قد تكون عمان هي الموقع الأفضل لشخصية من وزن الأردنية الدكتورة ريما خلف بعدما تمكنت بموقفها الشهير مع الأمم المتحدة من فضح ممارسات «الأبرتهايد» الإسرائيلية ضد الكيان الإسرائيلي حيث يتم الآن البحث في تدشين مؤسسة فكرية نخبوية ثقافية تتولى مهمة إكمال المسيرة بعد الشرارة التي أطلقتها الدكتورة خلف.
الدكتورة خلف حزمت أمتعتها وغادرت بيروت وعادت إلى عمان واعلنت انها ليست بصدد التفكير مجدداً بوظيفة رسمية لا في الأردن ولا في اي منظمة دولية.
السلطات اللبنانية كانت قد تحمست لمغادرة خلف بيروت وفي اسرع وقت ممكن بعد تفجيرها لغم التمييز العنصري ضد إسرائيل حرصاً على أمنها الشخصي خصوصاً وان الحراسة «الأممية» رفعت عنها فوراً وبمجرد استقالتها العلنية.
لكنها ومسبقاً اشعرت سلطات بلادها بأنها ستنشط لصالح مؤسسة ثقافية عملية فكرية تكون مهمتها مطاردة النظام العنصري الإسرائيلي. بمعنى آخر تقول خلف التي كانت وزيرة مرات عدة في الأردن انها ستعمل في الجبهة المعارضة لإسرائيل، ذلك «نبأ» جديد بالنسبة للأردنيين الذين تجاهلوا تماماً رسمياً التقرير الدولي الذي نشرته خلف واثار ضجة كونية بعنوان تصرفات نظام الفصل العنصري في إسرائيل.
لاحقاً خاطبت خلف قمة البحر الميت وحذرت من ان الدول التي «تطبع» العلاقات مع إسرائيل قد تتهم بموجب القانون الدولي بالمشاركة الجنائية في جرائم حرب إنسانية.
كانت تلك جرعة قوية من الدكتورة خلف للدولة الأردنية وهي تحضر قمة البحر الميت، اتخذ القرار سريعاً بتجاهل التحذير لأن أولوية عمان والقمة أصلاً التصدي لمشروع نتنياهو بخصوص إنهاء حل الدولتين وليس التركيز على مسألة الأبرتهايد.
لا يوجد في الشارع الأردني إنقسام كبير حول خلف وتقريرها وحجم التأييد لها كبير جدًا. لكن توجد مخاوف رسمية ونخبوية من ان تجلب مقترحاتها حول التركيز على مؤتمرات وابحاث ضد عنصرية إسرائيل «متاعب من غربي النهر» وفي توقيت حساس.
حجم المتاعب الآتية من هواجس إسرائيلية كبيرة جداً برأي الدوائر الرسمية بحيث لا تحتمل المزيد من نشاطات شخصيات لها حضور دولي من حجم الدكتورة خلف. يسير ذلك بالتوازي مع انعقاد الاجتماع التنفيذي الأول السبت المقبل في بيروت للبحث في إنفاذ مقررات وتوصيات مؤتمر إسطنبول للشتات الفلسطيني.
مفردات وعبارات من طراز «الشتات» و«نظام الفصل العنصري الإسرائيلي» تجتاح بقوة ليس فقط وسائط التواصل الإجتماعي. ولكن نشطاء السياسة في عواصم عربية عدة ابرزها عمان وبيروت حيث توجد كتلة ديموغرافية فلسطينية لا يستهان بها. طبيعي جداً أن لا تحب السلطات الأردنية نمو مجموعات وخلايا تفكير نشطة في الساحة الأردنية من هذا النوع.
لكن من الطبيعي القول بأن آليات القانون لا تتيح للسلطات الوسيلة التي تمنع المواطنين والسياسيين من التفكير والنشاط. والأهم ان المرحلة الحالية مفعمة بالعداء بين الأردن الرسمي وإسرائيل وثمة من يؤمن بدوائر القرار المحلية بان إسرائيل بدأت فعلاً تتآمر على الدولة الأردنية نفسها في اللحظة التي بدأت تتحرش فيها بالوصاية الهاشمية على مقدسات القدس ولاحقاً عندما حاولت التهرب من «حل الدولتين».
الاتصالات والعلاقات بين الحكومة الأردنية واليمين الإسرائيلي في أسوأ احوالها منذ وقعت اتفاقية وادي عربه عام 1994 … هذا ما يؤكده مباشرة لـ «القدس العربي» مسؤول أردني بارز وهو يشرح بأن ما يبقي على عدم تطور الأمور بإتجاه «إعلان عداء» هو فقط علاقات الحكومة الأردنية بمؤسسات ما يسمى بـ»الدولة العميقة» في الكيان الإسرائيلي حيث تتبادل غرف أمنية وسياسية مغلقة «الانتقادات» باتجاه بنيامين نتنياهو وتصرفات حكومته. ذلك لا يعني ان المساس بأسس إتفاقية وادي عربة مسموح به في الحالة الأردنية.
ولا يعني في المقابل ان يتطور الأمر بخصوص اي نشاطات في حالة الشتات او في حالة «الأبرتهايد» إنطلاقاً من عمان إلى نشاطات يتوقع ان يرحب بها وبجرعاتها دوماً دون اي قرائن على أن السلطات بصدد التعاطي مع الموضوع بمسطرة «محاكمة نشطاء ورموز مقاومة التطبيع».
على نحو أو آخر يمكن القول بأن عمان على موعد مع «عودة مليئة» سياسياً لابنتها الدكتورة ريما خلف.
هي عودة تحظى بحضن دافئ شعبياً وجماهيرياً ومن الصعب الحد منها فهي تملك قوة المنطق والعدل والحق والقانون. كيف ستتصرف عمان الحكومية؟ ينبغي ان يترقب الجميع الجواب.
المصدر: القدس العربي