في توقيت بالغ الدلالة وفي أعقاب عدد من الزيارات والمباحثات الهامة التي تناول الرئيس فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف خلالها الأزمة السورية والأوضاع في منطقة الشرق الأوسط مع ممثلي الأوساط السياسية الإقليمية والعالمية، جرت أمس مباحثات وليد المعلم وزير الخارجية السورية في موسكو.
وكان الرئيس بوتين استبق مباحثاته مع المعلم بمكالمة هاتفية أجراها مع نظيره الأميركي باراك أوباما تناول خلالها الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط على ضوء الأخطار التي يشكلها تنظيم داعش. وقالت مصادر الكرملين بأن الرئيس الروسي طرح ضرورة استئناف التعاون بين البلدين من أجل مكافحة الإرهاب الدولي، ما يمكن أن يكون مقدمة لحل الكثير من قضايا المنطقة. لذا لم يكن غريبا أن يستهل بوتين لقاءه مع المعلم بالإشارة إلى ما تشهده الأوضاع في سوريا من تعقيدات، عزاها بوتين إلى «العدوان الذي يشنه الإرهاب الدولي»، مؤكدا «يقين بلاده من انتصار الشعب السوري في نهاية المطاف». وقال بوتين «إن سياستنا الرامية إلى دعم سوريا والقيادة السورية والشعب السوري، ستبقى دون تغيير».
وأعرب الرئيس الروسي عن «استعداد بلاده لدعم دمشق إذا اتجهت إلى التحالف مع دول أخرى في المنطقة، بما فيها تركيا والأردن والسعودية، لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي». ورغم اعترافه بصعوبة «تشكيل مثل هذا الحلف نظرا للخلافات والمشاكل التي شابت العلاقات بين الدول»، قال بوتين «إنه إذا اعتبرت القيادة السورية هذه الفكرة مفيدة وممكنة، فإننا سنبذل كل ما بوسعنا من أجل دعمكم. ونحن سنعتمد على علاقاتنا الطيبة مع جميع الدول في المنطقة لكي نحاول على الأقل تشكيل مثل هذا التحالف». وأضاف قوله «نحن نعتقد أن محاربة الإرهاب والمظاهر الشديدة التطرف تتطلب توحيد جهود كافة دول المنطقة»، مشيرا إلى «أن موسكو تتلقى خلال اتصالاتها مع دول المنطقة التي تربطها بها علاقات طيبة جدا، إشارات تدل على استعداد تلك الدول للإسهام بقسطها في مواجهة الشر الذي يمثله (داعش)»، وهو ما أوضحه بقوله، بأن ذلك «يتعلق بتركيا والأردن والسعودية». ونوه أنه «من البديهي أن تظهر في العلاقات بين الجيران من آن لآخر خلافات وحالات سوء تفاهم ومشاكل تحمل طابعا مؤقتا»، لكنه أعرب عن يقينه من «ضرورة توحيد الجهود من أجل محاربة الشر الذي يهدد الجميع»، على حد تعبيره. وخلص الرئيس الروسي إلى أن موسكو تدعو في سياق ذلك «كل الأصدقاء، بمن فيهم في سوريا، إلى بذل الجهود القصوى لإقامة حوار بناء مع جميع الدول المهتمة بمحاربة الإرهاب».
وكان وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف كشف أيضا في مباحثاته مع المعلم، أمس، عن اهتمام روسيا بضرورة التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، مشيرا إلى «ضرورة العمل من أجل تصفية أي ذرائع للمماطلة في العملية السياسية، في الوقت الذي تهدد فيه أخطار الإرهاب منطقة الشرق الأوسط»، فيما أكد على تضامن بلاده مع الشعب السوري في مواجهة نشاط الفصائل الإرهابية. وأشار لافروف إلى أن زيارة المعلم لموسكو تعتبر فرصة مناسبة لتبادل الآراء حول تطورات الأوضاع في سوريا وبحث الأوضاع الراهنة على صعيد العلاقات الثنائية، مؤكدا ضرورة «الالتزام بالاتفاقات التي تم التوصل إليها حول التسوية السياسية على أساس التوافق بين كافة الأطياف السورية».
ومن جانبه أعرب وزير الخارجية السورية عن تقدير بلاده لما تقدمه روسيا من دعم وتأييد وما تبذله من مساع من أجل التوصل إلى توافق سوري، ووثيقة موحدة يمكن أن تكون مقدمة للتسوية السياسية للقضية السورية، فيما انتقد سياسات واشنطن تجاه الأوضاع في المنطقة، مشيرا إلى أنها لا تخفي دعمها للإرهابيين.
وفي هذا الصدد أعلن يوري أوشاكوف، مساعد الرئيس الروسي للشؤون الخارجية في تصريحاته إلى وكالة أنباء «تاس»: «إن الغارات الجوية وحدها غير كفيلة بحل مشكلة (داعش)»، مشيرا إلى ضرورة قيام المجتمع الدولي بدعم الحوار بين دمشق والدول الأخرى التي تواجه المتشددين، فيما أعرب عن الآمال التي تراود الكرملين في أن يلقى هذا الموقف تأييد الأوساط العالمية.
ونقلت وكالة «تاس» ما قاله أوشاكوف حول «أن روسيا لا تستبعد بدء الاتصالات بين دمشق ودول أخرى تواجه (داعش)». وكشف المسؤول الروسي الكبير عن «أنه ليس من المستبعد في القريب العاجل بدء الاتصالات بين ممثلي القيادة السورية ودول لها دور في الصراع، بما فيها العربية السعودية، مع الأخذ بعين الاعتبار الخطورة البالغة للوضع الراهن. ومن المحبذ ترك الأذى القديم جانبا وتسوية الخلافات القائمة وتوحيد الجهود للتصدي لـ(داعش)». واستطرد ليقول باحتمالات «أن تقوم روسيا بعد القضاء على معظم قوى الإرهابيين وإعادة سيطرة الحكومة على الأراضي السورية المحررة، بتقديم المساعدة مع غيرها من الأطراف المعنية من أجل إجراء انتخابات برلمانية حرة وتشكيل حكومة ثقة وطنية تحت إشراف مراقبين دوليين»
الشرق الاوسط – سامي عمارة