أبلغ فريق المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا معارضين سوريين أمس بإرجاء موعد استئناف مفاوضات جنيف السورية من الاثنين إلى الأربعاء بالتزامن مع ضغوط روسية لـ «توحيد» المعارضة في إطار وفد مشترك يخوض «مفاوضات مباشرة» مع الوفد الحكومي في الجولة الجديدة الممكن أن تستمر أسبوعين. وجاء ذلك مع تأكيد «الهيئة العليا للمفاوضات» الممثلة لأطياف من المعارضة أن أي محادثات لا تبحث مصير الرئيس بشار الأسد «مصيرها الفشل»، في ما بدا الرد على طلب موسكو عدم إثارة موضوع الرئيس السوري خلال جولة المفاوضات. (راجع ص 4)
وبالتزامن مع ذلك، دارت مواجهات عنيفة أمس بين القوات النظامية السورية وتنظيم «داعش»، الذي هاجم مواقع عسكرية وسيطر على بعضها في القلمون الشرقي، في نكسة للحكومة السورية بعد أيام فقط من طردها التنظيم من معقليه في تدمر والقريتين بمحافظة حمص (وسط البلاد). وترافق هجوم «داعش» في سلسلة جبال القلمون مع تمكن أنصاره في جنوب البلاد من استعادة قرية كانت فصائل معارضة قد انتزعتها منه في ريف محافظة درعا. أما في شمال البلاد، فقد شنت القوات الحكومية هجوماً لاستعادة مناطق من أيدي عناصر «جبهة النصرة» وفصائل إسلامية أخرى في ريف حلب الجنوبي، لكنها اضطرت إلى التراجع مجدداً بعدما كانت قد حققت تقدماً في الصباح.
وكان دي ميستورا حدد الاثنين موعداً لبدء الجولة المقبلة من جنيف، رافضاً استجابة طلب دمشق إرجاء الموعد بسبب تزامنه مع الانتخابات البرلمانية في ١٣ الشهر الجاري. غير أن عدداً من المدعوين تبلّغ أمس إرجاء بدء الجولة إلى الأربعاء بسبب زيارة دي ميستورا لموسكو ولقائه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إضافة إلى نيته زيارة دمشق للحصول على «مرونة» في موقفها التفاوضي. كما جال نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في المنطقة والتقى قادة في المعارضة السورية لحضهم على تشكيل وفد موحد للتفاوض مع الوفد الحكومي.
وأشار مسؤول غربي إلى وجود عقبات عدة بينها إصرار دمشق على تجاهل «القضايا الجوهرية» والتركيز على مبادئ الحل السياسي والأمور الإجرائية، إضافة إلى ظهور عراقيل في عمل مجموعتي العمل المتعلقتين بالهدنة والمساعدات الإنسانية، بالتزامن مع صعوبات في بنية «الهيئة التفاوضية العليا» المعارضة التي تجتمع في الرياض اليوم، وكل ذلك يُضاف إلى تصاعد العمليات العسكرية في الأيام الأخيرة في مناطق عدة. وأضاف المسؤول: «بعدما كان هناك شعور بأن الأمور تسير في الطريق الصحيح وهناك دينامية في مجالات الهدنة والمساعدات ومفاوضات جنيف، يسود حالياً شعور أن الأمور عادت إلى البطء وكأن عجلة العملية توقفت عن الدوران».
وفي مؤشر آخر إلى مدى الصعوبات التي ستعترض مفاوضات جنيف، قال الناطق باسم «الهيئة العليا للمفاوضات» رياض نعسان آغا خلال مؤتمر عقد في الدوحة إن «رحيل الأسد هو مفتاح الحل. وإذا لم نتحدث عن مصيره، ستكون المفاوضات تضييعاً للوقت ومصيرها الفشل». وعبّر آغا عن عدم تفاؤله بأن تفضي المحادثات إلى نتيجة إيجابية بعدما وصلت المفاوضات حول تشكيل هيئة حكم انتقالي إلى «طريق شبه مسدود»، بحسب ما أوردت وكالة «فرانس برس».
إلى ذلك، نعت «جبهة النصرة»، ذراع فرع «القاعدة» السوري، الناطق باسمها «أبو فراس السوري» الذي قُتل الأحد بغارة أميركية في محافظة إدلب (شمال غربي سورية). وقالت الجبهة في بيان إن «التحالف الصليبي العربي» الذي تقوده الولايات المتحدة قتل القيادي فيها، موضحة أنه كان في قاعدة لحضور تخريج مقاتلين. وأعلنت الولايات المتحدة الاثنين مسؤوليتها عن قتله، علماً أنها تحدثت في بيان أمس عن شن غارة جديدة على متشددين في إدلب. وجاء البيان عقب تقارير أوردتها مواقع سورية معارضة عن غارة جوية استهدفت سيارة تقل خمسة من عناصر «النصرة» بينهم قيادي لم تُحدد هويته.
وفي إسطنبول (أ ف ب)، أفادت تقارير أمس أن تركيا اعتقلت رجلين لاتهامهما بالاعتداء على مراهقين سوريين بالضرب المبرح بهراوات بعدما شاهداهما يسرقان خبزاً. وأظهرت لقطات كاميرا أمنية رجلين يخرجان من متجريهما في محافظة هاتاي جنوب تركيا ويلحقان بالمراهقين بعدما أخذا عدة أرغفة من واجهة المخبز. ويظهر التسجيل الرجلين يحملان الهراوات وينهالان بها على المراهقين اللذين ركعا على ركبتيهما تحت وطأة الضربات الموجعة.
وفي نيويورك، قال ديبلوماسي غربي في مجلس الأمن إن المفاوضات بين الأطراف السوريين هي ما سيحدد ما إذا كان الأسد سيخوض الانتخابات المقبلة أم لا، في نهاية العملية الانتقالية. وأضاف أنه «في حال توصلت الأطراف السورية في المفاوضات إلى سيناريو يسمح مثلاً للأسد بالترشح، فنحن لن نعارض ذلك بشكل تلقائي» لأن «السوريين هم من سيحدد كيفية الانتقال السياسي». وأضاف أنه «يمكن تخيّل عدد من الحلول التي قد يتوصل إليها السوريون حول كيفية إجراء الانتخابات وأسسها، ومن يحق له الترشح، وإن هم توصلوا الى سيناريو يترشح فيه الأسد للانتخابات على سبيل المثال، فإننا لن نعترض». وقال إن موقف بلاده لا يزال يعتبر أن «سورية غير جاهزة حالياً لإجراء الانتخابات لأن جزءاً كبيراً منها يقع تحت سيطرة منظمة إرهابية» وأنه «حتى ولو جرت الانتخابات فإن موقفنا هو أن الأسد فقد الشرعية ليكون حتى مرشحاً». وزاد أن موقف بلاده من الأسد «لا يزال على حاله، بأنه فقد الشرعية وهو جزء من المشكلة ولا يمكن له أن يكون جزءاً من الحل، ولكنه جزء من العملية التي يجب أن تؤدي إلى حل سياسي سيأتي فقط مع الأسد خارج السلطة». ورفض تهمة القفز على العملية السياسية الانتقالية بموجب بيان جنيف الذي نص على تشكيل هيئة حكم انتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة. وأكد أن بلاده متمسكة ببيان جنيف «ونحن نرى أن هدف المفاوضات هو تطبيق بيان جنيف».
وفي جانب آخر ألمح المصدر نفسه الى إن إعلان إيران أنها ترسل قوات إلى سورية في هذه المرحلة يتعارض مع التقدم الذي حققه وقف الأعمال القتالية معتبراً أن «أي جهة تجلب المزيد من القوات الى سورية لن تساعد في تعزيز وقف القتال والحد من جموح المسار العسكري لصالح التركيز على المسار السياسي، وهذا ينطبق على جميع الأطراف».
الحياة