“بأي وطن أحيا .. بعيداً عن أمي سورية” لم يستطع خالد المحمود أحد طلاب كلية الهندسة في حي صلاح الدين بحلب من إكمال كلامه، لتقاطعه دموع حزنٍ ممزوجة بيأس، اليأس الذي يدخل الروح محاولاً إرهاقها، وذاكرةٌ لا تنسى مشاهد القصف والدمار وأشلاء المدنيين ودماءهم التي سقت أشجار الحي.
وكيف كان الحي قبل الأزمة السورية، حي من أقدم أحياء حلب وأعرقها، فيه سوق تجاري مشهور تجد فيه كل ما تطلبه، ومحلات قد صُفت بجانب بعضها لتزرع الأشجار على أبوابها، لم يكن سكان الحي والبالغ عددهم 700 ألف نسمة يسمونها حلب ولكن كان اسمها “جنة” الله على الأرض.
لكن براميل النظام ومدفعيته حولتها لمدينة مدمرة، كيف ولا و65% منها قد تدمر بشكل كامل، وآلاف البراميل قد تهاوت عليها لتدمر أكثر من ربع مليون منزل، لقد كان من بين المنازل المدمرة منزلي، لم يعد لنا مأوىً، ولا نستطيع الذهاب إلى مناطق النظام بعدما طُلبت لفرع المخابرات الجوية لمشاركتي في تظاهرات الجامعة.
“عند الحدود التركية نظرت إلى سوريا، ربما هي نظرة الوداع، لن أعود ثانية فالأسد لم يُبقِ حجراً مكانه، وأن الحياة مهما قست فلن تكون أقسى منه، لقد ظننت أن الأمل سيعود إليّ من جديد بخروجي من قفص الموت لأكمل حياتي الجامعية، ولكن هيهات.
“لكن فرص الأمل بالحصول على شهادة التخرج من الجامعة بدأ يتضاءل يوماً بعد يوم، لقد كان الواقع مخالفاً لكل التصورات التي رسمتها في مخيلتي، ظننت أن السوري له قيمة في باقي البلدان ولكن مع ارتفاع نسبة النازحين إلى 3ملايين خارج البلاد، و 6 ملايين داخلها أيقنت أن لا أحد معهم إلا الله”
وضع مأساوي ٌ دفع بالآلاف من السوريين للهجرة إلى بعض الدول الأوروبية، في تلك الدول يجد المهاجر لنفسه قيمة إنسانية بعدما أفقدته إياها وسائل التعذيب والرصاص الحي.
“بعد دخولي للحدود الألمانية، بدأت بالبحث عن الجامعات، لأحقق حلمي وأساهم في بناء ما دمره الأسد في سوريا، لقد كانت أول الشروط لكل من يفكر بإكمال دراسته هي تعلم اللغة الألمانية، لقد كان تعلم اللغة والتأقلم مع المجتمع الألماني من المشكلات المشتركة بين جميع السوريين المهاجرين.
تقوم الحكومة الألمانية بالعديد من الإجراءات لمساعدة اللاجئين في تعلم اللغة الألمانية من خلال دورات تعليمية على مدار سنة كاملة، فإذا أتقن اللغة يحصل على حق اللجوء ويمكنه التسجيل في الجامعات الألمانية.
كما أن عملية التعليم لا تقتصر فقط على تعلم اللغة، بل أيضاً على تعلّم النظام التربوي الجديد وأساليبه الحديثة التي لم يعتد عليها أطفال وشباب سوريون كثر.
“رغم عودتي للجامعة إلا أن نار الأسى والحزن تتضرم في قلبي على رفاقي وعلى من بقي في سوريا تحت القصف وفي الخيام”.
لكن الأمر مختلف في بعض الدول الحاضنة للنسبة الأكبر من السوريين، ففي تركيا التي تحد سوريا شمالاً، تحولت ولايات المدينة إلى مدن للسوريين، فالسفر إلى تركيا يعتبر سهلاً بالنسبة للسفر لإحدى محافظات القطر السوري كما يقول البعض. أصحاب المحلات لتعيين موظفين سوريين لإدارة العمل.
يقول مصطفى العلي: خرجت إلى منطقة الريحانية في تركيا للبحث عن عمل، وبعد أيام توظفت في مطعم أختصُ بتلبية طلبات السوريين، بسبب عدم قدرة أصحاب المطعم الأتراك على فهم حاجاتهم، ولأن الكثير من السوريين لا يجيدون اللغة التركية.
رغم مشاهد القصف والدمار إلا أن السوري مازال مصمماً على الحياة وعلى العلم، العلم الذي سيعيد به بناء سوريا لتعود كما كانت، ويبقى السؤال: عند تخرج الطالب من جامعته هل سيعود لبلاده .. أم أن حياة الازدهار ستفرض عليه البقاء؟
سائر الإدلبي.
المركز الصحفي السوري