ازدادت الأزمة السورية تعقيداً إلى درجة بعيدة، حتى كادت ظروفها وشروطها توحي بأن لا حل لها، خاصة أنها تتعلق بنيوياً بالظروف الداخلية وصراعات التيارات السياسية والمذهبية والطائفية السورية، كما تتعلق بالظروف الإقليمية والدولية، إلى درجة أن أي لقاء بين قائدين أو سياسيين أو زعيمين أو مؤتمر أو ندوة يقتضي التعرض للأزمة السورية وإبداء الرأي فيها. فأخذ كل من سياسيي العالم يُدلي بدلوه ويقدم عروضاً ومقترحات لحل الأزمة، وأحياناً من دون أن يعرف أبعادها أو معطياتها أو حاجات الشعب السوري، ومن دون احترام حقوقه ورأيه. كما أن السلطة السورية وفصائل المعارضة المتعددة أخذت تنظر إلى الأزمة وحلولها من خلال علاقة كل منها بحلفائها وداعميها وأحياناً مصالحها التنظيمية، على حساب بقية الشعب السوري البائس الذي ليس لديه أن يريد أو لا يريد. وهذا ما نلاحظه بجلاء لدى تصفح محادثات السلطة مع حلفائها ومقررات مؤتمرات المعارضة السورية وانتظارها جميعها التصريحات التي تصدر من الخارج وعنفها بعضها ضد البعض الآخر. حتى أصبحت الشروخ بين مواقف المعارضة والموالاة عميقة جداً، وبين هذين والشريحة الصامتة من الشعب السوري أكثر عمقاً. ولم يعد بإمكان أحد من فئات الموالاة أو المعارضة لديه الرغبة بالسماع حتى باسم الآخر أو الإصغاء لمطالبه أو تفهّم مصالحه. أما الشريحة الصامتة (المنطقة الرمادية) فلا تعرف أين تضع قدمها، لأنها لم تر مشروعاً كافياً شافياً لحل الأزمة بأسلوب واقعي، يخلق الثقة المتبادلة بين الجميع ويعطي تصوراً واضحاً لسوريا المستقبل، ويحقق الديموقراطية والتعددية والعدالة والمساواة والمشاركة وتكافؤ الفرص، وبعض هذه الأكثرية الرمادية ينتظر أن يغلب فريق ليكون مع مَن غلب.
لم يخطر ببال السلطة مثلاً أن تبادر هي بنفسها للدعوة إلى مؤتمر وطني عام شامل يضم مختلف الفئات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية السورية ومنظمات المجتمع المدني والأهلي ورجال الدين المتنورين، بحيث يُكلّف مهمة مناقشة واقع البلاد ومستقبلها والأساليب اللازمة لتحقيق كرامة المواطن وأمنه وحريته ونظامه الديموقراطي، ذلك أن السلطة السورية ما زالت تعيش في وهم إمكانية الانتصار العسكري، وربما لا تؤمن أساساً بأساليب جماهيرية كهذه لحل المشكلات المعقدة. وبديهي أن هذا النصر العسكري المأمول بعيد المنال. ولم ينتج عن سياسة النظام هذه حتى الآن سوى الاستمرار بدمار البلاد وإفقارها اقتصادياً، وقتل شعبها وتشريده، والتسبب بمزيد من المصاعب والأزمات لشعبها، وزيادة الأحقاد والشروخ في مختلف مجالات الحياة.
ومن طرف آخر، لم يخطر ببال فصائل المعارضة في الغالب الأعم الدعوة لمثل هذا المؤتمر الوطني الجامع (وهو ليس مؤتمراً وطنياً معارضاً فقط) يبحث الأمور نفسها التي تحدثنا عنها آنفاً، ويعقد اللقاء بين فئات الشعب السوري المختلفة، تمهيداً لبدء عملية بناء الثقة بينها ولإقامة سوريا جديدة، وإنهاء مأساة الشعب السوري التي لم يعد يحتملها، لا هو ولا دول الإقليم ولا حتى الأوساط الدولية العالمية.
من البديهي أن لا تعمل الدول الأخرى لمثل هذا الحل لأنها تبحث عن مصالحها الذاتية ولا تعطي سوى اهتمام ثانوي لمصالح الشعب السوري. ولذلك تسارع هذه الدول إلى عقد مؤتمرات سواء للمعارضة أم للمعارضة والموالاة تحت رعايتها، وهي مؤتمرات تنحو نحو الهدنة والتسوية الطارئة (غير التاريخية) التي تفيد الدولة الراعية بالدرجة الأولى. هكذا تستمر الأزمة وتزداد تعقيداً، والحل، مع الأسف، يعرفه الجميع ويعرفون أنهم قادرون عليه.
إن تاريخ الشعب السوري وتاريخ الحراك السياسي في المجتمع السوري، والنشاط السياسي الخلاّق الذي قام به طوال عقد بعد الاستقلال، وثقافته العميقة وتجاربه الغنية، تشير جميعها إلى أنه قادر على إيجاد الحلول لأزمته بنفسه، لولا أن أصبحت البلاد مستباحة لمن هبّ ودبّ، والسلطة السياسية ومعظم أطراف المعارضة مرتهنة لحلفائها، ما وضع غشاء أمام أعين هؤلاء وربما أعماهم عن الحل.
من الطبيعي وجود صعوبات عديدة وكبيرة أمام عقد مؤتمر وطني سوري جامع، ذلك أن مثل هذا المؤتمر يقتضي اقتناع السلطة به واقتناع فصائل المعارضة وتياراتها ومبادرة الشريحة الصامتة وزيادة ضغطها باتجاه عقده، واقتناع الحلفاء الإقليميين والدوليين بضرورة الوصول إلى حل. وهذه شروط صعبة من دون شك، وقد يكون تفكيكها أصعب من تفكيك الأزمة نفسها، إلا أن مثل هذا المؤتمر الوطني الجامع يقضي بتذليل الصعوبات باعتباره الحل الشامل والعميق لأزمة شاملة وعميقة، إلا إذا أراد أهل الحل الوصول إلى حل مؤقت كيفما كان، ربما يدوم بضع سنين وتعود الأمور إلى ما كانت عليه.
من البديهي أن الخطوات الأولى المتمثلة باختيار المؤتمرين ووضع جدول أعمال شامل وقبول الناس بتمثيلهم والتخلص من المحاصصة هي أمور صعبة التحقيق، ولكن لا يمكن في مثل هذه الحالات إلا الاجتهاد هنا وهناك للخروج بما يمثل نسبياً مصالح جميع الفئات حتى لو لم يكن التمثيل متوازياً. فالمهم في مثل هذه الحالات هو عقد المؤتمر ووضع جدول أعماله والتوصل إلى ثقة متبادلة وقبول وإقرار هيكلية جديدة للدولة ومستقبل لسوريا، وعندها يمكن اختيار مجلس وطني أقرب إلى التمثيل الصحيح ووضع دستور جديد واستكمال مؤسسات الدولة وسلطاتها والتراضي بين الجميع على المستقبل المنشود.
لقد ورد عرضاً في كلمات مشاركين في أكثر من مؤتمر للمعارضة السورية، المطالبة بعقد مثل هذا المؤتمر الوطني الجامع، ولكن لم نشهد تبنيّاً لها في أي مؤتمر، إما لأن الظروف الموضوعية لم تنضج بعد أو لأن أصحاب المصالح لا يريدون هذا الحل. وكان قد عُرض على النظام منذ الشهور الأولى للانتفاضة أن يبادر إلى عقد مؤتمر وطني جامع في إطار ما ذكرت، ولم يكن العنف قد استخدم بعد، فوافق النظام لأيام عدة لكنه تراجع عن موافقته وأرفقها بتصريحات لأهل النظام أن الانتفاضة انتهت (الأزمة خلصت) ما يؤكد قناعة النظام بإمكانية انتصاره العسكري في ذلك الوقت. ومن حينها، لم يغير النظام موقفه قيد أنملة، رغم الدمار واتساع الفجوة بين فئات الشعب والخسائر البشرية والمالية وغرق سوريا في مستنقع من التقاتل، ووصول المجتمع السوري إلى قيم جديدة وشروط حياة وعلاقات مختلفة بين فئاته، هي على العموم أكثر سلبية مما كانت عليه في أي مرحلة تاريخية سابقة.
بالتأكيد، مازالت إمكانية عقد مثل هذا المؤتمر الوطني الجامع قائمة، وما زالت الفرصة مفتوحة أمام السلطة والمعارضة وحلفائهما لتبني مثل هذا الحل، والمباشرة بإنهاء الأزمة التي طالت أكثر مما يحتمل الشعب السوري أو أي شعب آخر.
لم يخطر ببال السلطة مثلاً أن تبادر هي بنفسها للدعوة إلى مؤتمر وطني عام شامل يضم مختلف الفئات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية السورية ومنظمات المجتمع المدني والأهلي ورجال الدين المتنورين، بحيث يُكلّف مهمة مناقشة واقع البلاد ومستقبلها والأساليب اللازمة لتحقيق كرامة المواطن وأمنه وحريته ونظامه الديموقراطي، ذلك أن السلطة السورية ما زالت تعيش في وهم إمكانية الانتصار العسكري، وربما لا تؤمن أساساً بأساليب جماهيرية كهذه لحل المشكلات المعقدة. وبديهي أن هذا النصر العسكري المأمول بعيد المنال. ولم ينتج عن سياسة النظام هذه حتى الآن سوى الاستمرار بدمار البلاد وإفقارها اقتصادياً، وقتل شعبها وتشريده، والتسبب بمزيد من المصاعب والأزمات لشعبها، وزيادة الأحقاد والشروخ في مختلف مجالات الحياة.
ومن طرف آخر، لم يخطر ببال فصائل المعارضة في الغالب الأعم الدعوة لمثل هذا المؤتمر الوطني الجامع (وهو ليس مؤتمراً وطنياً معارضاً فقط) يبحث الأمور نفسها التي تحدثنا عنها آنفاً، ويعقد اللقاء بين فئات الشعب السوري المختلفة، تمهيداً لبدء عملية بناء الثقة بينها ولإقامة سوريا جديدة، وإنهاء مأساة الشعب السوري التي لم يعد يحتملها، لا هو ولا دول الإقليم ولا حتى الأوساط الدولية العالمية.
من البديهي أن لا تعمل الدول الأخرى لمثل هذا الحل لأنها تبحث عن مصالحها الذاتية ولا تعطي سوى اهتمام ثانوي لمصالح الشعب السوري. ولذلك تسارع هذه الدول إلى عقد مؤتمرات سواء للمعارضة أم للمعارضة والموالاة تحت رعايتها، وهي مؤتمرات تنحو نحو الهدنة والتسوية الطارئة (غير التاريخية) التي تفيد الدولة الراعية بالدرجة الأولى. هكذا تستمر الأزمة وتزداد تعقيداً، والحل، مع الأسف، يعرفه الجميع ويعرفون أنهم قادرون عليه.
إن تاريخ الشعب السوري وتاريخ الحراك السياسي في المجتمع السوري، والنشاط السياسي الخلاّق الذي قام به طوال عقد بعد الاستقلال، وثقافته العميقة وتجاربه الغنية، تشير جميعها إلى أنه قادر على إيجاد الحلول لأزمته بنفسه، لولا أن أصبحت البلاد مستباحة لمن هبّ ودبّ، والسلطة السياسية ومعظم أطراف المعارضة مرتهنة لحلفائها، ما وضع غشاء أمام أعين هؤلاء وربما أعماهم عن الحل.
من الطبيعي وجود صعوبات عديدة وكبيرة أمام عقد مؤتمر وطني سوري جامع، ذلك أن مثل هذا المؤتمر يقتضي اقتناع السلطة به واقتناع فصائل المعارضة وتياراتها ومبادرة الشريحة الصامتة وزيادة ضغطها باتجاه عقده، واقتناع الحلفاء الإقليميين والدوليين بضرورة الوصول إلى حل. وهذه شروط صعبة من دون شك، وقد يكون تفكيكها أصعب من تفكيك الأزمة نفسها، إلا أن مثل هذا المؤتمر الوطني الجامع يقضي بتذليل الصعوبات باعتباره الحل الشامل والعميق لأزمة شاملة وعميقة، إلا إذا أراد أهل الحل الوصول إلى حل مؤقت كيفما كان، ربما يدوم بضع سنين وتعود الأمور إلى ما كانت عليه.
من البديهي أن الخطوات الأولى المتمثلة باختيار المؤتمرين ووضع جدول أعمال شامل وقبول الناس بتمثيلهم والتخلص من المحاصصة هي أمور صعبة التحقيق، ولكن لا يمكن في مثل هذه الحالات إلا الاجتهاد هنا وهناك للخروج بما يمثل نسبياً مصالح جميع الفئات حتى لو لم يكن التمثيل متوازياً. فالمهم في مثل هذه الحالات هو عقد المؤتمر ووضع جدول أعماله والتوصل إلى ثقة متبادلة وقبول وإقرار هيكلية جديدة للدولة ومستقبل لسوريا، وعندها يمكن اختيار مجلس وطني أقرب إلى التمثيل الصحيح ووضع دستور جديد واستكمال مؤسسات الدولة وسلطاتها والتراضي بين الجميع على المستقبل المنشود.
لقد ورد عرضاً في كلمات مشاركين في أكثر من مؤتمر للمعارضة السورية، المطالبة بعقد مثل هذا المؤتمر الوطني الجامع، ولكن لم نشهد تبنيّاً لها في أي مؤتمر، إما لأن الظروف الموضوعية لم تنضج بعد أو لأن أصحاب المصالح لا يريدون هذا الحل. وكان قد عُرض على النظام منذ الشهور الأولى للانتفاضة أن يبادر إلى عقد مؤتمر وطني جامع في إطار ما ذكرت، ولم يكن العنف قد استخدم بعد، فوافق النظام لأيام عدة لكنه تراجع عن موافقته وأرفقها بتصريحات لأهل النظام أن الانتفاضة انتهت (الأزمة خلصت) ما يؤكد قناعة النظام بإمكانية انتصاره العسكري في ذلك الوقت. ومن حينها، لم يغير النظام موقفه قيد أنملة، رغم الدمار واتساع الفجوة بين فئات الشعب والخسائر البشرية والمالية وغرق سوريا في مستنقع من التقاتل، ووصول المجتمع السوري إلى قيم جديدة وشروط حياة وعلاقات مختلفة بين فئاته، هي على العموم أكثر سلبية مما كانت عليه في أي مرحلة تاريخية سابقة.
بالتأكيد، مازالت إمكانية عقد مثل هذا المؤتمر الوطني الجامع قائمة، وما زالت الفرصة مفتوحة أمام السلطة والمعارضة وحلفائهما لتبني مثل هذا الحل، والمباشرة بإنهاء الأزمة التي طالت أكثر مما يحتمل الشعب السوري أو أي شعب آخر.
حسين العودات – السفير