موسكو – رأت أوساط دبلوماسية غربية متابعة للشأن السوري أن مسار التسوية الذي أطلق في أستانة قبل أيام بات مرتبكا بسبب محاولة روسيا رفع ما كان يقتصر على آليات لتثبيت وقف إطلاق النار إلى مستويات سياسية أخرى من خلال طرحها دستورا لسوريا المستقبل يجري تداوله.
ودعت موسكو ما مجمله 25 معارضا سوريا إلى اللقاء مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، لكن مصادر إعلامية أشارت إلى قدوم ثمانية أشخاص فقط صباح الجمعة، خصوصا بعد رفض الهيئة العليا للمفاوضات والائتلاف المعارض تلبية الدعوة.
ونقل عن لافروف قوله الجمعة إنه “بالاستناد إلى خبرتنا منذ أكثر من خمس سنوات، نحن واثقون من أننا إذا لم نقدم مقترحات ملموسة على طاولة المفاوضات فلن نبدأ أبدا العمل فعليا”.
وقالت موسكو إنها عرضت على ممثلي المعارضة في أستانة مشروع دستور قامت بإعداده. إلا أن مصدرا في المعارضة أكد الثلاثاء أن الاقتراح تم رفضه وأن المعارضة لا تريد التباحث بشأنه.
ويقول المحامي والقانوني محمد صبرا لـ “العرب” إنه رفض الانخراط في مناقشة الدستور معتبرا أنه “ليس من حق روسيا أو غيرها من الدول الاعتداء على الحق الأصيل للسوريين في تحديد نظامهم السياسي وشكل دولتهم وعقدهم الاجتماعي”.
أنور البني: المرحلة طارئة وتتطلب معالجة إسعافية تتناسب مع المرحلة الانتقالية
واعتبرت مصادر معارضة أن موسكو فاجأت الفصائل التي شاركت في اجتماعات أستانة بنص دستوري لم يكن مدرجا على جدول أعمال المحادثات بحيث أعطت انطباعا أن وقف إطلاق النار ليس هدفا أساسيا وأنها تحاول من خلال منبر أستانة فرض تصور سياسي يتجاوز مفاوضات جنيف والمرجعيات الدولية الأخرى.
واعتبر أنور البني مدير المركز السوري للدراسات القانونية في تصريحات لـ“العرب” أنه من الخطأ الخوض في تفاصيل الدستور المطروح من روسيا لأن له “أهدافا سياسة أهمها حرف الأنظار عن المشكلة الأساسية وتصوير المشهد على أنه صراع بين المعارضة والنظام على دستور جديد”.
ورأى البني أنه “بعد أن تدخل سوريا حالة من الاستقرار يمكن الخوض في دستور عصري يناسب سوريا”.
وحذرت أوساط المعارضة من دعوة حزب الاتحاد الديمقراطي إلى موسكو لأن ذلك يتجاهل التمثيل الكردي داخل صفوف الائتلاف المعارض، كما يحرف الأمر نحو جدل حول “القضية الكردية” وهي ليست من ضمن الأجندة الحالية للنزاع بين النظام والمعارضة.
ورأى مراقبون أن دعوة الحزب الكردي الذي تعتبره تركيا إرهابيا يمثل مادة خلاف أساسية بين موسكو وأنقرة. وقد لاحظ هؤلاء أن روسيا بدت مدركة للأمر وسعت من خلال وزارة خارجيتها إلى التقليل من وقعه.
وقالت ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم الخارجية الروسية الجمعة إن روسيا تأمل أن يكون تعاونها مع تركيا وإيران بشأن الأزمة السورية طويل الأمد.
ودار لغط دولي حول إعلان وزير الخارجية الروسي تأجيل مفاوضات جنيف من 8 إلى آخر الشهر المقبل وما إذا كان هذا الإعلان يمثل اتفاقا دوليا أو رغبة روسية في هذا الإطار لتمرير موضوع الدستور المقترح وجعله من ضمن الوثائق المعتمدة في جنيف.
محمد صبرا: الدستور لن يضعه سوى أبناء سوريا كما كفلته لهم القوانين والمواثيق الدولية
ونقل عن لافروف قوله “برأينا أن كل السوريين يجب أن يكونوا على اطلاع على المشروع قبل اللقاء في جنيف”.
ونقل عن مصادر قريبة من الأمم المتحدة أن الجهد الروسي يجري دون التنسيق مع المنظمة الأممية وأن إعلان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عن تأجيل مفاوضات جنيف يعكس رغبة روسية في الهيمنة التامة على الحل السوري ومصادرة الدور الأممي.
ونفت يارا الشريف المتحدثة باسم المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي مستورا، الجمعة، تأجيل موعد محادثات جنيف حول سوريا، مضيفة أن دي ميستورا هو الوحيد الذي يقرر تأجيل المحادثات وأن الأمر سيبت بعد لقائه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الأسبوع المقبل إلى جانب ممثلي الدول الأعضاء بمجلس الأمن.
ورأت مصادر دولية قانونية أن التسلسل الطبيعي للأمور هو في إنتاج سلطة جديدة وفق انتخابات حرة تعمل على صياغة دستور يتفق عليه السوريون، بمعنى أن يأتي الدستور كنتاج طبيعي للتسوية وليس سابقا لها.
ورأى أنور البني لـ“العرب” أن الحل المطلوب في المرحلة الحالية هو تبني “إعلان دستوري” وليس وضع دستور جديد أو حتى العودة إلى الدستور التأسيسي، مضيفا أن “هذه المرحلة طارئة وتتطلب معالجة إسعافية تتناسب مع المرحلة الانتقالية”.
من جهته يقول المحامي والقانوني محمد صبرا لـ“العرب” إن الدستور السوري “لن يضعه سوى أبناء سوريا كما كفلته لهم القوانين والعهود والمواثيق الدولية”.
لكن وبغض النظر عن متن الدستور المقترح والجدل حول بنوده والذي رفضت المعارضة السورية نقاشه، فإن مراقبين أوروبيين استغربوا مضي روسيا في جهودها الأحادية الجانب فيما أعلن الرئيس الأميركي عن تفكيره في خطة لإنشاء مناطق آمنة في سوريا وهو ما يخلط كافة الأوراق الدولية والإقليمية المعنية بالشأن السوري، طالما أن هذا الاحتمال، الذي قالت روسيا إنها لم تستشر فيه، يفتح أبواب تدخل عسكري أميركي مباشر يأخذ أبعادا سياسية ودبلوماسية جديدة.
المصدر: صحيفة العرب