تحظى الانتخابات الأمريكية باهتمام واسع على الصعيد العالمي بصفة عامة وعلى المستوى العربي بصفة خاصة، وينقسم الاهتمام على المستوى العربي إلى اهتمام غير رسمي عام شعبي نخبوي، واهتمام رسمي (حكومي).
يشترك الاهتمام الرسمي والشعبي بالانتخابات الأمريكية من حيث توقعات تأثير نتائجها على الموقف من القضية المركزية للعرب شعوبًا وأنظمة، وهي القضية الفلسطينية وموفق المرشحين منها.
ومن خلال موقف المرشح الرئاسي من القضية الفلسطينية رغم عدم التباعد التاريخي في المواقف العامة الثابتة للسياسية الأمريكية المتوارثة منذ إعلان الولايات المتحدة الاعتراف بالكيان الصهيوني في عام 1948 إلى يومنا هذا، ولا يبدو في الأفق القريب أن هذه السياسة سوف يطالها أي تغيير، بل المُتّبع هو تكالب وتنافس المرشحين على التسارع في الإعلان على التزامهم التاريخي بحماية هذا الكيان ودعمه والوقوف إلى جانبه وتسخير كافة إمكانيات الولايات المتحدة لخدمته لدرجة اصبحت هذه التصريحات حلبة أو مضمار سباق للتنافس بين المرشحين واعتبار الإعلان عن موقف المرشح للرئاسة الامريكية من الكيان الصهيوني هو أولوية انتخابية، واهم الخطوات التي توصله إلى أولى عتبات سلم البيت الأبيض وجواز للمرور بين ردهاته ثم قرار اعتماد جلوسه في المكتب البيضاوي.
والمتابع للحالة العربية الرسمية والشعبية عند اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية يرى أن الحالة العربية الشعبية والرسمية هي حالة متابعة وترقب وأمنيات ورغبات وجدانية تتنوع بحسب ما تحمله الحالة العربية من آمال في وصول رئيس يلبي جزء من هذه الرغبات التي لا تتجاوز رضى الجالس الجديد في البيت الأبيض، وأقصى حدود للطموحات العربية أن يكون هذا القادم أكثر مرونة من سابقه وأن تكون مواقفه تجاه الأنظمة العربية باختلاف توجهاتها ما بين الرضى وهي غاية المُنى وآخر الأماني والسكوت والتغاضي من علامات الرضى.
وهذه الحالة التي لا يمكن إلا أن نصفها بأنها حالة نفعية جزئية أنية ربما تصب في مصلح بعض الأقطار على حساب أقطار عربية أخرى وبالأصح هي حالة تصب في مصلحة أنظمة دون أخرى تكون فيها المصلحة الأمريكية فوق كل المصالح.
هذا المشهد صاحب كل الانتخابات الأمريكية وخاصة بعد ثورة الاتصالات والمعلومات وانتشار الفضائيات وانطلاق شبكة المعلومات، التي قربت البعيد وجعلت المعلومات تتدفق وتنقل الأحداث مباشرة بالصوت والصورة وفي نفس اللحظة.
وفي الانتخابات الأمريكية الأخيرة التي جاءت بالرئيس ترامب على هرم السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية بعد منافسة شديدة مع وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلنتون ذات الخبرة الطويلة والمعرفة بالشؤون الدولية، الأمر رجح عليه الكثير من المراقبين وفرة حظها في الوصول إلى الرئاسة على حساب منافسها ترامب الذى لا يمتلك أي خبرات سياسية فهو رجل تجارة واموال ويفتقد إلى الخبرة السياسة إلا أنه استطاع أن يقلب الطاولة في الوقت الحرج على أغلب التنبؤات والترجيحات بفوز ساحق على كلنتون لينتزع منها فرصة الجلوس في مقعد الرئاسة مما سبب صدمة قوية أذهلت الكثير من غير المرحبين بفوزه في الداخل الامريكي وعلى المستوى الدولي وخاصة في المنطقة العربية التي انقسمت إلى فسطاطين؛ فسطاط مؤيد مرحب وآخر يعض على يديه حسرة بعد أن خانته الأمنيات وخذلة الناخب الأمريكي.
وبغض النظر عن تباين المواقف الرسمية العربية المتمثلة في حكامها والرغبات الشعبية تجاه وصول ترامب لكرسي الرئاسة إلا أن الجميع تغافل أو ذهل عن إدراك أهم خصائص النظام السياسي الأمريكي الذي تتمثل فيه عملية الانتخابات الرئاسية ذروة السنام.
انطبع العرب بالذهول عن إدراك الأليات والمؤثرات في وصول الرئيس إلى كرسي الرئاسة وتعلقوا بشخص الرئيس وذلك نابع من حالة لا شعورية متأثرة بالخلفية الثقافية التي يأتي بها الحاكم العربي المتمثلة في ما يعتبرونه الحق الوراثي السلالي أو على ظهر دبابة تمنحه الشرعية والأهلية.
في حين أن الرئيس الأمريكي لا يمكن له أن يأتي وفق هذه الخلفية بل العوامل الفاعلة والمؤثرة في وصول الرئيس إلى الحكم ترفض رفضًا قاطعًا هذه الوسائل والطٌرق، وتقوم على عوامل أخرى مختلفة تماما وهذا ما لم يعيه العرب حكاما وشعوب.
إن الخلفية التي يأتي منها الرئيس الأمريكي لا تقوم على نظام الوراثة ولا على ظهر الدبابة بل يصل الرئيس وفق منظومة الانتخابات الحرة التي ارتضاها الشعب الأمريكي كوسيلة وحيدة لاختيار الحاكم.
وتتأثر وسيلة الانتخابات بعدة عدة عوامل ومؤثرات جوهرية توجه و تحدد اسم المرشح إلى منصب الرئاسة، بل هي العامل الأول والمباشر في منح فرصة الترشح لهذا المنصب، وتتمثل هذه العوامل في المؤسسات الاقتصادية بالدرجة الأولى فهي من تدفع الأموال لدعم المرشح الذى يعبر عن مصالحها الأساسية عن طريق الأداة الثانية (الإعلام) التي تتملك بعضها هذه المؤسسات أو بدفع الأموال الطائلة لتوجيه الرأي العام وإقناع الناخبين لدعم مرشحها، كما أن جهات الضغط وتعبئة الراي العام وتوجيهه المتمثلة في قيادات ومنظمات المجتمع المدني المتنوعة من حماية البيئة وحقوق الإنسان والمراكز البحثية والجاليات والعرقيات واللوبيات المتنفذة والمؤثرة توجيه الرأي العام وفي صنع القرار خاصة المؤثرة في الدوائر السياسية الأمريكية.
وبتأثير هذه المؤسسات ومن تحت عباءتها يخرج المرشح الذى يعبر عن توجهاتها وأفكارها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية ومن خلال قوتها الدعائية ونفوذها في منافسة شديدة فيما بينها لإقناع الناخب الأمريكي ببرامجها وسياستها والتي تبذل جهدا أكبر في إقناع الناخب بالبرنامج الذى تتبناه من خلال واجهتها – مرشحها للرئاسة – وتنجح في إقناع أكبر عدد من الناخبين هي من ترفع المرشح إلى سدة كرسي الرئاسة وبذلك يعتبر الرئيس لا يمثل نفسه بل يعبر عن إرادة ناخبيه الذين وافقوا على مشروعه الذي تقدم به للوصول للفوز فى الانتخابات فهو يعبر عن قناعاتها وتوجهاتها التي تراها صالحة للبلاد وتحقق رغباتها في الفترة الرئاسية التي يستغرقها مرشحها في البيت الأبيض.
وبهذا لا يمكن اعتبار فوز الرئيس بأنه انتصار فردي لحاكم له صلاحيات مطلقة وأن الرئيس سوف ينفرد باتباع ساسة خاصة به من صنع افكاره وبإرادته الفردية بل الحقيقة إن الرئيس سوف يتبّع سياسة معدة مسبقًا جيء به لتحقيقها وفق النظم والقوانين التي تحدد صلاحياته التي لا يمكن له تجاوزها.
والحقيقة أن العرب لم يضعوا اعتبارا لدور هذه المؤسسات ولم يضعوا في الحسبان أهمية هذه المؤسسات وتركوها لخصومهم الذين فهموا وأدركوا خطورتها. ففقدوا تبني استراتيجية إقامة علاقات تجارية وسياسية وخلق شبكة مصالح سياسية واقتصادية وتقنية مشتركة طويلة المدى تتيح لهم التأثير في هذه المؤسسات المؤثرة في صناعة الرئيس وسياسته وتداعياتها على العلاقات العربية الأمريكية. فالمشكلة لا تتعلق في شخص ترامب ولكن مشكلة في عدم القدرة على التأثير فيمن يصنع ترامب ومن يأتي بعد ترامب.
فرج كُندي – ترك برس