أثبتت المرأة السورية خلال سنوات الحرب الماضية قوتها وعزم إرادتها على الصمود والتكيف مع تقلبات الحياة والظروف القاسية التي أجبرت على خوضها، كونها الضحية الأكثر تضررا من النزاعات الدائرة في البلاد، فكانت الأم والأب والأخت والمعيل والطبيبة وغيرها من الأدوار التي لعبتها في نفس الوقت.
“ملكات سوريا”، عمل مسرحي عرض مؤخرا في العاصمة البريطانية لندن، ومن اسم العمل يمكننا أن نستشفي مضمونه، إذ يعرض لنا تجارب ثلاثة عشر لاجئة سورية من خلال معالجة العمل الإغريقي “نساء طروادة” لليوناني “بوربيدس” بما يتماشى مع حياة النساء في الحروب وواقع معاناتهن مع إسقاط الزمن التاريخي فيها.
ويعتبر “ملكات سوريا” أول عمل مسرحي مترجم ويقدم للجمهور البريطاني ويهدف لتصوير الواقع الذي تعيشه تلك النسوة بمختلف حالات اللجوء، ويقدم آثار النزاعات عليهن والجرائم في حقوق الإنسان، والوصول لقلب المتلقي كون المسرح من الفنون الأصيلة الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالواقع ويعتمد على الصورة التي تضج بالحركة والحياة.
وملكات سوريا هن في الأصل لاجئات في الأردن، وليس لهن أدنى صلة بالتمثيل أو الفن، ولم يكن هدفهن الشهرة أو خوض طريق الفن، بل جل همهن نقل واقعهن للغرب لتتضح الصورة وتكشف الملابسات التي كثيرا ماتحدث وبالأخص في حياة اللاجئات في المخيمات.
“شام” ممثلة في العرض وهي صيدلانية لديها أربعة أولاد من دمشق أجبرت على ترك بلادها بحثا لاعن الأمان وهربا من الحرب برفقة زوجها المهندس المعماري، لتجد نفسها بدون عمل بدون مال وبدون مأوى مع عائلتها.
وعن اللغة التي تتحدث بها المشاركات تقول ريم لبي بي سي “ربما لا يتحدث جميعنا الإنجليزية، ولكن يمكن فهمنا من خلال لغة المسرح الدولية فالناس بحاجة لفهم أننا ناس مثلهم، كانت لدينا بيوت وعائلات وشوارع وأحياء وجامعات، وفقدنا كل ذلك بسبب الحرب”. وتأمل ريم في أن تساعد المسرحية في مكافحة سوء الفهم بأن الناس الذين يعيشون في المخيمات “ليسوا متعلمين أو عاملين”.
وتضيف قائلة “كنت أدرس الهندسة بجامعة دمشق، ولقد أجبرت على مغادرة سوريا بسبب الحرب، وفي الأردن، لم يكن لدي أوراق رسمية ولا عمل، وكان ذلك حال أبي، وهو محامٍ، فقد كل شيء، إذ احترق مكتبه”.
وليس بأمر سهل أن تخرج تلك اللاجئات أمام الناس وتعبرن عن معاناتهن الإنسانية بعد استحضارها في ذواكرهن فقد مضى على لجوئهن أكثر من ثلاثة أعوام، إلا أن الجرح مازال ينزف كلما عاد بهن الزمن إلى الوراء وتذكروا بيوتهن وأحلامهن التي فقدوها لحظة مغادرة بلدهن سوريا.
لطالما كان المسرح فنا يعطي مساحة واسعة من الصفاء والنقاء ويقدم صورة يصعب على باقي الفنون نقلها بمستوى مصداقيته، ومن خلال المسرح تجسدت أعمال كثيرة تحدثت عن معاناة السوريين سواء داخل بلدهم أو في مخيمات اللجوء، عل أصوات “ملكات سوريا” تلقى آذانا صاغية ويلتفت إليها العالم ليدرك حجمها ومدى صبرهن، ومهما حصل سيبقين نساء سوريا ملكات بأخلاقهن وابتساماتهن التي تعطي أملا في زمن الحرب.
المركز الصحفي السوري _ سماح الخالد