انتشرت في مناطق سيطرة النظام السوري، أسواق لبيع الأدوات المستعملة يطلق عليها أهالٍ «أسواق الغنائم»، في استعادة لحروب العصر الجاهلي، ذلك بالتزامن مع زيادة عمليات السرقة والنهب التي تقوم بها عناصر وميليشيات موالية للنظام لدى استعادتها السيطرة على المناطق.
ودار جدل إزاء التعامل مع هذه «الأسواق» بين من يعتبرها «حراماً» ويدعو إلى عدم الإقبال عليها من جهة، ومن لا يجد حرجاً في «أخذ مقتنيات الإرهابيين» ويعتبرها «حلالاً» من «غنائم الحرب».
وفي دمشق، تنتشر هذه «الأسواق» في شارع الثورة قرب ما يعرف بـ «سوق الحرامية» وفي أحياء الدويلعة، الطبالة، دف الشوك، شارع نسرين، نهر عيشة، الدحاديل، الميدان. وتشاهد في عدد من الدكاكين بضائع مسروقة، بينها أجهزة كهربائية بمختلف أنواعها وأثاث منزلي ونوافذ وأبواب وسجاد وأحذية… وقطع السيارات.
ووفق شهود عيان، «استباحت» عناصر موالية للنظام ومليشيا «قوات الدفاع الوطني» عشرات آلاف المنازل والمتاجر في الأحياء والمناطق التي استعاد جيش النظام السيطرة عليها في ريف دمشق، مثل مناطق حجيرة، السبينة، الذيابية، قرى منطقة المرج في الغوطة الشرقية، جزء من مدينة داريا، القدم والجزء الشمالي من مخيم اليرموك جنوب العاصمة. وقال شاهد عيان: «بعد ساعات من دخول الجيش وميليشياته منطقة السيدة سكينة في مدينة داريا (جنوب غربي دمشق) شوهدت شاحناته تخرج وهي محملة بغرف النوم وثلاجات وغسالات».
وكانت الحكومة سمحت أخيراً لأهالي حي القدم بالعودة إلى منازلهم، التي فوجئوا بها وبالمحال التجارية في الحي خالية من أي أثاث ومقتنيات، حتى أن بعض المنازل بدت وكأنها قيد الإنشاء وتحتاج إلى عملية إكساء شاملة، إثر سرقة الأبواب والنوافذ وخلاطات المياه والمفاتيح والأسلاك الكهربائية وحتى «المراحيض الإفرنجية».
وبعد أن كان أفراد المليشيات يقومون بعمليات بيع المسروقات لأصحاب محال «أسواق الغنائم» في الليل، بات هؤلاء ومنذ زمن طويل لا يعتريهم أي خجل من بيعها في وضح النهار، وإفراغ سيارتهم المغلقة أمام أعين المارة، بالترافق مع إطلاقهم كلمة «غنائم» وبصوت عال لعدة مرات وهم يفرغون حمولات سياراتهم. وقال أحدهم: «عش في هذه النعمة»، فيرد صاحب المحل متمنياً المزيد.
ومع بداية ظهور هذه «الأسواق»، كانت أسعار السلع شبه الجديدة منخفضة عن سعرها، فسعر الثلاجة تراوح بين 3 إلى 5 آلاف ليرة سورية (الدولار الأميركي كان يساوي وقتذاك ١٢٠ ليرة وحالياً ٥٠٠ ليرة) بينما ثمن الجديدة 50 ألف ليرة، وجهاز التلفزيون (20 بوصة) كان يباع في هذه الأسواق بحوالى ألفى ليرة، بينما سعره جديداً يقارب الـ١٤٠ ألفاً.
وفي تلك الفترة، انتهز البعض الذين كانوا يجاهرون بموالاة النظام، الفرصة لاقتناص صفقات من تلك المحلات، وأكملوا بها ما ينقص بيوتهم من حاجات، لاعتقادهم بأن «مصدرها حلال». ونقلت سيدة عن جارتها: «أولادنا في حرب مع إرهابيين، وكل ما يحصلون عليه هو غنائم، لم يعد ينقصنا شيء، كل ما ينقصنا من أثاث وحاجات اشتريناه بأسعار رخصية ومن نوعيات ممتازة».
في المقابل، يتردد عدد من النازحين الى تلك المناطق وبعض السكان الأصليين، في الإقدام على الشراء من تلك المحال رغم صعوبة الأوضاع المعيشية، لاعتقادهم أن مصدرها «حرام». وقال شاب في العقد الثالث من العمر: «الأمر لا يحتاج إلى عناء تفكير.. الحلال بيّن والحرام بيّن. الجميع يشاهد من يأتي بالأغراض إلى هذه المحال، ومن يعمل أصلاً في هذه المحال، وما هو مصدرها»، في إشارة إلى أن من يجلب المسروقات ومن يبيعها هم من عناصر الجيش وميليشيا «الدفاع الوطني» بعد سرقتها من البيوت التي هجرها أهلها.
ودعا خطباء مساجد إلى عدم الشراء من محال «أسواق الغنائم»، لأن ما تحتويه تم جلبه بطرق غير مشروعة ويعتبر «حراماً»، وأن الشراء منها «يشجع» من يقومون بعمليات السرقة على «الاستمرار» في ذلك. وبات كثير من المواطنين يفرقون بين محال «الأدوات المستعملة» التي كانت تنتشر في فترة ما قبل الحرب، وبين محال «أسواق الغنائم»، ولا يتردد بعضهم عند الاشتباه بهذه المحال عن سؤال البائع إن كان ما يحتويه محله مصدره «حلال»، وهنا يرد بعض الباعة بتأكيد أنه «حلال»، بينما رد آخرون بغضب: «لا أعلم، أنا أشتري ممن يريد البيع ولا أسئل عن المصدر». والتزم آخرون الصمت لدى سؤالهم.
لكن النازحين يعتريهم الكثير من الحسرة لدى مشاهدتهم حاجياتهم تباع في تلك المحال، ويحتارون بين إبلاغ صاحب المحل بأن هذه الحاجة لهم، الأمر الذي يؤدي إلى الدخول معه في جدل واسع، وبين السكوت تفادياً لحدوث تهديدات لهم، أو إعادة شراء حاجتهم. وقال مدرسة في العقد الثالث من عمرها: «لم أتفاجأ عندما شاهدت فستاني معروضاً في المحل»، وتضيف: «لكني لم أستطع أن أتفوه بكلمة واحدة سوى أن أسأله عن سعره وأشتريه».
ومع التدهور التدريجي لسعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي، عمد بعض أصحاب محلات «سوق الغنائم» إلى رفع أسعار ما يعرضونه ليقترب بعضها من سعر الحاجات الجديدة، خصوصاً المواد النادرة، بسبب توقف عمليات الاستيراد على خلفية العقوبات المفروضة النظام.
ولم تتخذ الحكومة أي إجراءات لوقف عمليات السرقة والنهب، بل تتم هذه العمليات أمام أعينها. ويتهم معارضون النظام ليس فقط بغض النظر عن عمليات النهب، بل «تشجيعها». وقال أحدهم من منطقة القلمون: «يريد النظام معاقبة المعارضين وتخويف الصامتين كي لا يخرجوا عن سيطرته». وأضاف: «أيضاً يريد أن يكافئ الموالين وجيشه وميليشياته من دون أن يدفع لهم من جيبه، كي يبقوا إلى جانبه. باختصار، فإن استباحة مناطق المعارضة سياسة منظمة يتبعها النظام».
الحياة