ومن نافل القول إن المشهد الدولي والإقليمي في المنطقة سيتغير، بعد التوصل إلى حل لأزمة الملف النووي الإيراني، والمؤكد أن التغيير سيطال حتى التوازنات التي تحكم عمل النظام الإيراني. فإضافة إلى أن ظروفاً موضوعية حكمت مسار المفاوضات، أخيراً، كالحاجة إلى فرض رقابة على برنامج إيران النووي (بالنسبة لمجموعة 5الاربعاء 8-4-20151) أو إلغاء العقوبات (بالنسبة لإيران)، أسهم عاملان آخران في تسريع وتيرة المفاوضات، وربما فرضا نفسيهما على المفاوضين، لتضييق شقة الخلافات. تدهور صحة المرشد الأعلى للثورة في إيران، علي خامنئي. واقتراب ولاية الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الثانية من سنتها الرابعة، والتي يتحول فيها الرئيس إلى “بطة عرجاء”. ويتضاعف القلق الأميركي بسبب الوضع الصحي لخامنئي، لأن مستقبل الحكم في إيران بعده لا يزال غامضاً. ومنذ دخوله البيت الأبيض في 2009، استثمر أوباما رأسمالاً سياسياً باهظاً، في بناء صلات ووشائج وتعزيزها مع خامنئي، بغية التوصل إلى خاتمة للمفاوضات النووية. ووفاة الرجل العليل، قبل التوصل إلى الاتفاق، قد تضيّع فرصة تاريخية لأوباما، من أجل استئناف العلاقات بين البلدين، خصوصاً أن أي خليفة لخامنئي لن يتمتع بنفوذ سلفه لفرض الاتفاق، وقد يختار المزايدة والتشدد في الملف النووي، من أجل تعزيز وضعه الداخلي وكشف خصومه.
ويدرك خامنئي، ولا شك، أهمية الصفقة النووية في تهيئة الأجواء المناسبة لانتقال السلطة في بلاده، وحفظ مكاسب بلاده الإقليمية المتحققة، بعد ثلاثة عقود من الصراع مع واشنطن ودول المنطقة. وفي المقابل، تعلم الإدارة الأميركية أن خامنئي، وإن بارك الاتفاق النووي ووقعه، لن يعمر طويلاً ليتابع تنفيذه. لذلك، فهي مهتمة بخليفته أيضاً. (وحتى أوباما سيوقع على الاتفاق، بينما سيتولى تطبيقه خليفته).مخطط خامنئي
ويبدو أن خامنئي يعمل، حالياً، وفقاً لمخطط من ثلاث شعب، متصلة ببعضها، بشكل لا فكاك منه. الأولى، إعادة ترتيب موازين القوى بين الفصائل الإيرانية، استعداداً للحظتي التوقيع النهائي على الاتفاق النووي، بعد التوصل على اتفاق الإطار في لوزان الأسبوع الماضي، وانتقال السلطة. الثانية، مواصلة المفاوضات مع واشنطن والقوى الكبرى، بهدف التوصل إلى صفقة نووية، تقبل إيران، بمقتضاها، تجميد برنامجها النووي عند العتبة، في مقابل رفع العقوبات عنها. الشعبة الثالثة، الإشراف على تحركات الحرس الثوري في المنطقة، والتي من شأنها رسم الخطوط العريضة للنظام الإقليمي الجديد، كما تريده طهران. ولتعاظم دور الحرس الخارجي ميزة إضافية، إذ إنه يسهل مساعي المرشد، لإعادة ترتيب البيت الداخلي الإيراني عشية استحقاقي التوقيع والانتقال.
من ذلك، انتخاب آية الله مصباح يزيدي (محافظ متشدد) رئيساً لمجلس خبراء القيادة، متجاوزاً منافسه هاشمي رفسنجاني (العدو اللدود لخامئني). وقد عقدت هذه الانتخابات، بعد مضي أكثر من مائة يوم على شغور المنصب. ويبدو أن إجراءها ارتبط بالتقدم الذي حققته المفاوضات النووية، كما أن المجلس يتمتع بأهمية قصوى في عملية الانتقال التي ستشهدها إيران، لأنه المخول باختيار المرشد ومراقبة أعماله.
وعيّن خامنئي أحد جنرالات الحرس الثوري رئيساً للشرطة الإيرانية، في إشارة منه إلى ثقته في الحرس، لضمان الأمن في الداخل، بعد أن أوكل إليه ضمان مصالح إيران في الخارج. وبينما كان خامنئي منهمكاً في المفاوضات النووية وترتيب الموازين الداخلية، كانت الفصائل الإيرانية، أيضاً، قد بدأت بإعادة تموضع سياسية، لكي تواجه استحقاقات المرحلة المقبلة.
فوضى التصريحات
ولأن الاتفاق النووي سيترافق مع تطبيع العلاقات بين إيران والولايات المتحدة “الشيطان الأكبر”، فإن جانباً كبيراً من أيديولوجية النظام في طهران سيتناقض وأجواء المرحلة التالية على الاتفاق. واستباقاً لذلك، أدخلت القوى الحاملة لواء العداء لأميركا وإسرائيل (المحافظون المتشددون والحرس الثوري) تعديلات على خطابها السياسي، لكي يتناسب ومتطلبات تلك المرحلة. وازداد مأزق القوى المحافظة والمتشددة في النظام الإيراني حرجاً، لأن الرئيس حسن روحاني، ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، سيسحبان البساط من تحت أقدامها إذا ما توصلا إلى الاتفاق النووي، وعندها سيحصدان مزيداً من الشعبية بين الإيرانيين. وللأمر أهميته الشديدة، بسبب اقتراب اللحظة الانتقالية في إيران. لذلك، تبنت تلك القوى خطاب العداء للتكفيريين في المنطقة، إضافة إلى رعايتها القديمة التمدد الإيراني، لعلّها بذلك تؤسس نفسها من جديد أمام الإيرانيين.
“بينما كان خامنئي منهمكاً في المفاوضات النووية وترتيب الموازين الداخلية، كانت الفصائل الإيرانية، أيضاً، قد بدأت بإعادة تموضع سياسية، لكي تواجه استحقاقات المرحلة المقبلة“
وضمن هذا السياق، تخلت طهران عن تحفظها التقليدي على إعلان تحركات جنرالاتها وقواتها في سورية والعراق. وتحول قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، الجنرال قاسم سليماني، إلى “نجم” يكثر التقاط التسجيلات والصور له في أثناء تنقله بين جبهات القتال، وغدا الرجل الأكثر شعبيةً في إيران، متفوقاً على روحاني ورئيس دبلوماسيته ظريف. وصب صعود سليماني “الإعلامي” في صالح التيارات المتشددة التي كان من الممكن أن تكون الخاسر الأكبر، مع اقتراب عقد الصفقة النووية. ومن الأفضل فهم “فوضى” تصريحات المسؤولين الإيرانيين، أخيراً، وخصوصاً الجنرالات في الحرس الثوري، في سياق المنافسة الداخلية بين الفصائل الإيرانية أساساً، على الرغم من انعكاساتها الإقليمية.
ولكي تجاري جماعة روحاني التحولات الجارية في النظام، لجأت إلى تبني الخطاب الإقليمي للقوى المتشددة. ومن هنا، جاءت تصريحات مستشار الرئيس للشؤون الدينية والأقليات، علي يونسي، عن عودة الإمبراطورية الفارسية وعاصمتها بغداد، والتصدي ل “الوهابية والهيمنة العثمانية“.
الوضع الإقليمي
أخذت قوى دولية وإقليمية تعيد حساباتها مع بروز مؤشرات التقارب الأميركي الإيراني. فروسيا وألمانيا وفرنسا أقلقها شهر العسل الإيراني الأميركي، واحتمال أن تنفرد واشنطن والشركات الأميركية بالصفقات التجارية مع إيران، عقب رفع العقوبات عنها، بموجب الصفقة النووية. كما أن تركيا ودول الخليج، كالسعودية وقطر، وحتى باكستان ومصر والمعارضة السورية، بل وأيضاً نظام الأسد، قلقة جميعها من الانعكاسات الإقليمية للاتفاق النووي الإيراني المقبل.
وجاءت التصريحات الإيرانية الكثيرة لتصب مزيداً من الزيت على نار القلق لدى الأطراف الإقليمية، فالحرس الثوري يحرض ضد السعودية ويهين (على الأرجح من دون أن يشعر) نظام الأسد، ومستشار روحاني يحرج حلفاء بلاده العراقيين، ويفتح النار على تركيا “العثمانية” و”الحاسدة”. واحتاج الأمر إلى إرسال أموال للنظام السوري لتهدئة خواطره، وإيفاد رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني إلى الدوحة لنقل رسائل تهدئة إلى أنقرة. إلا أن موجة القلق الإقليمي لم تهدأ، لأن الأمر غير مرتبط بتصريحات عدائية يمكن معالجتها بالطرق الدبلوماسية، بل يتعلق بالتحركات الإيرانية في المنطقة، من سورية والعراق إلى اليمن والخليج.
ولما غدت القوى الكبرى تواجه احتمال التقارب الإيراني الأميركي، عملت، أخيراً، على تعزيز علاقاتها مع الدول الإقليمية الأخرى، وبدا أن سورية هي الساحة الملائمة للحد من تداعيات أي اتفاق إيراني أميركي. وعليه، لاح في أفق الشرق الأوسط تقارب بين دول وازنة في الاتحاد الأوروبي، وكلّ من تركيا وقطر والسعودية، بهدف احتواء تداعيات الاتفاق النووي من الساحة السورية، حتى أن روسيا أخذت تتلمس الطريق نحو مزيد من المرونة في سياستها السورية، خوفاً من تفاهم أميركي إيراني يحد من تأثيرها الشرق الأوسطي.
الرؤية الأميركية
بالنسبة لإدارة أوباما، تعد الصفقة النووية (أي العلاقات الطبيعية مع طهران) وأمن إسرائيل والعراق، أهم المصالح التي تدافع عنها، وتهتم بأمرها في ترتيبات النظام الإقليمي الناشئ. وتأتي محاربة “الإرهاب” وضمان الاستقرار في النسق الثاني من الرؤية الأميركية للمنطقة. وقد أضعف الربيع العربي الدول العربية الأساسية (مصر وسورية)، واندفعت تركيا وراء سياسة “عثمانية”، استندت إلى النزعة الإسلامية في المنطقة وغذتها، الأمر الذي لم يستطع النظام الدولي تحمله. واعتبرت واشنطن أن الربيع العربي عزز نفوذ المتطرفين في المنطقة (دق مقتل السفير الأميركي في ليبيا في صيف 2012 ناقوس الخطر في الولايات المتحدة، بخصوص تمدد نفوذ القاعدة في الفراغ العربي). ورأت الإدارة الأميركية في هذه الأوضاع فرصة للتعاون مع طهران، لضبط الوضع الإقليمي المنهار. وتعزز هذا الاتجاه، عقب اجتياح داعش الموصل.
وينشد الأميركيون إقامة نظام إقليمي يتوازن (أو لنقل يتصارع) فيه الشيعة والسنة، الخليج وإيران وتركيا، وتكون بيضة القبان فيه الولايات المتحدة. يستند النفوذ الأميركي في هذا النظام على قواعد (الأردن ومصر والخليج) لإدارة التوازن المعقد بين المسلمين المتخاصمين. وتقسيم كهذا يستدعي، بالضرورة، أن تكون حصة إيران وازنة في المنطقة (في العراق وسورية خصوصاً)، على الرغم من عدم استنادها إلى أي مبرر، باستثناء نشاط الحرس الثوري والمليشيات التي يدربها.
“عيّن خامنئي أحد جنرالات الحرس الثوري رئيساً للشرطة الإيرانية، في إشارة منه إلى ثقته في الحرس، لضمان الأمن في الداخل“
وبشأن سورية، لا تستحق في التفكير الأميركي أي وزن، لأنها لا تمثل بذاتها أي مصلحة أمن قومي أميركي. وكانت واشنطن، بل ظلت وربما ستظل، تتعاطى مع سورية، من خلال ارتباطها بمصالح أميركا الراسخة في المنطقة، كأمن إسرائيل أو استقرار الأردن أو أمن النفط. وخلال الثورة، من بوابة المفاوضات مع إيران، ومكافحة تنظيمي داعش والقاعدة.
أبعد من ذلك، باتت زعزعة نظام الأسد “خطاً أحمر” بالنسبة لواشنطن، ليس فقط لأنها تتفاوض مع إيران حول النووي والترتيبات الإقليمية ومواجهة داعش، بل لأن استراتيجيتها انقلبت إلى أولوية الاستقرار في المنطقة. وحتى وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز، كانت تركيا معزولة إقليمياً في الدعوة إلى توسيع التحالف الدولي لمواجهة تنظيم داعش والنظام معاً. لكن ارتقاء سلمان العرش أنعش أنقرة وأقلق واشنطن. ولتستبق الأخيرة احتمالات المشاغبة من دول المنطقة على السياسة الأميركية، سواء تجاه داعش أو إيران، خرج كيري، الذي حضر لتوه مؤتمر شرم الشيخ لدعم عبد الفتاح السيسي، بتصريحه “الفج”عن حتمية التفاوض مع الأسد. وعلى الأرجح، كان التصريح رسالة لتركيا التي تعاملت معه على هذا الأساس.
وهكذا، باتت إيران التي تدعم الأسد في سورية وحيدر العبادي في العراق حليفاً بموجب الاستراتيجية الأميركية، بينما بات منافسوها الإقليميون خصوماً لهذه الاستراتيجية، ينبغي الضغط عليهم.
الرؤية الروسية
يعتقد الروس أن إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط ترتبط بصميم مصالح الأمن القومي لبلادهم. وأخيراً، كشفوا عن رؤيتهم الحقيقية للصراع الدائر في المنطقة. ووفقاً لهم، الصراع الدائر داخل العالم الإسلامي هو صراع على زعامته، تتنازعه كلّ من تركيا وإيران والسعودية.
وقبل سنوات، هددت ثورات الربيع العربي بقصم نفوذ إيران الإقليمي، وصعود نفوذي السعودية وتركيا، وهما قوتان يرتاب الكرملين بسياساتهما “الإسلامية” في آسيا الوسطى. وبطبيعة الحال، لا ينسى الكرملين الدور الذي لعبته الرياض وأنقرة في حربي الشيشان ويوغوسلافيا. وبروز السعودية وتركيا قوتين مهيمنتين في الشرق الأوسط سيجعل روسيا غير قادرة على التصدي لهما على تخومها في آسيا الوسطى والقوقاز.
ويتوخى الكرملين في سياسته حيال تركيا والسعودية، دعم إيران والأقليات الإسلامية والعرقية، أوراقاً للضغط، والرد على استخدام هاتين القوتين الدولتين ورقة الأقليات المسلمة في روسيا نفسها و”جوارها القريب“.
وللجيوسياسة ثقلها فيما يتعلق برؤية موسكو طهران. فالكرملين يولي اهتماماً خاصاً لإيران ذات الموقع الحساس على أحد أهم المحاور الجيوسياسية في الكرة الأرضية (حافة قلب العالم، وفقاً للمنظّر الجيوسياسي الأميركي، نيكولاي سبيكمان)، ويحرص على دعمها في مواجهة الضغوط والإغراءات الأميركية، حتى لا تسقط في فلك الولايات المتحدة، كما كان الحال أيام حكم الشاه رضا بهلوي. وقد يشكل الاتفاق النووي الإيراني مدخلاً لعودة العلاقات بين طهران وواشنطن إلى سابق عهدها. وهو احتمال يقلق الكرملين، ويفسر دبلوماسيته تجاه المنطقة أخيراً.
واستنكفت الدبلوماسية الروسية، وهي ترتب للقاء “موسكو 2″، عن آلية المشاورات مع النظام، والتي اتبعتها إبان التحضير لمنتدى “موسكو 1”. ويبدو أنها تتواصل، مع نظيرتيها الأميركية والمصرية، لترتيب حل للأزمة السورية، يحد من أدوار إيران وقطر وتركيا.
رؤية أوروبية للشرق الأوسط؟
لا توجد استراتيجية أوروبية موحدة حيال المنطقة، على الرغم من محاولة الأوروبيين التوصل إلى هكذا استراتيجية. فلدى كلّ من البريطانيين والفرنسيين والألمان والإيطاليين والإسبانيين استراتيجيات متناقضة، ويمكن القول إنها متصارعة، حول شؤون المنطقة، وسورية في القلب منها.
فالدول جنوب أوروبا (اليونان وإيطاليا وإسبانيا)، تتبنى سياسةً، قوامها استعادة الاستقرار في الشرق الأوسط. لذلك، هذه الدول أقرب، في مقاربتها، لأزمات المنطقة (السورية منها خصوصاً) إلى روسيا من شركائها في الاتحاد الأوروبي، كبريطانيا وفرنسا اللتين وجدتا في نية إدارة أوباما إعادة تشكيل الموقف الأميركي في الشرق الأوسط فرصة من أجل تحسين نفوذها في المنطقة. وعليه، قررتا مسايرة الربيع العربي، للعودة إلى مواقعهما القديمة في المنطقة. وعززتا علاقاتهما بدول الخليج في سبيل ذلك.
“تعلم الإدارة الأميركية أن خامنئي، وإن بارك الاتفاق النووي ووقعه، لن يعمر طويلاً ليتابع تنفيذه“
وقد تكون لندن وباريس متفقتين في استراتيجيتهما، إلا أن بينهما اختلافات كبيرة، فباريس تعرّف إيران بوصفها أكبر خطر على مصالحها التقليدية في سورية ولبنان. من أجل ذلك، لعبت الدبلوماسية الفرنسية دوراً متشدداً للغاية في مفاوضات (5الاربعاء 8-4-20151) مع إيران، لأنها لم تستطع ضمان مصالحها في الهلال الخصيب، قبل التوصل إلى اتفاق مع إيران. في المقابل، تدرك لندن التي كانت الشريك الأكبر في اتفاقية “سايكس بيكو” المتغيرات العميقة التي طرأت على معادلات المنطقة وتوازناتها في السنوات المائة الماضية.
فالشيعة الذين استُبعدوا بالمطلق عن مواقع السلطة في الدول المتشكلة بموجب “سايكس بيكو”، باتوا العامل الرئيسي في سياسات العراق ولبنان، في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين. وبالنسبة لسورية، فإن العلويين الذين فقدوا كل امتيازاتهم مع انهيار الانتداب الفرنسي، أواسط القرن العشرين، احتلوا فيما بعد، وما زالوا، الموقع الرئيسي في السلطة في دمشق.
وتعلم لندن أن إيران التي عزلت عن شؤون المنطقة، لوقوعها تحت النفوذ البريطاني، باتت الدولة المفتاحية في سياسات الشرق الأوسط، سواء لما جنته من نفوذ في السنوات الثلاثين الماضية، أو بسبب رغبة أوباما الشديدة في التفاهم معها. هذه العوامل جعلت بريطانيا تستعيد علاقاتها مع إيران.
وتنفرد ألمانيا بموقف فريد داخل الاتحاد الأوروبي، من النظام الإقليمي المتشكل في المنطقة. وكانت هذه القوة، وإلى عهد قريب، تبني استراتيجيتها على لعب دور الوسيط في المنطقة، موجهةً كل تركيزها نحو القضايا الأوروبية. ويتطلب التقارب الأميركي الإيراني، والنزاع مع روسيا حول الأزمة الأوكرانية، من برلين إعادة النظر في استراتيجيتها الشرق الأوسطية، إلا أن ألمانيا، التي تقدم الدعم، سراً وعلناً، للأكراد على طول المنطقة وعرضها، بذريعة داعش وغيرها، تبقى متربصة بالتحركات التركية في الشرق الأوسط. وعقب سقوط الموصل، طرحت برلين خطة لتهدئة التوتر بين تركيا والسعودية وإيران، من أجل حشد الجهود الإقليمية لمواجهة داعش. وهي، إلى ذلك، تدعو إلى الحوار مع النظام والأسد، من أجل إنهاء الأزمة السورية.