفسية والجسدية عند مشاركته الإعلامية من قبيل عدم طلب تقديم العروض التمثيلة وتوفير الحماية من الأذى أو العقوبة وعدم التمييز وكذلك عم إضافة المزيد من الوصم الاجتماعي لأي طفل وتأمين مكان مريح وآمن للطفل خلال مشاركته الإعلامية.
وحول ذلك أضافت السيدة بدور الأسعد عضو فريق حماية طفل في إحدى المنظمات المحلية أن الأطفال السوريين بعد كارثة الحرب والزلزال باتوا الحلقة الأضعف في المجتمعات المحلية ولا يزال البعض منهم يحتفظ أو يشاهد على قنوات السوشيال ميديا لحظات انتشاله أو انتشال أحبائه من تحت الأنقاض بسبب القصف أو انهيار المنازل بسبب زلزال 6 شباط، وتسبب بعض المشاهد غير المهنية للأسف والتي قد لا تكون مقصودة حالات من العقد والأمراض النفسية الكارثية على شخصية الطفل وتكوينه ومن هذه الحالة المختصرة لكثير من الحالات المعقدة التي تسببها التغطية الإعلامية الاعتباطية تبرز أهمية هذه المدونة في حفظ سلامة مستقبلنا و صحة أطفالنا بل إن هذه المعايير الناظمة للعمل الإعلامي بمجملها تشكل مظلة أخلاقية و مهنية كون الطفل في وقتنا الحال يقضي وقت لا بأس فيه على منصات التواصل الاجتماعي شئنا أم أبينا” .
Really clear site, appreciate it for this post.