منذ توليه مهام منصبه في عام 2009، حافظ الرئيس باراك أوباما باستمرار على فكرة أن الولايات المتحدة قد تنفذ ضربات جوية لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي. وبغض النظر عن الانتماء السياسي، تدعم الغالبية العظمى من صانعي السياسة الأمريكية والمشرعين والنخبة السياسية، هذا الموقف.
ومع ذلك، من المتفق عليه أيضًا أن الضربات الجوية ضد المنشآت النووية الإيرانية لن يكون لها سوى تأثير محدود على منع إيران من الحصول على قنبلة نووية. ومما لا شك فيه أن جهودًا متضافرة من الضربات الجوية ضد إيران قد تؤخر قدرتها على بناء ترسانة نووية عدة سنوات؛ إلا أن إيران مع ذلك ستكون قادرة على إعادة بناء منشآتها النووية في فترة ليست بطويلة، لا سيما في ضوء الإغاثة الاقتصادية التي ستحصل عليها بلا شك بمجرد تفكك نظام العقوبات ضدها ردًا على العمليات العسكرية الأمريكية.
وسيكون العمل العسكري الوحيد الذي يمكنه أن يمنع إيران حقًا من الحصول على سلاح نووي، هو غزو واحتلال البلد. وعلى الرغم من التأييد الواسع داخل الولايات المتحدة لمنع إيران من صنع سلاح نووي؛ إلا أن هذا المقترح لم يشكل يومًا خيارًا بالنسبة لأي مراقب جاد تقريبًا.
ويعكس جزء من هذا بلا شك تعب أمريكا في أعقاب الحربين في العراق وأفغانستان؛ إلا أنه يذهب أعمق من ذلك بكثير، وهو يعكس معرفة الجيش الأمريكي بأنه لن يكون قادرًا على قهر إيران بسرعة، وبتكلفة زهيدة، كما فعل في العراق وأفغانستان. وفي الواقع، تستطيع طهران أن تلحق تكاليف باهظة بالجيش الأمريكي، حتى قبل بدء الاحتلال الصعب.
وتبدأ قدرة إيران على الدفاع عن نفسها ضد الغزو الأمريكي من جغرافيتها الهائلة. وكما أوضحت ستراتفور، وهي شركة استخبارات خاصة: “إيران هي قلعة، محاطة من ثلاث جهات بالجبال، ومن الجهة الرابعة بالمحيط؛ ومع وجود الأراضي القافرة في وسطها، يصبح من الصعب للغاية قهر إيران“.
وقد كانت الغزوات البرية مفضلة دائمًا بالنسبة للدول الغازية، وجعلت الذخائر الموجهة بدقة الغزوات البرمائية أكثر صعوبةً في العصر الحديث؛ وبالتالي، فإن الولايات المتحدة ستفضل بقوة غزو إيران من خلال واحدة من حدودها البرية، تمامًا كما فعلت عندما غزت العراق في عام 2003.
ولسوء الحظ، هناك عدد قليل من الخيارات في هذا الصدد. وللوهلة الأولى، تبدو فكرة أن يبدأ الغزو من غرب أفغانستان الفكرة الأكثر قبولًا بالنظر إلى أن الجيش الأمريكي مرابط بالفعل في ذلك البلد. ولكن للأسف، لن يكون هذا الخيار جيدًا على الإطلاق.
وبادئ ذي بدء، ومن وجهة نظر لوجستية، ستكون عمليات بناء قوة غزو كبيرة في غرب أفغانستان كابوسًا حقيقيًا، خصوصًا في ظل التدهور الكبير في علاقة أمريكا مع روسيا. وما هو أهم من ذلك، هو جغرافية المنطقة الحدودية؛ حيث إن هناك أولًا بعض السلاسل الجبلية الصغيرة إلى حد ما على طول المنطقة الحدودية، وهناك أيضًا حقيقة أن الذهاب من الحدود الأفغانية إلى معظم المدن الرئيسة في إيران سيتطلب عبور منطقتين من الصحراء الكبرى؛ هما صحراء لوط وصحراء كوير.
وأما حدود إيران الغربية، فهي ليست أكثر تشويقًا على الإطلاق. وفي شمال غرب هذه الحدود توجد تركيا، وهي حليف الولايات المتحدة في الناتو التي رفضت الإذن لأمريكا باستخدام أراضيها لغزو العراق. وبغض النظر عن هذه الحقيقة، ستجعل جبال زاغروس، التي تحدد حدود إيران مع تركيا ومعظم أنحاء العراق، أي عملية غزو واسعة من خلال هذا الطريق صعبة للغاية.
ويوجد الاستثناء الوحيد على الحدود الإيرانية الغربية في الجنوب الأقصى؛ حيث يلتقي نهرا دجلة والفرات لتشكيل ممر شط العرب المائي. وقد كان هذا الطريق الذي سلكه صدام حسين في غزو إيران في الثمانينيات. وللأسف، كما اكتشف صدام، هذه الأرض هي أرض مستنقعات ومن السهل الدفاع عنها. وعلاوةً على ذلك، وبعد وقت ليس بطويل من العبور إلى الأراضي الإيرانية، سوف تصل القوة الغازية إلى جبال زاغروس.
ومع ذلك، كانت هذه المنطقة منذ فترة طويلة نقطة ضعف بالنسبة لإيران، وهذا أحد أسباب وضع طهران الكثير من الجهد في السيطرة على الشيعة في العراق وعلى الحكومة في بغداد. وقد نجحت طهران إلى حد كبير في هذا الجهد، وأغلقت العراق كقاعدة محتملة يمكن لأمريكا مهاجمة إيران منها.
وبالتالي؛ سيكون على الولايات المتحدة غزو إيران من ساحلها الجنوبي، الذي يمتد على طول 800 ميل تقريبًا. وقد كانت إيران تحضر لمثل هذا الأمر منذ قرابة ربع قرن. وعلى وجه التحديد، ركزت على اكتساب قدرات لتنفيذ استراتيجية منع دخول المنطقة ضد الولايات المتحدة، وذلك باستخدام عدد كبير من الصواريخ الموجهة بدقة، والقوارب، والطائرات بدون طيار، والغواصات، والألغام.
وكما هو الحال دائمًا، تستفيد إيران في هذه الحملة أيضًا من عامل الجغرافيا. وفي كتابه “انتقام الجغرافيا”، لاحظ روبرت كابلان أن السواحل الإيرانية مليئة “بالخلجان، والمداخل، والجزر، وهي أماكن ممتازة لإخفاء القوارب السريعة والانتحارية“. وكان بإمكان كابلان أن يضيف أنها أماكن ممتازة لتخبئة أنظمة الصواريخ التي تطلق من الأرض أيضًا.
وفي عام 2012، قال مركز التقديرات الاستراتيجية والميزانية (CSBA) حول إمكانية استخدام إيران استراتيجية A2/AD ضد الولايات المتحدة:
“وضعت إيران استراتيجية هجينة لمواجهة العمليات الأمريكية في الخليج. وتستخدم هذه الاستراتيجية مزيجًا من التكتيكات غير النظامية والأسلحة المرتجلة ذات القدرات المتقدمة من الناحية التكنولوجية لمنع أو الحد من وصول الجيش الأمريكي لقواعدها، وتقييد حريته في المناورة عبر مضيق هرمز. ومن الممكن أن تستغل إيران في تنفيذ استراتيجيتها الهجينة هذه الميزات الجغرافية والسياسية في منطقة الخليج للحد من فعالية العمليات العسكرية الأمريكية. وقد لا يكون هذا النهج في حد ذاته استراتيجية حرب ناجحة لإيران. ولكنه سوف يرفع بشكل كبير من تكاليف أو طول مدة التدخل العسكري الأمريكي، وهو ما سيخلق فرصة لإيران لإجراء أعمال العدوان والإكراه“.
ولن تنتهي التحديات بمجرد تأسيس أمريكا موطئ قدم لها عند أعتاب أيران؛ حيث سيكون عليها قهر بقية البلاد. ومرة أخرى، سوف تعمل إيران على الاستفادة من الجغرافيا، وتقع كل المدن الرئيسة في إيران تقريبًا في شمال البلاد، وسيكون الوصول إليها بدءًا من الجنوب تحديًا جبارًا في ظل أفضل الظروف. وما هو أهم من ذلك، هو أن مساحة إيران هائلة. وكما يلاحظ مركز ستراتفور: “إيران هي الدولة الـ 17 من حيث الحجم في العالم. وهي تمتد على 1684000 كيلومتر مربع. وهذا يعني أن أراضيها أكبر من أراضي فرنسا وألمانيا وهولندا وبلجيكا وإسبانيا والبرتغال مجتمعة“.
وبطبيعة الحال، لن تعمل القوات الأمريكية ضمن الأراضي الإيرانية في ظل أفضل الظروف. وفي الواقع، تدربت قوات الحرس الثوري الإيراني لفترة طويلة على خطة لشن حملة تمرد وحرب عصابات ضد القوات الغازية. وسوف تتضمن هذه الخطة التي يسميها الحرس الثوري الإيراني “دفاع الفسيفساء”، جهودًا مشتركة بين الحرس الثوري، الباسيج، والقوات المسلحة النظامية. ويصف كونيل هذه الخطة على النحو التالي:
“تسمح خطة دفاع الفسيفساء لإيران بالاستفادة من عمقها الاستراتيجي والجغرافي الهائل في تنظيم حركة مسلحة ضد القوات الغازية … وكلما امتدت خطوط إمداد العدو إلى داخل إيران، فإنها ستكون عرضة للاعتراض من قبل خلايا خاصة شكلها الحرس الثوري لمضايقة عمليات العدو. وقد تدربت قوات الحرس الثوري والباسيج على وضع كمائن لمدرعات وطائرات هليكوبتر العدو. وأجري الكثير من هذا التدريب في بيئة حضرية، ما يشير إلى أن إيران تعتزم استدراج قوات العدو إلى المدن؛ حيث سيكونون محرومين هناك من القدرة على التنقل والحصول على الدعم الجوي”.
ناشيونال إنترست – التقرير